كتب : نسيم عبيد عوض
هذا مقال كتبته وقت وقوع إغتيال وإستشهاد الأقباط فى زيارتهم لدير الأنبا صموئيل العام الماضى ‘ وبعد وقوع حادث إغتيال وإستشهاد الأقباط أمس الجمعة 2 نوفمبر 2018 ‘ كان لابد من العودة للمقال وإعادة صياغته ‘ فقد وضح تماما أن يد الدولة مغلولة من شبح ما أو سلطة ما ‘ تجعلها عاجزة عن وقف الإعتداءات على الأقباط فى مصر ‘ وبالأخص فى محافظة المنيا عروس الوجه القبلى‘ ولكنى سأترك عنوان المقال كما هو" هل دم الأقباط سيحرر مصر؟"
شاء لى الله ان أعيش لأرى وأسمع وأشاهد دم الأقباط يسيل على أرض بلدهم مصر بشكل يومى ‘ ففى خلال الخمسين سنة الأخيرة ‘ والشعب القبطى يسطر صفحات جديدة فى كتاب السنكسار - وهو كتاب تاريخ الشهداء الأقباط فى كنيستنا - ‘ وبصور عديدة للإستشهاد ‘ فهناك المذابح الدموية ‘ وقتل الأقباط فى شوارع مصر كلها وبسحلهم وسبي وتعرية نسائهم ‘ تدمير ممتلكاتهم من بيوت ومحلات وعربات ومشاريع تجارية وحرقها ‘ التهجير القصرى للأقباط من بيوتهم الى خارج بلادهم ‘ تدمير وتفجير كنائسهم وأديرتهم ‘ الخطف اليومى للبنات الأقباط وإغتصابهم لتغيير ديانتهم بالقهر والتعذيب ‘وغيره الكثير الكثير من السبي والسلب للأقباط ‘ وهذه السنوات الماضية ملثمة بالدم الأحمر الكريم ‘ وتكاد مصر اليوم أن تشابه ماحدث للشعب الأرمنى فى تركيا ‘ والذى يتذكره العالم الآن بعد القضاء على مايقرب 2 مليون أرمنى وطردهم من بلادهم ‘ ولكن الشعب القبطى ولأنه شعب متميز فى إيمانه المسيحى باقى على أرض أجداده حتى اليوم ‘ وسيظل حسب إيماننا حتى المجيئ الثانى للرب يسوع المسيح.
لقد إهتزت مصر والعالم بمذبحة المنيا التى حدثت الجمعة الماضى – 26 مايو 2017- والتى قتل فيها شعب آمن ذاهب الى دير ليعيش يوم روحى ويعود سالما الى كنيسته ‘ وهذا مايحدث دائما للأقباط فى أيام العطلات الأسبوعية ‘ فيخرج عليهم إرهابيون مسلمون جبناء ‘ وبدم بارد وبكل وحشية يقتلون مايقرب من 30 مسيحى رفضوا تغيير أو إنكار مسيحهم ‘ ويعيش ملايين الأقباط فى مصر وفى كل العالم فى ملابس السواد ‘ والدموع والأسى والغم والغيظ داخل كل بيوتنا منذ ذلك اليوم وحتى الآن ‘ ووقف العالم على هذه المذبحة ولم يقعد حتى الآن ‘ ولكن هل ستتوقف مذابح الأقباط فى مصر؟ ‘ ستستمر طالما إستمرت أيدولجية العقيدة الإسلامية موجودة ‘ وهي أقوى ماتكون فى مصر بالذات ‘ ولعل من أعظم ماكتب فى هذا الموضوع مقال كتبه الأستاذ أحمد صبحى صالح فى صفحة أهل القرآن الجمعة الماضى بعنوان " سيستمر ذبح الأقباط طالما هناك مستفيدين من ذبح الأقباط" والذى ذكر فيه بحصر كامل حوادث قتل الأقباط بشكل دقيق ‘ وماكتبه فى هذا المقال كتبته أنا عنه العديد من المقالات والأبحاث طوال فترة تحريرى لمجلة الأقباط من 1990 الى عام 2003 وقت رئاسة الدكتور شوقى كراس للهيئة القبطية الأمريكية ‘ وكانت هذه المجلة هى المتنفس الوحيد للأقٌباط فى مصر والعالم كله‘ وبعد ذلك فى مجلات الأقباط المتدحدين ‘ الأقباط الأحرار ‘ والحوار المتمدن وحتى توقفت عن الكتابة فى هذه السياسات عام 2013 وحتى اليوم. الدولة ومذابح الأقباط:
