آخر التشريعات المسكوت عنها: منع ذبح الدواجن في الأسواق!!
يوسف سيدهم
٢٦:
٠١
م +02:00 EET
الأحد ٢٥ نوفمبر ٢٠١٨
كتب : يوسف سيدهم
ما أكثر التشريعات الملحة التي من شأنها ضبط مسار هذا المجتمع والتي تتعثر إما لغياب الإرادة السياسية أولافتقاد الرؤية السليمة للإصلاح.. وتكون النتيجة المؤسفة لذلك تغييب العدالة وتعطيل التطوير وتأجيل ما يرفع من المستوي الاقتصادي والاجتماعي والصحي للمواطنين.
واحد من هذه التشريعات قانون القيمة الإيجارية للمساكن القديمة وهو القانون المسكوت عنه لغياب الإرادة السياسية, فكلما لاح في الأفق بريق أمل نحو إصدار هذا القانون بما يرفع الغبن عن ملاك المساكن القديمة التي تجمدت إيجاراتها طوال سبعة عقود مضت, تبدد الأمل بإعادة القانون إلي الأدراج البرلمانية خوفا من إغضاب المواطنين (!!!)… هذا بالرغم من أن آخر الدراسات التي أعلنت في شأن ضوابط إعادة تقدير القيمة الإيجارية للمساكن القديمة -وكان ذلك منذ نحو عام ونصف العام- اتصفت بالعدالة والموضوعية وتضمنت كل ما يرعي الشرائح الاقتصادية والمستويات المختلفة للمناطق العمرانية, علاوة علي تحديد فترة انتقالية مدتها عشر سنوات ترتفع خلالها القيمة الإيجارية تدريجيا حتي تصل إلي المعدلات الواقعية. والجدير بالذكر أن هذا القانون لم يكن ليستحدث قيما إيجارية غير معهودة في مصر, فالكل يعرف التشريعات السارية التي أطلقت تلك القيم بلا حدود طبقا لما يرتضيه طرفا عقد الإيجار -المالك والمستأجر- بل أيضا وضعت الحدود الزمنية التي تمنع الامتداد المطلق لعقد الإيجار.. إذا نحن لا نقدم شيئا غير مسبوق في عملية إصلاح قانون إيجارات المساكن القديمة, إنما نعيد ترسيخ عدالة غائبة عن تلك المساكن ونرفع غبنا بينا يحيق بمالكيها ونحرر ملايين من الوحدات السكنية الخالية التي يستولي عليها مستأجروها بالقانون دون أن يشغلوها بعد أن تركوها للعيش في مناطق عمرانية جديدة لكنهم لم يعيدوها إلي الملاك, ولم لا؟ وهم يدفعون إيجاراتها الهزيلة التي لا تتجاوز قيمتها السنوية -ولاحظوا أني أقول إيجاراتها السنوية وليس الشهرية -تكاليف وجبة تقليدية في أحد مطاعم القاهرة!!!
وثاني هذه التشريعات قانون إعادة تدوير القمامة, ولست أقصد هنا القمامة التي تتكون من مخلفات الورق أو الكرتون أو الخشب أو البلاستيك أو الزجاج أو خلافه من المواد المصنعة النظيفة فهذه كلها تجد طريقها إلي مسارات واستثمارات إعادة تدويرها.. إنما أقصد إعادة تدوير المخلفات العضوية الناتجة عن الاستخدام الآدمي للعناصر الغذائية والمأكولات والتي تشكل واحدا من أهم وأخطر عناصر القمامة والمخلفات نتيجة تعرضها للتحلل والفساد وما تشكله من تهديد بتلويث البيئة والإضرار بصحة الإنسان.. وكلنا يعرف كيف كانت المخلفات العضوية لمدننا عبر أزمنة طويلة تستهلك بأمان في تغذية صناعة تربية الخنازير حتي ظهر في أمريكا الوسطي والجنوبية فيروس قاتل ينتقل من الخنازير إلي الإنسان ويهدد حياته, ووقتها بالرغم من عدم ثبوت تهديد ذلك الفيروس لمصر بشهادة منظمة الصحة العالمية, تم الإسراع باتخاذ قرارات إيقاف تربية الخنازير نهائيا وإعدام جميع الخنازير, وما كان ظاهره الحرص علي صحة المواطنين نتج عنه كارثتان: الأولي القضاء علي صناعة ضخمة يرتزق منها مئات الآلاف من جامعي القمامة ومربي الخنازير دون دراسة خلق مصادر رزق بديلة لهم, والثانية إغراق المدن والتجمعات العمرانية بملايين الأطنان من المخلفات العضوية وما تسببه من تلوث وتهديد الصحة العامة دون وجود أي رؤية أو خطة لإعادة تدوير تلك المخلفات, التي نجحت دول كثيرة في تحويلها من نقمة إلي نعمة.
أما أحدث التشريعات التي تم الإعلان عنها في مستهل هذا الشهر وتبين أنها جاءت متسرعة غير كاملة الدراسة ودون أي إعداد للمواطنين أو للرأي العام لتفهمها والانصياع لها, حتي أن البرلمان سارع باتخاذ قرار إرجاء تطبيقها, هي ما يخص منع ذبح الدواجن الحية في الأسواق.. وأنا أتفهم تماما وأقدر الدافع الصحي وراء مثل ذلك التشريع حرصا علي صحة المواطنين ودرءا لأخطار التلوث والأمراض والفيروسات التي قد تصيبهم من جراء تداول وذبح الدواجن في المنازل أو متاجر بيع الدواجن الفرارجية, لكن في الوقت نفسه لا أغفل أن السواد الأعظم من المصريين لايزالون يتفاخرون بأنهم لا يقبلون الدواجن المجمدة عوضا عن الفراخ البلدي وأنهم يحرصون علي تربيتها بأنفسهم -علي الأقل في الريف- وفحصها حية عند شرائها وقيام التاجر بذبحها وتنظيفها أمامهم.. وتلك عادات قديمة أعرف أنه حان الوقت للتخلي عنها لصالح الصحة العامة واستبدالها باستهلاك الدواجن الخاضعة في تربيتها وذبحها للمعايير الصحية.. لكن هل تم طرح ذلك التشريع للحوار المجتمعي سياسيا وإعلاميا قبل أن نصدم الرأي العام به؟.. هل فكرنا ماذا سنفعل مع أعداد لا حصر لها من مربي الدواجن ومن يرتزقون من وراء تجارتها وذبحها وكيف سيكون حالهم بعد القضاء علي مصدر رزقهم بالاقتصار علي ذبح الدواجن في المجازر الآلية؟.. هل تقدمت الحكومة بخطة واضحة لإعادة تسكين هذه الشريحة -وهي شريحة ضخمة- في المنظومة الجديدة للمجازر الآلية للدواجن والتي يتوجب وجود سياسة لتعميمها عبر سائر محافظات مصر؟.. إذا التشريع صح.. لكن الإعداد السياسي له غلط!!