بقلم: فيفيان فايز
العنوان وحده يغرى من تقع عليه عيناه بأن يقرأ الكتاب خاصة هؤلاء الراغبين فى التحليق فى السماء بعيداً عن هذا العالم الملىئ بالصراعات والحروب والمجاعات والفقر والمرض والجهل والفساد والبلطجة والثورة المضادة والسلفية. ليت للإنسان أجنحة الفراشة يطير بها بين الزهور يتنسم عبقها فى هواء الربيع اللطيف.
بدأت حكايتى مع أجنحة الفراشة عندما وجدت قصة قصيرة لمحمد سلماوى فى ملحق الأهرام صبيحة أحد أيام الجمعة من شهر ديسمبر الماضى. وحيث أن محمد سلماوى هو أحد كتابى المفضلين، فقد شرعت فى قراءة القصة لأفاجأ فى نهايتها بأنها فصل من روايته الجديدة التى ستطرح فى معرض القاهرة الدولى للكتاب. إغتظت. فالقصة قد أثارت فضولى من نحو أيمن ورغبته فى إيجاد والدته. إذاً لابد من إنتظار معرض القاهرة لشراء الرواية. قامت الثورة وألغى المعرض وفرض حظر التجوال . لا بأس. فى أول فرصة إشتريت الكتاب وقرأته "من الجلدة للجلدة" فى جلسة واحدة وهو ما أعتبره من مؤشرات جودة الكتاب، وأن كان مؤشراً غير علمياً.
الرواية لها بطلان يدوران فى عالمين مختلفين وكأنها قصة مدينتين، مما يذكرنا بشارلز ديكنز وروايته التى تدور أحداثها فى أجواء الثورة الفرنسية، وبطلا "أجنحة الفراشة" هما ضحى وأيمن. وضحى شخصية أرستقراطية تدور فى عالم المال والسياسة بينما أيمن ينتمى للطبقة الكادحة. تبحث ضحى عن نفسها التى كانت أمها سبباً فى طمس معالمها ووأدها بتزويجها من مدحت الصفتى الذى يعتبر عمه من رموز الحزب الحاكم وهى بعد فى السنة الأولى من دراستها الجامعية، بينما يبحث أيمن عن والدته التى أخفاها عنه أبوه عندما أوهمه أن السيدة التى تعيش معهم هى أمه بينما فى الحقيقة هى زوجة أبيه، ويبحث عبد الصمد أخو أيمن عن فرصة للهروب من الفقر والوصول إلى حياة رغدة وسهلة حتى لو كلفه ذلك أن يبيع نفسه.
تأخذك قصة ضحى إلى عالم ساحر حيث السفر إلى إيطاليا وقصة حب رومانسية هادئة مع أشرف الزينى أحد رموز المعارضة من خلالها يستمتع القارىء بزيارة نافورة العشاق والمطاعم الإيطالية وفنون العمارة والأزياء والسينما والإستماع إلى الموسيقى الكلاسيكية، ولكن أجمل ما فى حكاية ضحى هو ذلك التشبيه الذى إستخدمه سلماوى ببراعة ليشرح التحول فى شخصيتها من إنسانة تعيش داخل ذاتها إلى انسانة قررت أن تنطلق فى حياتها العامة والخاصة بالفراشة المصرية التى كانت لديها القدرة على العيش فى طور الشرنقة لسنوات طويلة نظراً لظروف الأجواء الصحراوية القاحلة ثم تتحول إلى فراشة جميلة متى هطل المطر وتفتحت النباتات.
أما أيمن وأخوه عبد الصمد فإن قصتهما تمثل عنصر التشويق والإثارة فى الرواية. فهل سوف يجد أيمن والدته؟ وهل سينجح عبد الصمد فى السفر والزواج من الشيخة الكويتية التى تكبره بعدة سنوات؟
تنتهى الرواية نهاية كلاسيكية حيث ينتصر الحب بطلاق ضحى من مدحت ومصارحة أشرف الزينى لها بحبه ويجد أيمن والدته ويتصالح مع أبيه، ويلقى الأشرار جزائهم، فقد إنتهى مستقبل مدحت السياسى بقيام الثورة وإنتهى حلم عبد الصمد بالوصول السريع للحياة الرغدة عندما يكتشف أنه فى الحقيقة قد وقع فى فخ عصابة من النصابين قاموا بسرقة مبلغاً من المال أوهموه أنه مقابل تسفيره إلى الكويت كان قد إقترضه من أيمن وبعضً من أصدقاءه.
يلتقى أيمن وضحى فى نهاية الرواية أثناء الثورة.
الأحداث فى آخر الرواية سريعة ومتلاحقة فبينما أفرد الكاتب لقصة ضحى وأيمن وأخوه خمس وعشرين فصلاً من جملة إثنين وثلاثين وأمتعنا بقصتين بكل تفاصيلهما الدقيقة، وسبر أغوار شخصياتهما ورسمهم بوضوح إلا أنه خصص لكل أحداث الثورة ونتائجها سبع فصول جرت فيها الأحداث سريعة ومتلاحقة وتنبأ فيها سلماوى بقيام الثورة على يد الشعب ووقوف الجيش بجوار الشعب وسقوط الحزب الحاكم. كنت أتمنى أن تأخذ هذه الأحداث وقتها حتى يكون هناك نسبة وتناسب بين عناصر هذا العمل الفنى.
كما أحب أن أشير أيضاً إلى غلاف الكتاب الذى لم أستطع أن أربط بينه وبين الرواية سواءً فى أحداثها أو شخوصها.
فى النهاية لا يسعنى سوى أن أقول أن الرواية رائعة وأنه يمكن تحويلها إلى فيلماً سينمائيا ممتعاً.