اغتيال الأرشيدوق النمساوي فرانز فرديناند
د. مينا ملاك عازر
الأحد ١١ نوفمبر ٢٠١٨
د. مينا ملاك عازر
حين يؤدي فعل أحمق لقتل واحد إلى قتل سبعة عشر مليون واحد، هكذا تستطيع أن تضع تعريف مطمئنا لما فعله ست رجال منتمين لحركة البوسنة الشابة المجهزة من قبل تنظيم اليد السوداء حين قتلوا الأرشيدوق ولي عهد النمسا، نعم قتلوه فأشعلوا حرباً استمرت أربع سنوات، سقط بها دول وقامت بها دول، وسقطت أنظمة وقامت أخرى، وتغيرت ثقافات بسبب تلك الحرب، ناهيك عن أهم نتائجها الكارثية، وهو مقتل سبعة عشر مليون إنسان، ما بين عشرة ملايين عسكري وسبعة ملايين مدني.
حين يجتمع قادة العالم أمام قوس النصر بباريس -الذي شيده نابليون الأمبراطور الفرنسي في عام 1806، تخليداً لجنوده الذين قتلوا ومجهولي الهوية- ليحتفلوا بمرور مئة عام على وقف إطلاق النار بالحرب العالمية الأولى، فهم يقفون متراصين بين الألمان والفرنسيين أعداء الأمس وأصدقاء اليوم، حين يطلق ماكرون صاحب الاحتفالية دعوة لأن ينظم جيش أوربي موحد، فهو يجمع بين أطياف جنوده جنود كان أجدادهم متقاتلين بالأمس البعيد، يجمع الإيطالي لجوار الألماني لجوار الفرنسي وربما الإنجليزي، ولعل التركي يكون من بينهم، لكن العجيب أن الأمريكي سيكون مستبعد ذلك الجندي الذي قلب موازين الحرب هو والجنود المصريين الذين قاتلوا في صفوف الجيش الإنجليزي، ولكن أحد لا يريد الاعتراف بهذا الأمر إلا قليلين، اعترفوا بأن المصريين قاتلوا كما قاتل الهنود والكنديين والأستراليين وغيرهم، قاتل المصريون، بل أن ثمة معارك كادت أن تقع على أرض مصر أثناء تلك الحرب العالمية، كما يشيد المؤرخ الفرنسي الشهير بعظمة قتال جنود المغرب العربي، فعلينا أن نشيد بكفاءة جنودنا الذين شاركوا في هذه الحرب، وسقط منهم قتلى، ولعل جسامينهم ترقد بسلام خارج أوطانهم، لكنها تشهد عن اشتراك مصري في تلك الحرب، وعن بلاء متميز أبلاه الجندي المصري حتى الموت.
صحيح أن خطأ في تقدير قافلة الأرشيدوق جعلها تقدمه لقتلته صيد سهل، بعد أن فشلوا بقتله قبل ساعة بقنبلة، فنالوا منه هذه المرة بطلقة مسدس، وجرحوا زوجته بعد أن كانا قد نجيا من القنبلة، وأصيب ضابط الحراسة والعشرات من المحيطين به لكن في هذه المرة وبخطأ في اختيار الشوارع كان الأرشيدوق صيد سهل لقاتله الذي أشعل بطلقته هذه حرب عالمية لم ينجو منها العالم بسهولة، بل ألقت بظلالها حتى عشرين عاماً فتجددت العمليات الحربية مرة أخرى، هكذا يبقى العالم كله معلق باحتمالية أن يكون حادث فردي لقتل أحدهم سبب في حرب لا يحمد أحد عقباها، ولعل من أقرب الأحداث التي قلق العالم للحظات ما أن يكون سبب في حرب عالمية تمثل في مقتل الصحفي المعارض خاشقجي الذي كان لمقتله رد فعل هائل، في حين أن اعتقال مئات الآلاف من الأتراك المعارضين لم يهتز له أحد لذا فالاهم من القتل والعدد هو كيف تسوق للحادثة،، هكذا نجح أردوغان، وهكذا نجحت السعودية في التنازل والتراجع وقبول الابتزاز لترجع خطوة فتمنع أن تشتعل المنطقة.
المختصر المفيد الدعاية للدم والإعلان عن سفكه أهم من كمية الدم، ومن لمن ينتمي هذا الدم.