الأقباط متحدون - تجديد خطاب أم تحرير عقول؟
  • ١٩:٢٩
  • الاربعاء , ١٤ نوفمبر ٢٠١٨
English version

تجديد خطاب أم تحرير عقول؟

د. منى أبو سنة

مساحة رأي

٢٨: ٠٧ ص +02:00 EET

الاربعاء ١٤ نوفمبر ٢٠١٨

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

منى أبوسنة
تكرر الحديث عن مسألة تجديد الخطاب الدينى، وأنا هنا أحاول طرح هذه القضية من منظور مغاير، من خلال إثارة السؤال الوارد فى عنوان هذا المقال. وأبدأ هذا الطرح بإثارة إشكالية العقل والإيمان. ومن المعروف أن الإشكالية تنطوى على تناقض، وهذا التناقض إما أن يكون بسيطًا فيستدعى حلولًا بسيطة أى تقليدية، وإما أن يكون مركباَ وفى هذه الحالة يشترط حلولًا إبداعية غير تقليدية من أجل تجاوزه.

والتناقض المقصود هنا هو بين العقل والإيمان، والدليل على وجود هذا التناقض هو الدعوة إلى تجديد الخطاب الدينى، حيث إن تيار الأصوليات الدينية المنتشر فى جميع أديان العالم يُحرم على المؤمنين، ويكفرهم إذا أعملوا عقلهم فى النص الدينى، ويأمرهم بالسمع والطاعة. فإذا كان ذلك كذلك فما هى طيبعة هذا النتاقض؟ هل هو من النوع البسيط أم المركب؟ وللجواب عن هذا السؤال أبدأ بالحديث عن طبيعة الإيمان بالدين، أى دين.

فالإنسان يبدأ أولًا بالإيمان بدين معين، من خلال تقبله هذا الدين تقبلا قلبياً أى بالمشاعر، وبعد أن يؤمن إيماناً قلبياً يبدأ فى أعمال عقله من أجل أن يفهم ما قد آمن به بالقلب، وهنا ومن هذه المرحلة تبدأ إشكالية العقل والايمان وتكمن هذه الإشكالية فى العلاقة بين المشاعر والتفكير.

وفى تقديرى أن ما يجعل العلاقة بين المشاعر والتفكير علاقة تناقض، وليست علاقة وحدة- هو وجود عامل التحريم والتكفير الذى تفرضه الأصوليات الدينية على جمهور المومنين، ما يجعل منه تناقضًا مركبًا قد يصل الى حد المعضلة، بيد أن هذه العلاقة من الممكن أن تكون علاقة تناقض بسيط، بشرط أن نستبدل عامل التكفير والتحريم، ويكون مكانه عامل آخر وهو الحرية.

إن العلاقة بين العقل والإيمان ترتبط بالإنسان الذى هو بطبيعته موجود حر، والمقصود بالحرية هنا هو «الحرية فى الإيمان»، وحرف الجر فى العبارة يعنى أن ثمة علاقة منطقية بينهما. وعبارة «الحرية فى- الإيمان» تعنى إعمال العقل فى الإيمان من غير قيد أو شرط، أو بمعنى آخر يمكن القول إنها تعنى أن يكون العقل مستقلًا عن أى سلطة خارجية وهو يعقل إيمانه، ومن ثم فما أقصده من قولى «الحرية فى الإيمان» هو حرية المؤمن فى جماعة المؤمنين، الأمر الذى يستلزم من هذه الجماعة ضرورة إقرار حق الفرد فى إعمال عقله المستقل فى إيمانه، من غير أن يتعرض للتفكير أو الاتهام بالهرطقة سواء من علماء الدين أو من جمهور المؤمنين. والسوال الآن: كيف تتحقق الحرية فى الإيمان؟

للجواب عن هذا السؤال يلزم استعراض تاريخ الفكر الدينى والفلسفى فى الأديان الثلاثة اليهودية والمسيحية والإسلام. وحيث إن هذا الاستعراض أمرٌ محال فى مثل هذا المقال فإننى أجتزئ من هذا الاستعراض ثلاثة نماذج، تمثل الأديان الثلاثة، وأبدأ باليهودية، كما يمثلها الفيلسوف فيلون (تاريخه لم يضبط، فميلاده يوضع ما بين عام ٤٠ ق. م وعام ٤٠ بعده)، ولقب بالإسكندرى لأنه جدد فى الأفلاطونية، كى يبين لليونان أنه قادر على التفلسف مثلهم، ولكن من خلال التوراة. وهنا كان «فيلون» يستعين بالتأويل فى التفسير، صحيح أنه قال إن كل كلمة وردت فى العهد القديم هى وحى من الله، ولكنه قال أيضا إن هذا الوحى الإلهى هو فى حقيقته مجاز إلهى نابع من علاقة الروح الإنسانية مع الله، ومن ثم ميز «فيلون» بين المعنى الحرفى والمعنى المجازى.

فقال مثلا إن العالم لا يمكن أن يخلق فى سبعة أيام بالمعنى الحرفى للفظ «يوم» وأن خلق حواء من ضلع آدم مجرد أسطورة. كما ميز بين الدين الشعبى أى الخرافة والدين العقلانى، وبرر هذا التمايز برفضه للتعصب و«الإيمان المبتذل» على حد تعبيره. ويعنى به الدين القائم على الخرافة وليس على الفكر العقلانى.

هذا عن اليهودية فماذا عن المسيحية؟

فى القرن السادس عشر قاد «مارتن لوثر» حركة الإصلاح الدينى والكنسى فى أوروبا بأن دعا إلى حرية الإنسان فى فحص الكتاب المقدس وإلى أن تكون علاقة المؤمن بإيمانه علاقة مباشرة بلا وساطة. فقد أفرزت حركة الإصلاح الدينى فى أوروبا.

وفى القرن الثامن عشر تطور مفهوم الإيمان عند الفيلسوف الأسكتلندى «ديفيد هيوم» فى كتاب بعنوان «محاولات فى الدين الطبيعى» الذى انتهى من تأليفه فى عام ١٧٤٩ ولكنه لم يشأ نشره فى حياته فنشر بعد وفاته بثلاث سنوات ومعنى ذلك أنه فطن إلى أن ثمة حرجاَ فى نشره أثناء حياته، فما هو هذا الحرج؟

القارئ لهذا الكتاب يرى نفسه أمام ثلاث شخصيات متحاورة وهم «ديميا» ويمثل الإيمان المتعصب، و«كليناس» ويمثل الإيمان العقلانى القائم على التأمل فى الخبرة الإنسانية فى العالم، و«فيلون» ويمثل الشك، وبالتالى عدم قدرة العقل على مواجهة تحديات كل من ديميا وكليانس.

خلاصة القول إن ثمة إشكالية هاهنا قد أثارها هيوم وهى التناقض بين المعرفة والرأى وقد تفرغ الفيلسوف الألمانى كانط لحل هذة الإشكالية بأن قال إن العقل ينزع نحو المطلق ولكنه غير قادر على اقتناصه فيقنع بنسبية المعرفة دون الارتقاء بها إلى المطلق. ومع ذلك فالدين قائم وتناوله لازم فألف كانط كتابا عنوانه «الدين فى حدود العقل وحده» رد فيه الدين إلى مجرد عاطفة وأجرى تأويلا رمزيا للعقيدة المسيحية.

هذا عن المسيحية... فماذا عن الإسلام؟.

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع