بقلم نسيم عبيد عوض
لقد أنفرد القديس لوقا البشير ببشارة السيدة العذراء مريم أكثر تفصيلا من غيره , وجاء الإعلان عن التجسد الإلهى للبشرية كلها وكيف يتم ‘ فى الإصحاح الأول من إنجيله والأعداد من 26الى38 , وجاءت البشارة الإلهية على ثلاثة أجزاء ولنا تأمل فيها:
أولا: رسالة من الله :
حيث يبدأ الوحى الإلهى يعرفنا "26"وفى الشهر السادس أرسل جبرائيل
الملاك من الله إلى مدينة من الجليل اسمها ناصرة."", وهذه بداية تحقيق تدبير الله بالتجسد الإلهى فى ملء الزمان , أو البشارة السماوية بميلاد السيد المسيح ‘ وهانحن أمام بشارة سمائية يبدأ معها البشارة بخلاص البشرية , تدابير إلهية تفوق العقل البشرى, بدأها الله مباشرة بعد سقوط آدم وحواء فى معصيته والتعدى على وصاياه , فالعدل الإلهى ينفذ قراره بأنه(آدم) يوم أن يأكل من شجرة الخير والشر موتا يموت, ومات روحيا وماتت معه كل البشر ودخلت الخطية الإنسان وأورثها لكل الأجيال , ومباشرة جاء الوعد الإلهى للخلاص "نسل المرأة يسحق رأس الحية .تك3: 15"وهاهى أنوار الخلاص بالبشارة المجيدة.
كانت هذه بداية إنفتاح معاملات الله الفائقة مع البشر الساقط وبعد دهور طويلة أعد لها الله زمنا , ليبدأ تحقيق مواعيد الله الصادقة والأمينة. طوال عصور العهد القديم والله يمهد لهذا اليوم , ويبدأها بهذه العذراء التى قالت عنها النبوة " إش 7: 14"يعطيكم السيد نفسه آية. ها العذراء تحبل وتلد ابنا. وتدعو اسمه عمانوئيل.". ويقول الملاك جبرائيل للقديسة العذراء مريم "سلام لك أيتها الممتلئة نعمة ..لا تخافى لأنك وجدت نعمةعند الله."
سبق الله وأعطى لإبراهيم اسما لولده اسحق قبل أن يحبل به فى البطن, وهو الذى سيأتى منه النسل الموعود لبركة جميع الأمم وخلاصهم , وهاهو جبرائيل الملاك يخبر العذراء مريم بالأسم الموعود, وتسمينه (يسوع) ‘والذى فى معناه خلاص العالم ,وهذا الأمر لم يخفيه الله عن نبيه إشعياء قبل 750 سنة من ميلاد المخلص ,حيث قال بروح النبوة"إش49: 1"اسمعى أيتها الجزائر ,وأصغوا أيها الأمم من بعيد .. الرب من البطن دعانى .من أحشاء أمى ذكر اسمى ."فكانت هذه البشارة انفتاحا للسموات عرضا وعمقا على بشر العالم كله.
كانت العذراء لله التى اختارها له وقدسها لنفسه وسبق وأنبأ بها , فهذه العذراء الطاهرة أفخر من خرج من صلب آدم وحواء لتحمل فى أحشائها إبنا موطنه السماء ,من جنس الله عرفه الملاك الواقف امام الله أنه " ابن العلى يدعى". ولأن العظمة الحقيقية لله وحده فقد أقر الملاك "بأنه يكون عظيما". وهذا الحدث المهيب السماوى والذى تردده السماء ومن سماء السموات قادم, وهو الأبن الذى يملك علينا الى الأبد ولا يكون لملكه نهاية , ولأننا نملك معه ونرث فيه الى كل ميراث الله , لذلك هذا الجزء من البشارة يحق ان يطلق علية تذكار البشارة والميلاد والقيامة.
حياها الملاك بتحية فائقة, سلام لك أيتها الممتلئة نعمة الرب معك , ونحن معه نحييها أعظم تحية:
سلام لك يامريم ياجبل الخلاص الذى رآه دانيال وقد قطع منه حجر بغير يدين.
