بقلم: فيفان فايز
"مصر تخينة بأهلها". هذا هو عنوان المقال الذي كتبه الدكتور "خالد منتصر" ونشر في جريدة "المصري اليوم" بتاريخ 17 يوليو. ورغم أني أتفق تمامًا مع محتوى المقال، إلا إننى أؤمن أيضًا أن للحقيقة دائمًا أوجه عديدة، لذلك فسوف أتوقف قليلًا عند عنوان المقال الذى لا يخلو من سخرية. ولا تستهن عزيزي القارئ بمسألة السخرية هذه لأن كل إنسان يعاني من السمنة يتعرض لقدر لابأس به من السخرية، قد تكون لاذعة في بعض الأحيان، ولا يستثني من ذلك أحد، من الأطفال إلى الشيوخ. إن قلبي ينفطر عندما أرى طفلًا بدينًا إذ إنني أدرك على الفور إن هذا الطفل موعود "بصراع طويل مع السمنة"، إذا جاز التعبير.
فإذا سألنا أنفسنا إذا كان الإنسان البدين مسير أم مخير في بدانته، يتضح لنا أن محاولة الإجابة على هذا السؤال ليس بالأمر الهين، فهناك الكثيرمن العوامل الوراثية والمرضية التي تتدخل في هذا الأمر الذي لا يعتمد فقط على حجم ما يستهلكه الإنسان من طعام، والذى يتحكم فيه أيضا مركز الشبع في المخ. إذا يجد الإنسان البدين نفسه عرضة للسخرية لسبب أو أسباب قد لا يكون له يد فيها. هل يعني ذلك أن الإنسان البدين مسير ولا فكاك له من مصيره المحتوم مع السمنة؟ لا أظن وإلا لما استطاع أحد أن يتغلب على هذه الآفة بكل عواقبها الصحية والنفسية والاجتماعية بل والاقتصادية أيضًا.
لنعد الآن إلى الطفل البدين الذي يجد نفسه عضوًا بالوراثة في "حزب الجميز" (هل لاحظت عزيزى القارىء هذه السخرية؟) يجد هذا الطفل نفسه موصومًا في الحضانة والبيت والمدرسة...إلخ وتكبر معه المشكلة. لقد أدركت حجم هذه المشكلة عندما شرع شابًا من عائلتي الذي لم يتعد السابعة والعشرين ربيعًا في إجراء عملية تدبيس للمعدة باستخدام الليزر، فماذا كانت النتيجة؟ فقد هذا الشاب ما يزيد على الخمس والعشرين كيلوجرامًا من وزنه ولكنه كاد يفقد حياته أيضًا، فقد تسببت هذه العملية في إحداث ثقبًا في معدته لم يلتئم حتى الآن. هل كان يحتاج هذا الشاب إلى هذه العملية؟ لا أعتقد. فبدانته لم تكن مفرطة وجسمه لم يكن مترهلًا ولا كان ذو كرش.
إن السخرية تؤثر على صورة الإنسان عن نفسه self-image ، ويعتبر الإعلام وما يبثه من صور عن مقاييس الجمال والرشاقة من العوامل المؤثرة فى تكوين المرء لصورته عن نفسه، وما هو مقبول وما هو منبوذ فى المجتمع. (هناك قناة فضائية عربية إخبارية شهيرة أكاد أجزم أن طول الرقبة هى من معاييرها الأساسية فى إختيار المذيعات)، لقد انتبه الإعلام في الغرب إلى هذه المشكلةعندما أدرك أن مقاييس الجمال والرشاقة التي بثها في عقول الشباب قد أحدثت أضرارًا نفسية ومرضية كثيرة، فقد بث مقاييس تتطلب من كل فتاة أن تكون عروسة "باربي" ومن كل شاب أن يكون "توم كروز".
أصيب الجميع بهوس الرشاقة والنحافة فأقدم قريبي على إجراء هذه العملية الخطيرة وأصيبت الكثير من الفتيات في الغرب بمرض الأنوركسيا anorexia وهو خوف مرضي من الطعام يؤدي إلى درجات غير طبيعية من النحافة قد تفضي إلى الموت.
لقد انتبهت بعض الشركات أيضا إلى خطورة نشر هذه الصورة عن الجمال فقامت بعض المحطات التليفزيونية الشهيرة مثل سى إن إن، على سبيل المثال، بتعيين مذيعات بدينات واستعانت إحدى شركات المنتجات الصحية والجمالية العالمية بسيدات بدينات ومتقدمات في العمر في حملاتها الإعلانية.
ما الحل إذا؟ ليست هناك إجابة سهلة على هذه المشكلة التي شغلت الأطباء والعلماء والبدناء كثيرًا.
ربما تكون قد استطعت عزيزى القارئ أن تستنتج أنني من البدينات. نعم أصبت. فأنا امرأة بدينة وأعاني من مشكلة السمنة (رغم أني كنت طفلة نحيفة) ولكني قد اتخذت قرارين أرجو أن يكون لهما أثرًا إيجابيًا على صحتي الجسدية والنفسية في يوم من الأيام. فقد قررت ألا أنتبه إلى وزني وأن أنتبه بدلًا من ذلك إلى طعامي، فقد قررت أن آكل فقط الطعام الصحي والإكثار من الخضروات والفواكه والابتعاد عن الطعام المقلي والمحمر، وتجنب الوجبات السريعة والجاهزة واللحوم المصنعة، والإكثار من شرب الماء وإلغاء وجبة العشاء.
ثم قررت أن أتبنى شعارًا. فمنذ عدة قرون مضت تبنى العبيد السود فى أمريكا شعارًا لهم عبارة عن آية من الكتاب المقدس يواجهون به تمييز البيض لهم بسبب لون بشرتهم. لقد رفع هؤلاء شعار "أنا سوداء وجميلة" أما أنا فسوف أقول "أنا بدينة وجميلة"!