لقد شاهدت بنفسى بداية تحول قيادة الدولة من شبه السلام الذى كان مابين المسلمين والمسيحيين فى حكم عبد الناصر وبطريركية الأنبا كيرلس السادس ‘ إلى عنصرية الحكم وإضطهاد والتحريض على التمييز والقتل ‘ وعلى يد الرئيس السادات الذى بدأ حكمه بأنه رئيس مسلم لدولة مسلمة ‘ هكذا علانية ‘ ووضع خميرة إضطهاد الأقباط فى نفوس المسلمين والتى إستمرت حتى اليوم ‘وسطر التاريخ الأحداث الآتية:
1- " حادثة الخانكة 1972" والتى كانت بداية النار فى الهشيم ‘ وخرج فيها المسلمين علانية وفى وضح النهار ليحرقوا جمعية الكتاب المقدس بالخانكة ‘ ولم يفعل الأقباط ردا على ذلك إلا بخروج تجمع كهنة مصر لمسيرة فى شوارع القاهرة من الخانكة الى كاتدرائية العباسية ‘ حيث ينتظرها قداسة البابا شنودة والذى كان يقف وسطنا بجلابية سوداء وعصاه فى يده ‘ وإنتهى اليوم بتجمع شعبى بمشاركة مثقفى المسلمين فى قاعة الكاتدرائية ‘ وكانت هذا بداية كشف حقيقة أنور السادات تجاه المسيحين ‘ وقد أعلن فى مؤتمر لاهور الإسلامى ‘ بوعده للتجمع "أنه سيحول أقباط مصر الى ماسحي أحذية" ‘ وفى ظل هذا السياسة للرئيس المسلم ‘ أن فك قيود الإخوان المسلمين ‘ والمتطرفين المسلمين ليجولوا قتلا وحرقا لمسيحى مصر‘ وأذكر على سبيل المثال ‘ حرق كنيسة الملاك بأسيوط وتكسير محلات المسيحيين عام 1975‘ قتل الطلبة المسيحيين بالخناجر فى المدينة الجامعية بأسيوط 1978‘ وتكرر ذبح الطلبة المسيحيين فى المدينة الجامعية بالأسكندرية 1980 ‘ وإنتهى حكم السادات بأكبر مذبحة قام هو ووزير الداخليه النبوى إسماعيل بالإشراف عليها بذبح 86 مسيحى بكنيسة مار جرجس بالزاوية الحمراء ‘ وفى بيوت المسيحيين وحرق مئات المنازل والمحلات تحت حماية الأمن المركزى الذى حوط المنطقة بالكامل حتى إنتهت المذبحة‘ وجاءت عاقبة السادات على أيدى هذه الجماعات الإسلامية بقتلة فى وسط القوات المسلحة.
2- سيذكر التاريخ القبطى الحديث أن عصر الرئيس مبارك كان عصر سفك دماء الأقباط ومسيحى مصر ‘ منذ أول يوم فى حكمة – 1981 - حتى ساهم الأقباط فى رحيلة عن الحكم عام 2011 ‘ وقد إتسم حكم مبارك بعملية تسمى الموازنة بين المتطرفين والسلفيين والإخوان المسلمين ‘ وكان الأقباط هم ضحية هذا التوازن ‘ فكانت المذابح والتدمير والحرق والتهجير فى عصره بشكل وكأنه سحق للأقباط فى بلدهم مصر ‘ وإذا رجعنا الى هذه الأحداث المتميزة سنجد :
أ- لقد كان نصيب بلاد الصعيد – والتى يتمركز فيها غالبية الأقباط والمسيحيين فى مصر – وبشكل منظم وتحت إشراف وزير داخليته العادلى ‘ لسفك دماء الأقباط على كل شوارع بلاد الصعيد ‘ ولم تخلوا بلدة أو قرية واحدة من ذبح الأقباط فى عصر مبارك ‘ ولو رجعنا للتاريخ المسجل سنجد أن محافظة المنيا بالذات – تعداد الأقباط فيها حوالى 3 مليون مسيحى وأكبر تجمع للكنائس فى مصر - تتعرض لسفك دماء المسيحيين يوميا ‘ وأكبر حرق وتدمير الكنائس على أرض مصر ‘ وأكبر عددا فى خطف البنات والسيدات وأسلمتهم على أيدى السلفيين فيها ‘ وقد إشتهرت المنيا بأن المعين فيها محافظا من المشهورين بتطرفهم الدينى ‘ وبالتالى التغاضى عن مايحدث للأقباط ولكنائسهم ‘ والمحافظة التالية هى أسيوط فى كل بلادها شعبا وكنيسة تتعرض يوميا للإضطهاد العلنى وسفك دماء المسيحيين ‘ ولم تخلوا قرية أو نجع فيها من تغذية ترابها بدماء المسيحيين‘ ثم محافظات بنى سويف وسوهاج وقنا وأسوان وقبلها الجيزة وفى بلاد بحرى الشرقية والغربية وعلى رأسها الأسكندرية التى تتمركز فيها السلفية الوهابية بكل وجوهها المعلنة والخفية.