(دا2: 34) , "الله العظيم " دا 2: 45"
سلام للتى شبهت بتابوت العهد المصنوع من خشب السنط كباقى البشر, والرب طلاها بالذهب النقى , وهو البر الذى ميزها وقدسها عن باقى نساء العالمين , مباركة أنت فى النساء أكثر من جميع نساء الأرض .
ثانيا : كيف تم التجسد الإلهى ؟
استدركت القديسة مريم الفتاه الصغيرة الملاك ليكمل بشارته بسؤالها , كيف يكون هذا وأنا لست أعرف رجلا , وأنها بتولة وقد نذرت نفسها ان تعيش فى بتولية , قال لها الملاك " الروح القدس يحل عليك " وقد إحتوى روح القدوس الرحم وصاحبته فكان بمثابة البذرة الإلهية التى سكنت كيانها الأنثوى. "وقوة العلى تظللك" بمثابة الحضن الأبوى للإبن الوحيد فى أحشائها. "لذلك القدوس المولود منك يدعى ابن الله" وهذا ليس مجرد اسم أو لقب بل كيان إلهى من كيان إلهى, خرج من الحضن الإلهى .(أنا والآب واحد)يو10: 30.ومازال يحتويه.
عظيمة أنت القديسة مريم لأنك أكملت قصة أبونا إبراهيم مع الله , فقد جسدت إيمان ابراهيم بالله فحسبه له الله برا ‘ آمنت وحل باحشائها ذاك الذى به تتبارك كل أمم الأرض وبه وحده تتبرر.
ثالثا:هوذا انا أمة الرب
كانت الفتاة الشابة الصغيرة فى لحظات البشارة فى حاجة ماسة لمن يسند ايمانها , فجاءها ملاك الرب بقوله "هوذا اليصابات نسيبتك هى أيضا حبلى ..لأنه ليس شيئ غير ممكن لدى الله" , وكان إذعانها لمشيئة الله هو بدء دخول الوعد الإلهى حيز التنفيذ فور أن قالت "هوذا أنا أمة الرب .ليكن لى كقولك."
بهذه الكلمات البسيطة أعطت السيدة العذراء درسا للبشرية كلها , ولا عجب وهى أيقونة السماء والأرض , وهى التى انفردت بدعوتها الممتلئة نعمة, الرب معك , المولود منك يدعى ابن الله , الله , وكل هذه النعم وتقول للملاك هوذا انا أمة الرب. وكلها دروس تعطيها لنا العذراء
:
1- الإيمان والثقة والإيقان: كقول الرسول " ليحل المسيح بالإيمان فى قلوبكم.أف3: 17, فاليوم ان سمعتم صوته لا تقسوا قلوبكم ‘ يدعونا الرسول العظيم بولس " جربوا أنفسكم هل انتم فى الإيمان؟ ..إمتحنوا أنفسكم.. هل إيمانى يتجسد فى صلاتى الدائمة لله؟ , فى حفظ وصاياه وكلمته المقدسة , هل انا متغرب عن عالم الماديات والشهوات وأعيش حياة روحية صادقة ممسكا بيد الله فى تسليم كامل؟.
2- كانت السيدة العذراء مثال الوداعة والتواضع (أمة الرب) ومن أجل فضيلة تواضعها إختارها الله مسكنا له , لهذا سبحت الرب قائلة" تعظم نفسى الرب . وتبتهج روحى بالله مخلصى.لأنه نظر الى إتضاع أمته."
3- يقول يشوع بن سيراخ 26: 28" المرأة المحبة للصمت عطية من الرب والنفس المتأدبة لا تستبدل بها." وأجمل ماقيل عن العذراء فى الكتاب المقدس "وأما مريم فكانت تحفظ جميع هذا الكلام متفكرة به فى قلبها" .لو2: 19
فلنتمثل بها فى سلوكنا وحياتنا على الأرض ونتعلم فضائلها ونتمسك بها فى هذا الزمان.
بركة وشفاعة وصلوات القديسة مريم تديم علينا وعلى شعب مصر جميعا وعلى كل المحبين لها. أمين.