بقلم الباحث / نجاح بولس
مرت المشاركة السياسية للأقباط كإحدى أشكال المواطنة بمراحل متعددة، وإختلفت أشكالها عبر التاريخ الحديث تبعا لتغير النظم الحاكمة، فمنها من دعم المشاركة الوطنية للشعب المصري بما فيهم الأقباط، وآخرين فضلوا سياسة تكميم الأفواه والإنفراد بالسلطة، وفي جميع العصور كان الأقباط متواجدين في الحياه العامة أثروا في تشكيل ثقافتها وتأثروا مع باقي المصريين بتقلباتها.
وكانت الفترة الليبرالية الممتدة من 1923 وحتى 1952 من أكثر فترات الحراك السياسي للأقباط شهدت مشاركة فعلية طبيعية لهم في العمل السياسي، ومع تصاعد موجات الإحتقان الإجتماعى بعد توقيع معاهدة 1936، وبروز تنظيمات الرفض الإجتماعي على الساحة السياسية، وإنطلاقها من أسس دينية إسلامية كان أبرزها جماعة الإخوان المسلمين، تراجع الدور السياسى للأقباط على المستوى الرسمي، وبدأت مرحلة عزوفهم عن المشاركة الشعبية سواء على المستوى السياسي أو الإجتماعي، فكان صعود تيار الإسلام السياسى مهدداً للتواجد القبطي الواضح في مختلف هيئات ومؤسسات الدولة الرسمية وغير الرسمية، لما يحمله هذا التيار من تصور معين حول حدود الدور السياسي للأقباط في مصر بشكل عام.
وقد أكدت العديد من الدراسات العلمية المتخصصة على وجود إرتباط سلبي بين المشاركة السياسية للأقباط وصعود تيار الإسلام السياسي نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر دراسة سميرة بحر ( دراسة دكتوراه بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة،1977) التي أشارت إلى ارتباط دور الأقباط في الحياه السياسية بما يسودها من مفاهيم وتنظيمات علمانية وتقدمية، حيث كشفت الدراسة عن وجود علاقة طردية بين سيادة التنظيمات العلمانية على الساحة السياسية ومشاركة الأقباط السياسية، والعكس تماماً في حالة سيادة التنظيمات التي تقوم على أسس دينية حيث تنخفض معها مشاركة الأقباط في الحياه السياسية.
وفي نفس السياق أشارت دراسة أماني الخطيب ( دراسة دكتوراه بالجامعة الأمريكية بالقاهرة 1987) إلى أن اعتماد السادات على التيار الإسلامي، أحدثت بعض التغيرات الاجتماعية في المجتمع المصري، وأدت إلى حدوث بعض الأزمات السياسية في شكل العنف والنزاع الطائفي، شعرت معها الأقلية القبطية بوضع متدني في المجتمع وبإقصائها سياسياً من قبل النظام الحاكم مما زاد من عزلتها وتقوقعها.
كما كشفت دراسة سامية عطا (دراسة ماجستير بجامعة عين شمس 2007) عن أهم معوقات المشاركة السياسية للأقباط متمثلة في تغلغل التيار الإسلامي في الحياه السياسية، وتحول العمل العام السياسي والاجتماعي إلى عمل ديني مما حول المنافسة السياسية إلى منافسة طائفية، كما ربطت الدراسة بين سلبية الأقباط تجاه العمل السياسي وانتشار أفكار دينية خاطئة لا تحفزهم للتمسك بحقوق المواطنة .
وبالطبع لم يكن تخوف الأقباط من صعود تيار الإسلام السياسي ومن ثم عزوفهم عن الإنخراط في العملية السياسية، ناتج عن خبرة تاريخية مع قيادات التيار أو ممارساتهم السياسية على أرض الواقع، بقدر ما كان توجساً من الطريق الذي وضعته الحركة الإسلامية كحركة سياسية وإجتماعية للوصول إلى الدولة بإطروحة كلية تتمثل في تطبيق الشريعة الإسلامية، صاحبه تشدد خطاب الجماعات الراديكالية وتمدد ظاهرة العودة للدين داخل الطبقات الوسطى وبعض شرائح الفئات العليا، وذلك ما كشفت عنه نتائج دراسة الباحثة حنان عبد الغني ( دراسة ماجستير بجامعة القاهرة، 2006) .
وكان للدراسات الأجنبية دور في كشف طبيعة المشاركة السياسية للأقباط المرتبطة بصعود تيار الإسلام السياسي، حيث كشفت دراسة Derek Barker ( دراسة ماجستير بجامعة Windsor بكندا 2006 ) ، عن عدة أسباب حالت دون إندماج الأقباط في الحياة السياسية خلال فترة حكم مبارك منها: عدم تشجيع النظام الحاكم للتعددية السياسية بصفة عامة، وعلاقة الكنيسة القبطية بالنظام الحاكم والتي وصفتها الدراسة (بعلاقة الزبائنية)، وكذلك صعود تيار الإسلام السياسي الذي دفع الحزب الحاكم إلى التراجع عن ترشيح الأقباط في الانتخابات، أو الدفع بهم في مواقع سيادية بالدولة، حتى لا يتم استغلال ذلك من قبل الإسلاميين ضد النظام، وفي السياق نفسه أكدت دراسة Vivian Ibrahim ( دراسة دكتوراه بجامعة London بإنجلترا 2009) على التأثير السلبي للإسلام السياسي على المشاركة السياسية للأقباط خلال الفترة الممتدة بين عامي 1922- 1946، وهي الفترة التي قامت الدراسة ببحث الحراك الشعبي القبطي خلالها.
ورغم إجماع الباحثين في الداخل والخارج على التأثير السلبي لتيار الإسلام السياسي على المشاركة السياسية للأقباط، منذ بروز تنظيماته على الساحة السياسية في عشرينيات القرن الماضي، إلا أن إتجاه التأثير تغير تماماً بعد إندلاع ثورة 25 يناير 2011، فحدث تغير نوعي فى السلوك السياسى للأقباط المصاحب لصعود تيار الإسلام السياسى، وقد أشارت دراسة ماجستير أجراها الكاتب بجامعة القاهرة حول المشاركة السياسية للأقباط بعد الثورة ، إلى أن صعود تيار الإسلام السياسى على الساحة السياسية بعد ثورة 25 يناير، كان له الأثر الأكبر (حسب إفادات 91% من المبحوثين) فى دفع الأقباط للإهتمام بالعملية السياسية بمعدل أكثر من إهتمامهم بها قبل الثورة، كما رصدت إرتفاع ملحوظ فى معدلات المشاركة السياسية للأقباط سواء عبر صناديق الإنتخاب، أو من خلال المشاركة فى التظاهرات الرافضة لسيطرة تيار الإسلام السياسى على الساحة السياسية، نظراً لحالة الإستقطاب الدينى والسياسى التى تصاعدت بعد الثورة بسبب ذلك الصعود المفاجئ لهذا التيار الراديكالي، مما يشير إلى بروز نمط جديد من العلاقة بين الأقباط والإسلاميين تقوم على المواجهة السياسية بديلاً للخوف والتقوقع والعزوف السياسي.