ب- مذابح مشهورة للمذابح العلنية للأقباط على سبيل المثال وليس الحصر ‘ مثل مذبحة وقتل 13 مسيحيا فى قرية المنشية باسيوط 1992‘ ذبح 14 مسيحيا فى ديروط – اسيوط فى نفس العام ‘ الهجوم المسلح على دير العذراء بالمحرق وقتل 5 رهبان 1994‘ قتل 13 قبطيا فى بهجورة بمركز نجع حمادى 1997‘ وفى نفس العام مذبحة اخرى فى عزبة داود ‘ مذبحة الكشح الاولى بسوهاج 1998 ‘ والثانية فى اول الألفية الثالثة بقتل 19 قبطيا عام 2000وحرق منازل الأقباط فيها ‘ وانتهى حكم مبارك بمذبحة كنيسة القديسين بالأسكندرية ليلة رأس السنة 2011‘ والتى قتل فيها أكثر من 23 قبطيا ‘ ولم يقبض على القتلة حتى اليوم .
ج- دماء شهداء الأقباط سببا فى ثورة25 يناير 2011: 1- مظاهرة الأقباط فى العمرانية ضد قرار هدم كنيسةالعذراء فيها 2010 وراح ضحيتها شاب عمرة 17 سنة وأصيب العشرات وقبض على 170 قبطيا فى هذه الاحداث ‘2- والمظاهرات القبطية امام محافظة الجيزة ‘والمظاهرات فى روض الفرج طوال ال 24 يوما بعد حادث مذبحة القديسين حتى اسقط حكم مبارك بعد 30 عاما تتشح بدماء ذكية للشعب القبطى ‘ 3- هدم وإحراق كنيسة أطفيح المشهورةعام 2011 ‘ وحرق كنيسة أسوان تحت حماية رجال الأمن ومحافظها. د- دماء شهداء الأقباط سببا فى ثورة 30 يونية 2013: وكانت مذبحة ماسبيروا فى 9 اكتوبر التى وقعت تحت سيطرةالمجلس العسكرى برئاسة طنطاوى وقيادة قائد الشرطةالعسكرية وقتل فيها 24 واصابة أكثر من 300 بمعرفة القوات المسلحة المصرية وبتحريض تلفزيون الدولة‘ كان السبب الأول لخروج الملايين من الأقباط فى كل أنحاء مصر لمساندة إسقاط حكم الإخوان المسلمين ‘ وتنصيب الرئيس السيسى رئيسا للبلاد ‘ وقد كان إشتراك بطريرك الأقباط فى مجلس إسقاط الحكم ‘ تميزا ‘ وقد كانت نتيجته حرق وتدمير 79 كنيسة ومؤسسة مسيحية فى محافظات المنيا واسيوط والفيوم والجيزة ‘ والمذابح المستمرة منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم
. القضاء على الهيئة القبطية الأمريكية :
كانت الهيئة القبطية الأمريكية برئاسة الدكتور شوقى كراس وحتى عام 2003 تاريخ رحيلة للسماء ‘ هى قائدة العمل الوطنى والصوت الوحيد للمطالبة بحقوق الأقباط ‘ ولم يكن أحد غيرها فى مصر والعالم يتكلم عن حقوق الأقباط فى مصر ‘ وكان تعمل معها الهيئات فى كندا وإستراليا والهيئات فى أوروبا ‘ وخمسين هيئة فى الولايات المتحدة الأمريكية ‘ وظلت الدولة والمخابرات المصرية تحاول بشتى الطرق إسقاط الهيئة القبطية الأمريكية ومقرها جيرسى سيتى ‘ بإعتبارها القوة الرئيسية فى الدفاع عن الأقباط ‘ وكان شعارنا فى العمل قول الرب للمعتدى عليه " لماذا تلطمنى ؟" ولم تتمكن من هذا إلا بوفاة الدكتور شوقى كراس ‘ ففى يوم 10 أكتوبر 2003 وجسده مسجى فى الكنيسة إسقطت الهيئة القبطية الأمريكية الى غير رجعة‘ ونجحوا فى إبطال مفعولها ‘ ووجدنا الصراعات تقتل العمل الوطنى ‘ ونجحوا فى إستقطاب أعضاء الهيئة للمشاركة فى حفل رئيس الإخوان المسلمين فى نيويورك ‘ وإستقبال الدولة لروساء الهيئة وتكريمهم فى مصر ‘ بل أن الهيئة تكرم القنصل المصرى فى نيويورك ‘ وتقوم بالمظاهرات لتدعيم بقاؤه فى منصبه وتقوم فى تجميع الأصوات وترسلها لوزارة الخارجية المصرية ‘ بدلا من الدفاع عن حقوق الأقباط فى مصر ‘ وهكذا ماتت الهيئة القبطية قائدة العمل الوطنى وماتت معها كل الهيئات القبطية فى المهجر‘ والتى أيضا إستقطبتها الدولة ‘ فلم يعد نسمع عنها أى صوت ‘ وإنتهت الهيئة الى عدد لا يتجاوز عدد الأصابع ‘ برئاسة شخص غير مرغوب فيه من الشعب القبطى ‘ وكتبت شهادة وفاة للعمل القبطى خارج مصر ‘ ووقعت الدولة وختمت بالوفاة والسبب هو توقف نبض قلب العمل القبطى.
