الفنون والهوية المصرية

 

لا ريب أن هناك علاقه تبادلية و طرديه بين الفن والمجتمع ، فالفن يساهم في صياغة روح وهوية  المجتمع والعكس أيضا  فالإثنان يؤثران علي بعضهما البعض… إن حضارات الشعوب وتقدمها تقاس بمدي الاهتمام بالفنون كما حدث في بعض البلدان الغربيه التي قدمت تاريخها من خلال الفنون... وعليه ، أرى أهمية أن تلعب الأجهزة الإعلامية والثقافية والشبابية والتربوية دورها في تعريف الأجيال الطالعة بماهية العمل الفني ودور الفنون والأنشطة الثقافية في الدفع بآليات التقدم والتنمية ، وقد حاولت التعريف بالفنون وبدورها في النقاط التالية :

• الفن مثله مثل كل الأنشطة الإنسانية الأخرى يساهم  في فك أسر قوى الإنسان التي قد تكون مكبلة أوجامدة بفعل التخلف الحضاري أو المرور بفترات انقطاع معرفي ..

• العمل الفني في النهاية يمثل ذلك الوجود المستقل والمتفرد وعلى جبينه اسم مبدعه ..

• رغم حالة التفرد للعمل الفني بدرجة من الاستقلالية ، فهو يضيف لمجتمع مبدعه بحيث يمكن إعادة الاستفادة بمجموعة المثيرات الملهمة للعمل والبناء عليها ، أو حتى الرفض إلى حد الاحتقار !

• ويقوم العمل الفني على كسر حالة الاستقرار المميتة للموجودات حولنا ، والتعامل بالتغيير أو التشكيل أو التفاعل من جديد لحالة التواد والألفة  مع الأشياء ..

• الفن لديه القدرة الرائعة على اختراق وغزو مناطق قد تكون غير مأهولة بما نعلم ، ولكن بوعي وبحسابات خاصة جدًا حتى لو بدت بعض إبداعات الفنان عاصية على التفاعل الكلاسيكي معها وتحتاج لمن يقرأ للمتلقى أبعادها الفنية ..

• عبقرية الفن في الخيارات المفتوحة المتاحة للفنان الحقيقي لاختيار ما يوافق خطته الإبداعية الجديدة ليبدأ التوليف فيما قرر الاستعانة به من عناصر بمهارة تجعل من أدواته الإبداعية خامات طيعة لإنشاء وجود جديد مبهر .. 

• الفن إذن بمثابة منصات رؤية عصرية متجددة لعوالم لم يرتدها المتلقي ، عبر عمليات فك وتركيب لشكل وطبيعة الموجودات التي قرر المبدع التعامل مع خصائصها الجمالية بكل تنويعاتها ..

• للفن أكواد أو لغات مضافة بمثابة رؤى مشفرة تظل في جعبة المُبدع لإعادة بثها بإضافات أو حذف في خياله المتجدد الحي ، والذي قد يباغت المبدع ذاته عند خروجه من اللا وعي .

• وعليه ، الفن ليس من أدوات صياغته تلك الأساليب التقريرية الاستهلاكية المباشرة انتظارًا لعلامات   ( مع / ضد ) بل بما يحرك في وجدان ومشاعر المتلقي من انفعالات مجازية ومتعة مشاركة خوض التجارب بكل مراحل نموها وتفاعلاتها الحية ...

ولاشك أن الاهتمام في المرحلة القادمة بإثراء الوعي الفني والثقافي بات ضرورة في مواجهة أهل التشدد وأصحاب الفكر الظلامي ، بعد أن صار البعض المُغيب منهم يتنادون بتحريم الفن ، لأنه يشغل الناس عن ذكر الله ، ولأنه يحض على الفسق والفجور ... وفي المقابل ينبغي التبشير بدور الفن في نشر قيم التسامح .

والآن ، هل لنا أن نسأل : متى ننجح كأجهزة حكومية وقوى مجتمعية في تبني مثل تلك المفاهيم حول قيمة الوعي الفني والثقافي في حياتنا ، و ضرورة التصدي بقوة للدعاوى المضللة التي تناصب الفنون ورموز الإبداع العداء بجهل وغباوة قلوب ؟..

هنا ، أطرح فقط عناوين أخبار لحوادث كان أبطالها من أهل الجهل بدور الفن أو من هم يرون فيها ما يعثر الناس ويمنعهم عن التواصل مع العبادات والقيام بطقوسها .. 

