الرهبنة والكهنوت فى تعاليم الأنبا شنودة رئيس المتوحدين
كمال زاخر موسى
الاربعاء ٢٨ نوفمبر ٢٠١٨
كمال زاخر
من كتاب "النصوص المسيحية فى العصور الأولى ـ الأنبا شنودة رئيس المتوحدين : سيرته، عظاته، أقواله ترجمة وتقديم د.صموئيل القس قزمان معوض
اصدار : دار باناريون
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سطور من مقدمة الكتاب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[2]
لم يكُف الأنبا شنودة رئيس المتوحدين عن أن يُحذر من السعى وراء هذه الألقاب والرتب، أو تقديم الهدايا والعطايا من أجل الحصول عليها بغرض التباهى والتلذذ بالمجد الباطل، بل الأفضل هو الهروب من هذه الرتب إلى أن يُغصَب الإنسان عليها غصباً، ويقبلها فقط ليتمم من خلالها أعمال البر وخدمة رعية المسيح، فيقول :
"طوباويون هم الذين يُغصبون رغماً عنهم على مثل هذه الوظائف الكهنوتية، إذا تمموا الواجب (المفروض عليهم) حسناً، وبؤساء جداً هم الذين يغتصبون تلك الوظائف الكهنوتية مقابل فضة وذهب، وويل لهم بزيادة إن لم يتمموا ما يليق بالزى واللقب الذى حصلوا عليه بالرشوة ...لأن كلمة الله له السلطان أن يقول أنه كما أن يهوذا قد أسلم الرب لأيدى اليهود فى ذلك الزمان، عندما أقنعوا ذلك الإنسان الدموى بواسطة الفضة، هكذا الآن أيضاً المرتشون والراشون حتى يصيروا كهنة فى بيت الله مقابل هدايا وليس من أجل برهم،
إن كان يوجد شخص قد دفع مالاً ليحصل لنفسه على لقب أن يُدعى "كاهن الرب"، ويفعل أعمالاً صالحة ليُمَجَّد الله بواسطته، فلنقل إذاً : حسناً [...]، ولكنه يبذل أمواله من أجل من أجل مجد باطل حتى يحمل [...] اللقب أمام الناس، بينما الأعمال التى يُمَجَّد الله بواستطها لا علاقة لها باللقب. مثل هذا (الأنسان) قد خسر ذهبه وفضته، وكسب لنفسه عذاباً أبدياً، هو والذين حصلوا منه [...]، ويتاجرون بممتلكات وسرائر بيت الله، الكنيسة الجامعة، مثل من يبيع حقلاً أو يشترى كرماً.
حتى متى نعد لأنفسنا نار جهنم، نحن، يا من نقترف هذه الشرور؟ ... وأخرون يشتعلون الآن بشهوات قلبهم المحب دائماً للسلطة. وهم يريدون أن يبذلوا كل ما يملكون حتى يحصلوا على لقب المناصب الإلهية (الكهنوتية) من أجل مجد باطل، وليس لكى يفعلوا الحق ...
وكما أن أولئك الأثمة من رؤساء الكهنة والكتبة وكل الآخرين، ولا سيما يهوذا ، لم ينتفعوا (شيئاً) مما صنعوا، وفوق ذلك قد خسر ذاك حياته، وبعدها شنق نفسه، هكذا أيضاً المرتشون والراشون فى هذه المتاجرات الشريرة. فبينما هم يحصلون ممن يمنحونهم (المال) على لقب المناصب الإلهية مقابل رشوة، لا ينتفعون (شيئاً) مما يفعلون، بل هم يُعدُّن لأنفسهم دينونة من الله.
ربما يعتقد الذين يفكرون فى هذا أنه "إذا ما نحن صار لنا سلطان (كهنوتى) يواسطة المال ـوليس بواسطة طهارة ولا بواسطة بر ـ سوف نسترده من آخرين أضعافاً مضاعفة"، إن كل واحد ممن يفعلون هذه الأفعال إنما يحصلون لأنفسهم على تعد مقابل ذهب وفضة. ولقب المناصب (الكهنوتية) التى عينها الله على الأرض ـ لأنه لا يوجد سلطان إلا لو كان منه ـ يمنحونه لبعضهم البعض بيعاً وشراءً مقابل رشاوى كثيرة بأنواع مختلفة"
ولا يعنى هذا أن الرهبان والكهنة هم فقط من يجب أن يحبوا حياة البر والتقوى، بل سنلاحظ فى عظات القديس الأنبا شنودة أن حديثه موجه أيضاً لكل صاحب سلطان دنيزى من الحكام والسلادين، وكل مسيحى يحب الله ويسعى لدخول الملكوت، لذلك نجده يخاطب فئات مختلفة فى كلا المجتمعين : الإكليريكى والعلمانى قائلاً :
لأنه عندما يموت كبش أو تيس أو شاة ضعيفة، أو تمزقها الوحوش، لا يسمح الراعى أن تُحمل إلى وسط القطيع، بل يجرها بعيداً ويعطيها للوحوش لتكون لهم طعاماً، هكذا أيضاً الحاكم الآثم، والغنى القاسى الذى يحزن الفقراء، وكاهن الرب الذى ينجس جسده ويتدنس بكل خطية، والراهب الذى ينجس هيكل الله بخطايا بشعة، والفقير فاعل الشر، وكل واحد منا لن يتخلى عن خطاياه ويتوب سريعاً، لن يرحمهم الرب يسوع الراعى الصالح، ولن يحضرهم وسط القطيع، وسيعزلهم من وسط الأبرار، ويطرحهم حيث الظلمة وصرير الأسنان؛ لكى يصيروا تحت حكم الدود والنار فى جوع وعطش وكل ضيق".
"هل صنع الفقير الآن الخطية وازدُرِى به بسبب خطاياه؟، إذاً سينال هو (أيضاً) احتقاراً من الله.
هل اقترف كاهن أو راهب إثماً؟ حتى لو كانوا يُمَجَّدون الآن من النا، فسوف ينالون فى ذلك اليوم احتقاراً فوق احتقار.
هل دنَّس المتزوج مضجعه وخالف الوصايا التى يجب عليه اتباعها؟، إذاً فسوف ينال لعنة من الله فى ذلك اليوم. أما لو كان قد حفظمضجعه طاهراً والوصايا التى يجب عليه اتباعها، فسوف ينال بركة من الله .
وباختصار، كل مسيحى سيصير حفلاً لله، ويعطى ثمراً فى كل عمل صالح، سوف يَشبَع من غنى أعماله البارة. كذلك أيضاً كل هرطوقى عديم التقوى قد صار الآن حقلاً للشيطان فى كل خطية للتعدى سوف يشبع فى ذلك اليوم من التوبيخ وغضب الله على كُفره".