جيل يقرأ ولا يكتب
د. مجدي شحاته
١٦:
٠١
م +02:00 EET
الاربعاء ١٤ نوفمبر ٢٠١٨
بقلم : د . مجدى شحاته
يعد الاكلام المنطوق ( الشفهى ) من أهم الاختراعات فى حياة البشر ، فهو الوسيلة الفعالة للتواصل والتفاهم بين الناس .
الامر الذى ساعد على نشر المعرفة الانسانية وتناقل القصص والاساطير وتداول المعلومات والعقائد والتقاليد والعادات .الا أن الكلام المنطوق غير قادر على الانتشار والانتقال الحر ، أوحفظه و تخزينه لحين الحاجة اليه من وقت للاخر . لذلك كان اختراع الكتابة من الامور الهامة فى حياة الانسان و التى ساهمت بشكل عظيم لحفظ وتخزين الكلام وتداوله وانتشاره من مكان لآخر .
وعندما بدأت الطباعة فى القرن الخامس عشر كانت بداية النهضةفى دنيا المعرفة ،والتى أدت الى تغيير الوعى الانسانى والتطور الاجتماعى وانتشار الثقافة والمعرفة حيث تم حفظ الكلمة المنطوقة والمسموعة وانتشارها على نطاق أوسع نسبيا والرجوع اليها فى أى وقت .
خلال النصف الثانى من القرن العشرين حدثت النقلة النوعية و العظمى والغير مسبوقة فى تكنولوجيا الاتصالات وحفظ المعلومات وتبادلها عبر شبكة الانترنيت ، وظهرت القنوات الفضائية والكومبيوتر والموبايل والالواح الالكترونية والتى أصبح لها آثار مذهلة فى نمط حياة الناس وغيرت فى سلوكيات وطبائع وعادات البشر . لقد ساهمت الشبكة العنكبوتية فى تقديم كثير من الخدمات الهامة والتى باتت ضرورية فى حياتنا اليومية والتى تغير نمطها تماما نتيجة اكتشاف الانترنيت .
التكنولوجيا الحديثة قامت بكسر حاجز الغربة وألغت المسافات بين الناس فسهلت التواصل بين البشر فى أى مكان وزمان . فضلا عن كونها أكبر بنك للمعرفة والمعلومات عرفه الانسان ، بنك للمعلومات بكل أشكالها والمعرفة بكل أنواعها .
أصبح لكل فرد فى الاسرة رقم موبايل وبريد الكترونى خاص به ، له أصدقاء ومعارف على صفحات التواصل الاجتماعى المختلفة ، واصبح باب المعرفة من أوسع الابواب انفتاحا أمام الجميع بلا حدود وبلا رقابة وبلا معلم او كتاب !! كم هائل من المعارف والمعلومات لاتخضع لأى مناهج أو مقررات .
أصبحت التكنولوجيا الحديثة للأتصالات وحفظ المعلومات ضرورية بل تفرض نفسها رضينا او أبينا ، فى المدارس والمعاهد والجامعات والبنوك والمطارات المستشفيات والاسواق التجارية وكل مناحى الحياة المختلفة .
واستحوزت التكنولوجيا الحديثة على فكر وسلوكيات الكثير من الناس ، من النادران ترى شخصا ممسكا بكتاب يقرأ فيه فى مكان عام ، لم نعد نكتب الرسائل والجوابات لنرسلها بالبريد للاهل والاصدقاء طالما هناك وسائل أسرع للتواصل بالصوت والصورة . كثير بل معظم المصالح والمؤسسات والهيئات أصبحت لاتستخدم المكاتبات او المراسلات الورقية والامثلة كثيرة على ذلك .
فى مجال التعليم بكل مراحله تقريبا ، أصبح التلاميذ والطلاب يعتمدون على الكومبيوتر والتابليت والموبايل فى تحصيل المعلومات والمعارف والعلوم وكذلك فى كتابة الدروس
المدرسية والمحاضرات الجامعية وحل الواجبات والامتحانات والبحوث الدراسية من خلال النقر بالاصابع بسرعة ومهارة على لوحة المفاتيح .
الامر الذى جعل التلاميذ والطلاب يستغنون عن استخدام القلم والورق فى الكتابة باليد . لقد خلقت التكنولوجيا الحديثة أجيال من البشر تقرأ ولا تكتب !!! .
أتذكر عندما كنت تلميذا فى المراحل الاولى، كان هناك حصة لتحسين الخط ( حصة خط ) عربى وانجليزى ، الان نحن أمام جيل جديد ، يعرف القراءة جيدا ولا يعرف الكتابة بالقلم على الورق !! الاكثر من ذلك أن لوحة المفاتيح والنقر بالاصابع على التابليت او الموبايل فى طريقها للأختفاء ليحل مكانها تلقين الكلام الى الكومبيوتر او الموبايل ليقوم بعملية الكتابة على الشاشة الصغيرة !! لخلق أجيال تقرأ ولاتكتب سواء على الورق او لوحة المفاتيح .
انه عصر الأمية الالكترونية !!!
ان علاقة الانسان بالكتابة التقليدية باستخدام القلم والورق علاقة قوية طيبة . يجد فيها الانسان كثيرا من المتعة والمهارة وتوظيف العقل والوجدان ، وتدريب عضلات الاصابع واليد والذراع ، خاصة عند هواة الكتابة والتأليف والابداع الادبى . من ناحية اخرى ، كثيرا ما نشعر بان الكلمات المطبوعة فى كتاب لها صفة الثبات والاستقرار والاستمرارية ، لا يمكن زحزحتها او الغائها ، فعندما أقرأ فى كتاب ورقى او صحيفة ورقية ، يكون عندى الثقة الكاملة ان الكلمات باقية ثابتة حتى بعد ان أغلق الكتاب او الصحيفة ، اما فى حالة الكتبة الالكترونية ، فالكلمات فى العقل الالكترونى ليس لها وجود مادى حقيقى ، فها مجرد نظام افتراضى فى صورة رقمية وحزم الكترونية محفوظة فى عقل الكومبيوتر او الموبايل تختفى تماما عند غلق الجهاز أو انقطاع التيار الكهربى ، مجرد احساس ربما لايشعر به جيل العصر ...معذرة ...أقول هذا الكلام لأننى أعشق القلم والكتابة على الورق .
الكلمات المتعلقة