الأقباط متحدون - فرنسا :من مقصلة الثورة الفرنسية الي عنف السترات الصفراء
  • ٠٦:١٩
  • الاثنين , ٢٦ نوفمبر ٢٠١٨
English version

فرنسا :من مقصلة الثورة الفرنسية الي عنف السترات الصفراء

سليمان شفيق

حالة

٢٤: ٠٩ ص +02:00 EET

الاثنين ٢٦ نوفمبر ٢٠١٨

الثورة الفرنسية
الثورة الفرنسية

 كتب : سليمان شفيق

يتحدث كثيرين الان عن ان حركة "السترات الصفراء" ، عنيفة وتخريبية وليست سياسية ، وكأنهم نسوا أن الثورة الام الثورة الفرنسية ، شهدت عنف لم يشهدها العالم الحديث من قبلها ، بل وان ثورة الطلبة 1968 ، تعرضت لهجوم عنيف  من وسائل إعلام الحزب الشيوعي على الطلاب الذين وصفوا بـ «الهمجيين» والفوضويين والرعاع؟!!
 
والان تشهد فرنسا الان ثورة تسمي :حركة "السترات الصفراء"، تهدف الي اسقاط وعزل الرئيس ماكرون بعد ان رفع اسعار الوقود ، ونادت الحركة بالتحرك الثالث في اول ديسمبر 
 
  وذلك بعد التصريحات التي أدلى بها ماكرون واصفا الاحتجاجات بالمهينة والمخجلة لقيم الدولة الفرنسية والفرنسيين، وبدأت بعض الأصوات تتعالى محذرة من أن تكون "حركة السترات الصفراء" قد اخترقت أو مخترقة أصلا من بعض الجهات أو الأحزاب المعارضة على رأسها اليمين المتطرف. 
 
•    ووصف كثيرين تلك الحركة او الثورة بالفوضوية والتخريب ، وكأن العنف جديد علي الفرنسيين ، رغم اننا اذا عدنا الي 1792 بدأت الثورة الفرنسية ،وكانت اكبر ثورة دموية ، وتم اعدام الالاف ومنهم اعدام الملك لويس وزوجتة الملكة ماري انطوانيت بالمقصلة ، ثم اعدام روسبير ايضا، ولكن من خل المقصلة والدماء ولدت الحرية و المساواة والاخوة
 
ولا ننسي العنف الذي ساد ثورة الطلاب في 1968، وشعاراتها :
"اركضوا يا أصدقائي.. العالم القديم ورائي"
"إن لم تعطني حريتي فسأتولى الأمر بنفسي"
 
حتي ان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي صرح في بداية عهده ،إن من أهدافه القضاء على ميراث حركة مايو 1968، لأنه وكل اليمين الفرنسي ،يعتبر ان تلك الثورة ،شكلت تهديدا للسلطة شوه المعايير السلوكية لدى المواطنين ودفعهم الى الاستخفاف بقيمة العمل في الوقت الذي يراه فيه خصومهم النقطة التي سمحت بالتأسيس لفرنسا جديدة عنوانها الحرية والعدالة الاجتماعية
 
وعلى المستوى الاقتصادي شكل عام 1968 نقطة تحولية في مسار الاقتصاد الفرنسي الذي انتقل من مرحلة النمو إلى مرحلة ركود بدأت تلقي بظلالها على العمال ومستوى المعيشة والبطالة
 
وانتقلت العدوى من الطلاب الى صفوف العمال والنقابات حتى خرجت في 13 مايو مظاهرة ضمت مئات الآلاف رغم الإفراج عن الطلبة إذ ظهرت مطالبات العمال بتحسين الأجور وتحسين أوضاعهم الاقتصادية وظروف عملهم. وفي 14 مايو أعلن الإضراب العام في البلاد فشارك فيه 10 
 
واستمر نحو شهر لم ينته إلا بموافقة الدولة على زيادة الحد الأدنى للأجور 37% والموافقة على تمثيل العمال في نقابات المصانع
 
وكان من المستغرب في بداية التحرك الهجوم العنيف لوسائلإعلام الحزب الشيوعي على الطلاب الذين وصفوا بـ «الهمجيين» والفوضويين والرعاع. والتأكيد على تبرؤ الحزب منهم رغم انسجام شعاراتهم مع شعارات اليسار!
 
في خضم الأحداث، وعندما استولى الطلاب على جامعة السوربون طلب الرئيس ديغول من رئيس وزرائه جورج بومبيدو «سحق التحرك وتنظيف الجامعة»، إلا أن الأخير رفض وكان محقا في تصرفه لأنه كان يعلم ان كل تصعيد لابد ان يُقابل بتصعيد أكبر في الشارع
ولم يعد حتى تأكد من ان المحتجين «ليسوا «ثوارا» ولا يهدفون الى الاستيلاء على السلطة
 
أمام هذا الواقع لم يجد الجنرال ديغول مخرجا الا الدعوة الى انتخابات مبكرة واستقالة الحكومة في 21 يونيو، ورغم فوز حزب ديغول مجددا، إلا أن الأحزاب لم تتبن الانتفاضة والطلاب لم يسعوا للانقلاب، فقد مهدت الأحداث لتحالف الاشتراكيين والشيوعيين وتدعيم ركائز اليسار الذي سمح بإيصال
الرئيس فرنسوا ميتران الى الرئاسة في 1981 واستمراره حتى 1995 .
 
في النهاية وباختلاف الأحكام الصادرة بحق تلك الأحداث أو الانتفاضة، هناك حقيقة مؤكدة انها مهدت الى تحركات مهمة هزت أوروبا وقضت على الكثير من موروثات الحرب العالمية الثانية برغم استمرار الحرب الباردة في أصعب لحظاتها.
 
هكذا تحمل فرنسا جذور العنف من ثورتها التي انطلقت من تحت المقصلة 1792، وحتي السترات الصفراء 2018 ، مرورا بثورة الطلاب 1968 ، ولكن من قلب ذلك العنف خلقت في فرنسا الحرية و المساواة والاخوة، ومن ثورة 1968 مهدت الى تحركات مهمة هزت أوروبا.
 
من ثم ليس المهم ما يحدث في فرنسا من عنف بقدر ما يجدر بنا ان ندرك ان الثورات في فرنسا تبدأ من متغييرات في الهوية الفرنسية تجعل الفوارق الطبقية والاجتماعية ومحاولات اختراق المناخ الديمقراطي لها ردود افعال عنيفة ، ومن خلف الدماء تولد الحرية والاخاء والعدالة الاجتماعية .
للاسف في مصر قامت ستة ثورات (1804 ، 1882 1919 ، 1952 ، 2011، 2013) ولم تكتمل لنا ثورة ، ولم يستقر لنا دستور.
الكلمات المتعلقة