الرئيس والدستور
جمال رشدى
٠٧:
١٠
م +02:00 EET
الأحد ٣٠ ديسمبر ٢٠١٨
بقلم : جمال رشدي
الدستور ليس قوانين وتشريعات وضعية، بل ثقافة شعب تتوافق مع مكونات هذا الدستور وكل مواده، والمقصود بالثقافة هنا هي تراكمات موروثات ثقافة التاريخ السياسي للماضي البعيد والقريب.
فمنذ فجر التاريخ وثقافة الحكم في مصر، والتي كونت ثقافة الشخصية المصرية السياسية تتمثل في ثلاث، وهم فرعون والأمن والمعبد، ففرعون هو الرمز والقيمة ورأس الدولة الذي يمثل الكرامة والمهابة والشموخ والكبرياء، والذي استولدته الحياة الثقافية والسياسية والاجتماعية المصرية في شخص الحاكم، عبر تاريخ مصر الماضي والمتدرج إلي وقتنا الحالي.
ففرعون لا تتقبله الشخصية المصرية، إن يكون موظف عابر لمدة سنوات محدده، فحتى مع بزوغ نظرية الديمقراطيات في الغرب، وتداول السلطات لم يتقبل المجتمع المصري عبر تاريخ تلك النظرية، إن يصطبغ بصبغة تخالف صبغة ثقافته المتوارثة ونظرته فيما إن يكون عليه نظام حكمه.
وسبب تلك الثقافة وترسيخها يرجع إلي ارتباط فرعون بالأمن وهو الضلع الثاني لنظام الحكم في ثقافة الشعب المصري، والمتمثل في القوات المسلحة والتي هي سليلة شموخ الفراعنة والمنبثق منها فرعون الحاكم قديماً.
هنا الترابط الوجداني بين الشعب والأمن وابنهم فرعون الحاكم ،ومعهم المعبد الذي يمثل المؤسسات الدينية المتعاقبة في تاريخ الثقافة المصرية الاجتماعية، وهي الجانب الروحي الذي يمثل الإنسان وإنسانيته من فهم وحكمه وتسامح ومحبة، وفي كل ذلك انصهرت وتوافقت تعاليم الأديان في بوتقة عظمة تلك الشخصية، لكن دون إن تؤثر أو تتأثر داخل ثقافة الحياة السياسية.
كل ذلك يمثل مربط حصان الثقافة المصرية، في عدم قبول أن يكون ابن القوات المسلحة والذي يجسد المهابة والقوة والشموخ ممزوج بروح المعبد وعوامل الخدمة والبذل والعطاء والمحبة والتسامح، مجرد موظف عابر لعدة سنوات، فالأمر هنا ليس مرتبط بأسم أو شخص الحاكم أو قدراته ومقوماته بقدر تجسيده لمهابة وشموخ حضارة فرعون وجيشه كرمز وقيمة للشخصية المصرية.
ورجوعاً إلي مواد الدستور الحالي فهو معيب في كثير من مكوناته، لتضمينه مواد تعريه خارجة علي ثقافة المجتمع المصري، وربما لأسباب كثيرة خرج هذا الدستور الضعيف، ومن ضمن تلك الأسباب المرحلة الصعبة التي مر بها المجتمع المصري ونظام الحكم من 2011 إلي وقت تكوينه داخل لجنه الخمسين، الذي كان تكوينها معيباً بكل المعايير، فاعتمدت علي الترضيات السياسية للتوافق المؤقت، ولم تدرس تلك اللجنة العوامل الاجتماعية والثقافية والسياسية للحياة المصرية.
فلم نجد مفكر أو مؤرخ تاريخي أو اجتماعي، وربما أيضاً لم نجد رجل قانون ضليع بها، وللعجب العجاب إن كل دساتير العالم يتم صياغاتها عبر خبراء قانون، مدعمين بخبراء مجالات أخري
ولكن تلك تلك اللجنة فكانت علي شاكلة الجلسات العرفية للترضية والتوافق، دون العمق في الدراسة والتشخيص للماضي، ووضع ما يناسب الحاضر مع استقراء المستقبل، فمكونات الدستور نزعت ثوب الهوية الحضارية عن جسد الدولة المصرية، بمواد معيبة جعلت تلك الهوية داخل مخالب مؤسسات وجماعات لا تعترف بها ، وألان مؤسسات الدولة المصرية وعلي رأسها مجلس النواب أمام لحظة تاريخية بأن يكون لديها الإرادة السياسية في تخليص الهوية المصرية ورئيسها من ثوب العار التاريخي التي اكتست به مصر بسبب مواد هذا الدستور المعيب .
واطلب من النخبة السياسية والثقافية والاجتماعية التي تنادي بتعديل المادة التي تحدد فترة حكم الرئيس إن تتسع رؤيتهم لتشمل تعديل كل المواد التي أسأت إلي الهوية المصرية ورئيسها وان نطالب بتعديل وحذف كل المواد التي جنحت بمصر خارج دائرة هويتها.
أما المطالبة بتعديل المادة التي تحدد فترة حكم الرئيس، كمثل من يطالب بإعطاء صلاحيات قوية لسائق قوي وماهر لكن بسيارة متهالكة ومعطبة فلا فائدة من التعديل هنا، وأخيرا أقول لا يمكن بناء مصر إلا من خلال قوة هويتها الضاربة بقوة في عمق بداية التاريخ.