بوادر اختزال مصر إلى ولاية إسلامية
بقلم: د. صبري فوزي جوهرة
أسطر كلمتى هذه تأييدًا لمقال الزميل الأستاذ "صبحى فؤاد" الحصيف الذى نُشر على موقع "الأقباط متحدون" بتاريخ 19 أغسطس لهذا العام، تحت عنوان "إياكم و توريط مصر فى حرب ضد إسرائيل". أكرر التحذير الشديد بضرورة اعتبار كل ما جاء فيه.
كنت أول مَن حذر بتوع الدقون و الجلاليب "الترواكار" والزبيب الملطوع على الجباه من مغبة مثل هذه المغامرة القاتلة عقب فتح معبر رفح على مصرعيه و بلا ضوابط. أوضحت عندئذ إن احتلال إسرائيل لسيناء للمرة الثالثة فيما يزيد قليلاً عن النصف قرن سيؤدي إلى بقاء دائم فى ذلك الجزء الذي لا يتجزأ من أرض مصر. قلت عندئذ بالحرف الواحد (إن الاسرائيليين مش حيطلعوا هذه المرة حتى بالطبل البلدى)، مع الاعتذار لطبالى الفنانة المبدعة فيفى عبده و خليفاتها المتألقات. ما حيصدقوا تسنح لهم هذه الفرصة الذهبية.
الجيش المصرى غارق الآن للركب فى مهوبصات داخلية يبدو فيها وكأنه يساند الإسلاميين ويمنحهم كافة الفرص للبرطعه فيما يهدفون إليه من إحالة مصر ذات السبعين قرن من الحضارة إلى "ولاية إسلامية"، ويقال إن أربعة عشر من التسعة عشر عضو المؤلفين للمجلس العسكرى الموقر الذى يتولى الآن إدارة شئون مصر بكاملها (و ربنا يجعل كلامى خفيف عليهم) لهم ميول إخوانية.
قوات مصر المسلحة تحت الظروف والأحوال القائمة ببساطة وصراحة مش حمل اللعب مع إسرائيل. فالواقع يوضح للجميع إن المجلس لم يستطع بعد أن يُحكِم السيطرة على الأمن والعدالة فى مصر، والسبب فى ذلك قد يرجع إلى انعدام الخبرة بالحكم المدنى أو عدم الرغبة فى بذل جهد أكبر فى هذا السبيل ربما لغرض فى نفس العسكر. دعنا هنا نتجاوز العنتريات والحديث عن "نصر أكتوبر" الذى هو فى حقيقته انتصار"نص كم" ينحصر بأكمله من وجهة النظر العسكرية فى عبور القناة المبهر.
أما ما جاء بعد ذلك فلا يرقى إلى مراتب النصرمطلقًا. نفسنا اتقطع بسرعة وانتهى بنا الأمر أن نعقد محادثات وقف إطلاق النار غرب قناة السويس على بُعد دقائق من القاهرة بينما ظل جيشنا الثالث محاصر فى سيناء تحت رحمة الإسرائيليين.
نصر أكتوبر هو انتصار سياسي رمزى أتاح لنا فرصة إستعادة سيناء كاملة ودفعنا لذلك ثمنًا باهظًا بأن وضعنا فى جعبة الأمريكيين منذ ذلك الوقت وإلى اليوم، شئنا الاعتراف بهذه الحقيقة المؤلمة أم أبينا.
سيطرة إسرائيل العسكرية على سيناء ستوفرلها عمق إستراتيجى دفاعى وهجومى نفسها فيه من زمان، كما أنها ستوفر لها "مجال حيوى" مثل الذى تحدث عنه أدولف هتلر عندما اطلق عدوانه على الدول المجاورة. يترجم هذا الى فوائد اقتصادية جمة من استغلال الاراضى المكتسبة فى السياحة و نهب الموارد الطبيعية الغزيرة التى أهملناها لقرون.
ناهيك طبعًا عن التحكم فى قناة السويس وتخريب اقتصاد مصر بأكمله وفرض الفوضى عليها بضرب مدن القنال والتهجير المكثف لسكانها إلى الدلتا و القاهرة التى ترزح فعلاً تحت حملها الحالى أو لا تكاد.
لنتخيل مدى الانهيار الاجتماعى والاقتصادي والنفسى الذى سيصيب شعب مصر الذى أعتقد إلى يوم قريب بأن ثورة 25 يناير ستكون بداية واثقة على طريق التقدم و الازدهار، فإذا بالمخربين والمتآمرين والمطززين والمهرجين والمخدوعين والفهلوية و الهبل يعبثون بمصائر البلاد و تطلعات العباد ويهرقون دماء الشهداء عبثًا.
بقدر ما تمر به مصر الآن من أوقات عصيبة فإن الأمر يختلف إلى حد بعيد فى معسكر العدو، وإلا ما الذى يحدو بإسرائيل أن تبدو بمثل هذه الثقة حتى أنها لا تتردد فى تحدى "أجدع رئيس أمريكاني هو ونائبه".
ذلك بغض النظر أو بالاضافة إلى حالة الضعف المهين التى يعانيها الرئيس الأمريكى الآن وهو للتذكرة رئيس الدولة الوحيد الذى انحنى ليقبل يد أبو السعود المربربة. هو أيضًا فى طورالاستعداد لدورة الانتخابات الرئاسية القادمة، و من ثم سيكون حرصه الشديد على عدم "عكننة" محبى إسرائيل وأنصارها فى أمريكا و ما أكثرهم و ما أقواهم.
