الأقباط متحدون - العلمانية بين الجماهير والنخبة
  • ١٠:٠٢
  • الاربعاء , ٥ ديسمبر ٢٠١٨
English version

العلمانية بين الجماهير والنخبة

د. منى أبو سنة

مساحة رأي

٤٦: ٠٧ ص +02:00 EET

الاربعاء ٥ ديسمبر ٢٠١٨

العلمانية
العلمانية

منى أبوسنة
فى يوم الأربعاء الموافق ١ /٣ /٢٠٠٦، عقد منتدى ابن رشد الذى أسسه د. مراد وهبة بمشاركة كاتبة هذا المقال المؤتمر الأول فى تاريخ مصر والعالم العربى تحت مظلة «تأسيس العلمانية فى مصر»، وقد كان عنوان المؤتمر «لا ديمقراطية بلا علمانية»، وكان الهدف الأساسى من المؤتمر هو طرح تعريف جديد وغير مسبوق للفظ العلمانية الذى يعانى فى مجتمعنا المصرى على وجه الخصوص وفى العالم العربى عامة، من الالتباس، وهو التباس مردود إلى عاملين:

العامل الأول أن لفظ العلمانية قد تم الترويج له باعتباره مضادا للدين، وأن الغاية منه هو القضاء على الأديان.

أما العامل الثانى الذى أدى إلى الالتباس، فيكمن فى أن مفهوم العلمانية قد تحدد مباشرة تحديدا سياسيا فى مقولة فصل الدين عن الدولة.

أما المفهوم الجديد الذى يطرحة «مؤتمر تأسيس العلمانية فى مصر» عن العلمانية، فمن شأنه أن يزيل هذا الالتباس أن مغزى التعريف الذى صكه مراد وهبة للعلمانية أنها «التفكير فى النسبى بما هو نسبى وليس بما هو مطلق» هو نقل للعلمانية من المجالين السياسى والدينى للمجال المعرفى، وأعطاه الأولوية، فأصبحت العلمانية تخص العقل الإنسانى فى تناول كل ما يواجهه من تناقضات.

والإشكالية التى يطرحها هذا المقال تكمن فى العلاقة بين العلمانية والجماهير وهذه العلاقة تنطوى على الإشكالية المحورية التى يدور عليها تعريف مراد وهبة للعلمانية وأعنى بذلك إشكالية ما هو مطلق وما هو نسبى فى التفكير الإنسانى وخاصة عندما يرتبط هذا التفكير بعقل الجماهير- أى بالعقل العام، وأعنى بالعقل العام أسلوب إدراك الواقع وفهمه كما تمارسه الجماهير.

وإنسان الجماهير أو رجل الشارع على حد التعبير الشائع، فى أى نظام اجتماعى- أيا كان- لديه طموح أن يوحد بين كل ما لديه من معارف فى فكرة واحدة، وهذه الفكرة الواحدة هى فكرة مطلقة من شأنها أن توقع الإنسان فى وهم امتلاك الحقيقة المطلقة. وهذا الوهم ينطوى على وهم آخر هو الشعور الزائف بالأمان فى العالم، وهذا الوهم يوقع إنسان الجماهير فى الجمود ويعوق تطوره الفكرى والاجتماعى.

ويتميز تفكير إنسان الجماهير فى مصر بأنه نقيض العلمانية، أى أنه التفكير فى النسبى بما هو مطلق وليس بما هو نسبى بحكم نزوعه نحو توحيد معارفه فى كل مطلق، مما يعفيه من مشقة تغيير الواقع، ويجعله مكتفيا بوهم التغيير، الذى هو فى حقيقة الأمر الثبات والجمود.

وهذا النوع من التفكير نقيض التفكير العلمانى، وفى حالة إنسان الجماهير فى مصر هذا التفكير المناقض للعلمانية مردود إلى التفكير الأسطورى المرتبط بعصر الزراعة الذى ما زال مهيمنا على الثقافة الشعبية المصرية، ولم يتجاوزها إلى التفكير العلمانى الذى يميز عصر ما بعد الزراعة، وتستند الثقافة الشعبية أو بالأدق ثقافة الجماهير إلى نسق للقيم يجسد التوحيد المطلق لمعارف وخبرات الجماهير، وأهم ما يميز هذا النسق القيمى هو حكم الأسطورة الذى من شأنه الحفاظ على الثبات ومنع التغيير والتطور.

وقد تلاحم هذا النسق القيمى الشعبى الأسطورى مع الفكر الدينى اللاعقلانى، والمضاد للفكر الدينى العقلانى، حيث تسعى الجماهير طواعية الى من يروجون لهذا الفكر ويتخذونهم أوصياء على فكرهم وعلى حياتهم. ومن شأن هذا الاستسلام الجماهيرى القضاء على العقل العام، مما يفضى إلى استحالة وصول المجتمع إلى مرحلة التنوير التى تشترط وجود عقل عام متنور.

ومن هنا تأتى إشكالية تعريف مراد وهبة للعلمانية مع الجماهير، بل مع النخبة أيضا، لأن النخبة ما زالت قريبة من فكر الجماهير، والدليل على ذلك ما مارسته الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدنى فى علاقتها مع الجماهير، أن هذه العلاقة محكومة بالجماهير أو بالأدق بفكر الجماهير الأسطورى، ومن شأن هذه العلاقة تجاهل المسؤولية الأساسية، وهى توليد العقل العام المتنور، من خلال حث الجماهير على ممارسة التفكير العقلانى، وتجاوز الفكر الأسطورى.

بمناسبة هذا المؤتمر قامت مجلة روزاليوسف فى ١٦ /٣ /٢٠٠٧ بإجراء استطلاع رأى وقد أوجزت نتيجة هذا الاستطلاع فى ثلاث نقاط تمثل رأى رجل الشارع أو مفهومه العام للعلمانية، وهذه النقاط الثلاثة هى بالترتيب التالى:

١ـ فصل الدين عن حياتنا. ٢ـ سيطرة اليهود على العالم. ٣ـ ترويج أمريكا للعلمانية من أجل القضاء على الإسلام.

تشير النقاط الثلاث المستخلصة عن استطلاع رأى رجل الشارع إلى أن كراهيته للعلمانية ورفضه لها لا يكمنان فى العلمانية ذاتها، ولكن فى ارتباطها بالغرب، والغرب مختزل عند رجل الشارع فى اليهود وأمريكا ومعنى ذلك أن كراهية الغرب سابقة على كراهية العلمانية.

والسؤال: لماذا يكره رجل الشارع الغرب؟... للسؤال جواب، وللحديث بقية.

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
حمل تطبيق الأقباط متحدون علي أندرويد