هي عناوين لرد فعل مواقع التواصل الاجتماعي على تصميم بعض تماثيل الميادين ، أنقل بعضها نصا وبحروفها  وبدون تدخل وبدون تعليق ، فالأمر محزن أن يجري القيام بتلك الكوارث على أرض مصر الحضارة والفنون منذ آلاف السنين !!!

• تمثال العالم الراحل الدكتور أحمد زويل بميدان على اسمه بكفر الشيخ مسقط رأسه، الذي أثار موجة من السخرية على السوشيال ميديا قائلين "أصنام قريش كانت أحلى من كده، ده تمثال مرجان أحمد مرجان، ده زويل وهو في ابتدائي، كفاية تماثيل واستوردوها من الصين، رجل التمثال راحت فين؟، أوسكار أفضل تمثال "مكسح"، ده زويل وهو طالب…" .

• يقع تمثال أم كلثوم في شارع أبو الفدا بالزمالك، أمام فندق أم كلثوم ،وصاحب هذا التمثال النحات طارق الكومي،وتتمثل أزمة التمثال في قيام رجال حي غرب القاهرة بطلاء التمثال بـ "الدوكو" بشكل سيئ، ما تسبب في تشويه ومحو المعالم الجمالية للتمثال، وأكد الفنان طارق أنه لم تتم الاستعانة به أو سؤاله قبل إعادة طلاء التمثال!!!

• كانت بداية تشويه تمثال الفنان عبد الوهاب المتواجد بميدان الشعرية عام 2014، عندما قام أحد الأهالي بتعليق لافتة مؤيدة للسيسي قبيل الانتخابات، وتم إتخاذ القرار بوضع تمثال أخر لمحمد عبد الوهاب، ولكن بحجم صغير، وظهر التمثال البديل المشوه في مرحلة تالية، حيث قامت طالبات مدرسة صناعية بطلائه ، وسخر رواد "الفيسبوك" من هيئة التمثال، قائلين: "لعنة الأستاذ هتلاحقكم أحياء وأموات"، فيما قال آخر: "تمثال محمد عبدالوهاب في باب الشعرية وهوا عامل دور أوجمانتين في فيلم " Star Wars.!!!

• قصة التمثال المشوه للملكة نفرتيتي بناه مبيض محارة ليتم وضعه في إحدى قاعات الأفراح، ولكن تم رفضه أن يوضع بالقاعة، وبقى "المبيض" أمامها لعدة أيام إلى أن أخذه المسئولين بحي الجنوب بالوحدة المحلية بسمالوط، وقالوا له: "سوف نأخذه ونلونه ونضعه في مدخل المدينة". وقرر محافظ المنيا الأسبق اللواء صلاح الدين زيادة، إحالة جميع المسؤولين الفنيين بالوحدة المحلية لمركز ومدينة سمالوط للتحقيق، لقيامهم بإخراج تمثال الملكة "نفرتيتي" بشكل مشوه ووضعه بمدخل المدينة دون الرجوع لمتخصصين. وتم إزالته بالفعل، ووضع تمثال أخر بعد ستة شهور من موجة سخرية على مواقع التواصل الاجتماعي، وقام الأستاذ بكلية الفنون الجميلة بجامعة المنيا الدكتور جمال صدقي بنحت تمثال أخر مكان المشوه.

• سادت حالة من الغضب بمدينة سفاجا عقب افتتاح ميدان العروسة بعد الانتهاء من تطويره، وانتقد عدد كبير من أهالي المدينة شكل التمثال المتواجد بميدان "العروسة"، واصفين إياه بأنه يمثل الراقصات في مصر وليس عروس البحر، فأطلق عليه البعض "ميدان صافيناز"، و"ميدان سونيا" سخرية من التمثال.ولم تكن تلك الحالة الأخيرة حيث عقبها تمثال أخر لعروس بحر وهي تمسك ذيلها، وبعد انتقاد عدد كبير من أهالي مدينة سفاجا للشكل النهائى لتمثال ميدان العروسة بوسط المدينة، عبر مختلف الفنانين التشكيلين عن استيائهم الشديد من شكل التمثال المتواجد بالغردقة ومن ضمنهم الفنان التشكيلى جمال مليكه، حيث قال إن تمثال عروس البحر الأحمر مهزلة المهزلة، موضحًا أن هذه الظواهر الغريبة متواجدة بسبب عدم توافق المؤسسات والبلديات والمحافظات المختلفة على قواعد ليست فنيه للعمل بها أو تحت إشرافها.