تتقدم "أجندة" إعادة الانتخاب أي اعتبار رئاسى آخرخلال العام السابق للانتخابات وتهبط حمية الرؤساء فى متابعة الشئون الخارجية إلى الندير. يتحتم علينا الحذر إذًا ألا نتعلق برجاء فى "نجدة أمريكية" تحفظ لنا ماء الوجه إذا دفعنا بأنفسنا إلى نزال غير متكافىء و غير ناجح مع أولاد العمومة.
ثم ماذا لو تحركت أصابع إسرائيل أثناء الحرب فى دولة جنوب السودان الجديدة لعرقلة انسياب مياه النيل بمعدلاتها المعتادة لنا أو "شدت إسرائيل ظهر" أثيوبيا بالمساعدات الفنية والاقتصادية وتحرضها على المضى قدمًا فى مشروعاتها التى بدأت فعلاً لاحتجاز المزيد من نصيب مصر من مياه النيل الأزرق؟ وماذا لو تطورت الأحوال الشاذة و المقلقة فى ليبيا إلى ما يدعو سكانها إلى الاندفاع فى هجرة جماعية نحو مدن شمال مصر؟ كيف سنواجه هذه الموجات البائسة اليائسة من جيران الغرب فى مدن الدلتا المكتظة و التى تعانى حاليًا من نقص مياه الشرب و الخدمات الحيوية؟
ولا شك أن مشاكسات إسرائيل لمدن القناة ستعود و تزداد من مواقعها الجديدة فى سيناء وتعاد مأساة التهجير وما ترتب عليهامن انهيار اجتماعى واقتصادي إعادة مريرة لما تجرعناه بعد هزيمة 1967.
كان ما سبق عرض لما قد يقع بنا سياسيًا من جراء التورط فى حرب مع إسرائيل. أما النتائج العسكرية لمثل هذه المغامرة فليست بأقل خطورة و لن تكون لصالحنا. فإذا كان العاقل هو من يتعظ، فعلينا مراجعة ما صرح به الأمريكان علنًا و على عينك يا تاجر فى الماضى من أنهم لن يسمحوا لمصر (أو أية قوة عسكرية أخرى بطبيعة الحال) بتسجيل انتصار عسكرى على إسرائيل.
مرة أخرى عايننا ذلك بأنفسنا فى حرب 1973 و عانينا من جرائه، وبغض النظر عن عنتريات المتشدقين "بانتصار السيد حسن نصر الله" على اليهود و "ضربهم على قفاهم" و عن أوهام أحد المتخلفين المعتقدين بخرافات انتصار حزب الشيطان على إسرائيل و هلوسات المرددين لأحلام لم تتحقق و كأنها واقع (راجع تعليق أحدهم على مقال الأستاذ صبحى فؤاد المشار إليه اعلاه) فإن النظرة الموضوعية للأمور لا تقودنا إلى التفاؤل مطلقًا.
تقول لنا الأحداث إن السيد القائد المغوار حسن نصر الله لاذ بالفرار إلى سراديبه تحت الأرضية ولم يواجه قوات إسرائيل كجيش نظامى. وانتهى الأمر بخراب لم يرى له لبنان مثيل. على أي الأحوال, خيار الإسراع بالالتجاء إلى الجحور لن يتوافر لقواتنا المسلحة فى سيناء، ذلك الحقل المفتوح تمامًا الذى قيل عنه أنه أفضل مرتع لمناورات المدرعات وعربدة الطيران.
لننظر إلى مدى الانهيار الاجتماعى و الاقتصادي و النفسى الذى سيصيب شعب مصر الذى أعتقد إلى يوم قريب أن ثورته فى 25 يناير ستكون بداية واثقة على طريق التقدم و الازدهار إذا استولت إسرائيل على سيناء أو على قطاع منها.
ماذا سيقول المصرى عن المخربين و المتآمرين و المطززين والمهرجين و المخدوعين و الفهلوية والهبل الذين عبثوا بمصائر البلاد و تطلعات العباد و اضاعوا دماء الشهداء المهرقة على أرض مصر عبثًا.
ماذا سيعود على مصر من وقفة عدوانية تجاه إسرائيل و حليفتها الأبدية الولايات المتحدة ؟ لن نحرر أرض فلسطين بل سنحكم سيطرة الإسرائيليين على ما تبقى للعرب منها، وسنفقد سيناء للمرة الثالثة وإلى أمد طويل جدًا بل و ربماالى الابد. لن يستطيع احد ان يقنع اسرائيل بالتراجع هذه المرة. اسرائيل فى صراع دائم للبقاء و لم يعرف عن الاسرائيليين أنهم "عبطة" يكررون اخطائهم لاكثر من مرة كما يريد لنا بعض الجهلة أن نفعل.
ربما لم تكن مسالمة الرئيس السابق حسنى مبارك لإسرائيل من قبيل الخنوع أو الخيانة كما جاهرالكثيرون بل لبعد نظر و حنكة ومعرفة دقيقة بحقائق الأمور.
الحرب الوحيدة الواجبة فى سيناء يجب أن تبدأ على الفور لتخليصها تمامًا و نهائيًا من دعاة قيام إمارة إسلامية بها تنتزعها قلبًا و قالبًا من جسد مصر وهو ما يجرى الآن على هذا الجزء من أرض الوطن. ما يجرى فى سيناء الآن هو بوادر اختزال مصر إلى ولاية اسلامية. و يا لفخر المصريين بهذا القرف.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :