بقلم: حامد الحمداني
منذ أن انتخب محمود أحمدي نجاد رئيساً للبلاد قبل أربع سنوات، بدأ النظام الإيراني يولي اهتماما شديداً نحو التسلح، ومحاولة امتلاك ناصية السلاح النووي، مدفوعاً بتطلعات بعيدة المدى تستهدف الهيمنة على منطقة الشرق الأوسط بصورة عامة، والخليج بصورة خاصة، مسخراً معظم موارد الدولة في هذا الاتجاه على حساب المتطلبات المهمة التي تتعلق بحياة الشعب الإيراني المادية والمعيشية، وتأمين الخدمات الضرورية للمواطنين، ومعالجة الفقر والبطالة، والتصدي للتضخم وارتفاع الأسعار التي أرهقت جيوب المواطنين.
إن هذا التوجه لحكومة نجاد قد خلق لإيران مصاعب جمة، سياسية واجتماعية، وأمنية، أقلقت أبناء الشعب الإيراني التواق لحياة آمنة، ونظام ديمقراطي يحترم الحقوق والحريات العامة، وحقوق الإنسان، والعدالة الاجتماعية، ولاسيما الجيل الناهض من الإيرانيين الذين أصبحوا أكثر وعياً، واشد اندفاعا، وهم تواقون للخلاص من هيمنة رجال الدين الذين حكموا البلاد منذ عام 1978، والذين يتحكمون في حياة المواطنين وحرياتهم الشخصية، ويستنفذون ثروات البلاد على السلاح، ويتجاهلون المصاعب المعيشية للشعب الإيراني، ولا شك أن لثورة المعلومات التي جاء بها الانترنيت أثره الكبير في نشر الوعي لدى الشباب، وتصميمهم على على تحقيق طموحاتهم في حياة أفضل.
إن حكومة إيران تواجه اليوم ضغوطاً عالميةً متصاعدا تستهدف الحيلولة دون امتلاكها السلاح النووي، وتتصاعد العقوبات التي فُرضت عليها لعدم التزامها بقرارات الأمم المتحدة فيما يخص منع انتشار الأسلحة النووية.
كما تتصاعد لهجة التهديدات الأمريكية والإسرائيلية من جهة، والتهديدات المضادة من جانب حكومة نجاد من جهة أخرى بالحرب مما يجعل الشعب الإيراني يعيش حالة من الرعب والقلق الدائم لما يمكن أن تؤول إليه الأحوال إذا ما وقعت الحرب، أو حتى وقع خطأ أوحى بوقوع هجوم، مما يمكن أن تنطلق الصواريخ والصواريخ المضادة، وما يمكن أن تسببه من خراب ودمار وضحايا لا يمكن تحديدها.
إن هذا الوضع الخطير الذي يواجهه الشعب الإيراني هو الذي دفعه إلى المطالبة بالتغيير، ومن أجل ذلك خاض الحملة الانتخابية معبئاً جماهير الشعب الرافضة لحكومة احمدي نجاد، ودولة ولاية الفقيه، والصلاحيات المطلقة التي يتمتع بها السيد خامنئي، والوقوف إلى جانب مرشح المعارضة السيد مير حسين موسوي، وكانت كل التقديرات تشير إلى شعبية موسوي الواسعة، والثقة التامة في فوزه بمنصب رئيس الجمهورية في الانتخابات التي جرت مؤخراً، حتى أن السيد مير حسين موسوي أعلن أثناء فرز الأصوات تفوقه على أحمدي نجاد.
لكن المفاجئة جاءت على عكس ذلك، حيث أُعلن عن فوز نجاد بنسبة جاوزت 63% على منافسه مير حسين موسوي الذي قالت مفوضية الانتخابات انه فاز بنسبة 33% من أصوات الناخبين.
ولم تكد هذه النتائج تُعلن حتى هبت الجماهير الإيرانية وطلاب الجامعات، والعمال والكسبة وحتى جانب من رجال الدين، وعلى رأسهم الرئيس السابق محمد خاتمي في مظاهرات صاخبة ضمت مئات الألوف من المواطنين المستنكرين للتزوير الحاصل في الانتخابات وفرز الأصوات، وما لبثت المظاهرات هذه تتوسع وتمتد لتشمل سائر المثقفين والمثقفات مطالبين بإلغاء الانتخابات المزورة، ومعلنين فوز السيد مير حسين موسوي، وأخذت تتصاعد هتافات المتظاهرين بسقوط حكومة نجاد ، ومطالبين بالحرية والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية والسلام؟
لقد أقلقت هذه المظاهرات النظام الإيراني بصورة جدية، وبدأ النظام يحسب لها ألف حساب، ولجأت إلى منع الصحفيين، وكافة وسائل الأعلام المرئية والمسموعة، من نقل صور تلك المظاهرات، وطردت العديد منها، لكن المتظاهرين استطاعوا بث الكثير من الصور عن طريق كامرات الهواتف النقالة، وعن طريق الانترنيت ليطلع عليها العالم أجمع، وأدت تلك الصور إلى حملة استنكار عالمية على المستويين الشعبي والرسمي .
لقد أظهرت الصور التي استطاعت بعض وسائل الإعلام بثها تلك الجموع التي قدرت بمئات الألوف من المواطنين أن هناك في طهران ثورة مخملية قد نشبت تستهدف ليس فقط إبطال انتخاب نجاد، بل وأحداث تغيير حقيقي وجوهري في البلاد، وقد تصدت قوات الأمن للمتظاهرين مستخدمة الغازات المسيلة للدموع، والهراوات، لكن المتظاهرين تحدوا قوى الأمن، وخاضوا اشتباكات واسعة معهم أدت إلى سقوط 7 قتلى، وعدد كبير من الجرحى بعد أن استخدمت قوات الأمن الرصاص لتفريق المتظاهرين، واستمرت المظاهرات بشكل يومي دون توقف، والجماهير تعلن إصرارها على تحقيق مطالبها المشروعة، واستمرت قوات الأمن في التصدي للجماهير، مما ينذر بتصاعد الأزمة، وتحول الثورة المخملية إلى ثورة دموية لا أحد يستطيع تحديد نتائجها، وكل الدلائل تشير إلى أن الشعب الإيراني عازم على مواصلة النضال، وعدم التراجع مهما كبرت التضحيات، وهي مصمصة على تحقيق تغيير حقيقي في البلاد يخرجها من هذه الأزمة، ويحقق حلم الشعب الإيراني في إقامة نظام حكم ديمقراطي تسوده قيم الحرية والعدالة الاجتماعية والحياة الكريمة والسلام.