هل دم شهداء الأقباط سيحرر الوطن ؟
وهذا هو المتوقع ‘ فبعد سقوط شهداء الكنائس فى القاهرة والأسكندية وطنطا ودماء شهداء المنيا ‘ وجدنا الدولة تستشعر الخطر ‘فبسقوط الأقباط ستسقط مصر كلها ‘ ووجدنا الرئيس السيسى يطالب الرئيس الأميركى بالمساعدة فى القضاء على الإرهاب ‘ وتقوم القوات المسلحة بحرب علنية على قوات الإرهاب فى ليبيا ‘ وستشهد الأيام القادمة حرب ضروس على الدول التى تساعد فى نشر الإرهاب الإسلامى فى العالم ‘ وسيكتب التاريخ ماقبل شهداء مصر ومابعده ‘ ونسأل إلهنا ان يكون دماء شهداؤه سببا فى تحرير الوطن والعالم من الإرهاب.
والحل :
فى رأيي هناك حلول كثيرة يمكن إتخاذها من المجتمع الدولى ومن قيادة مصر لوقف قتل الأقباط :
من المجتمع الدولى
يجب وبكل قوة أن يتحد المجتمع الدولى ‘ وكما فعلوا مع صدام حسين عندما قفز بقوة لتهديد دول الغرب ‘ وقاموا بتدميره ‘ والأصابع تشير إلى المملكة السعودية فى كل الإرهاب الحادث للعالم كله ‘ وبالأخص ضد المسيحيين ‘ ولعل تمويل وتعضيد السعودية لداعش أكبر دليل على إستمرار المذابح ‘ وعلاقة مصر بالوهابية التى يمثلها السلفيين ‘ المتعاقدين مع الدولة لوقف تيار الإخوان المسلمين ‘ كل هذه سببا رئيسيا فى مذابح الأقباط فى مصر ‘ وللمجتمع الدولى دور رئيسى فى توقف هذه المذابح وخصوصا لتبعية مصر للسعودية فى هذا الزمان‘ وعلى المجتمع الدولى وخصوصا أميركا أن تقف بقوة مع مصر ضد الإرهاب الداعشى ‘ وتضمن أن قيادات مصر جادة فى محاربة الإرهاب ضد الأقباط فى بلادهم مصر.
من دولة مصر:
1- وقف الخطاب الدينى المكفر للمسيحيين علنا ليل نهار ‘ ولا نقول الآن تصحيح الخطاب الدينى ‘ فقد فات الآوان لذلك ‘ وأصبح الأمر يحتاج إلى الأمر بالوسطية ووقف تيارات الوهابية فى التغلغل وفرض سحابة التكفير على المجتمع كله ‘ وهذا من شأن قيادة الدولة إذا أرادت بالمواطنة وتعميم الأمن للجميع ‘وإذا إستطاعت أميركا أن تصنع التغيير الحاصل فى المملكة الوهابية السعودية ‘ فهى تستطيع أن تحدث تغييرا فى الخطاب الدينى المصرى‘ لنشر السلام والأمان فى ربوع مصر.
2- تقسيم محافظة المنيا إلى ثلاث محافظات ..وهذا لكثرة الكثافة السكانية الكبيرة لشعب هذه المحافظة ‘ مع إلتهام عدد السكان لأى عمليات للتنمية الإقتصادية فى المحافظه المترامية الأطراف ‘ وبهذا التقسيم سيكون لها ثلاث محافظين وثلاث قوات أمن ‘ ليمكن التحكم فى قياداتها ‘ والسيطرة على فلول داعش المتغلغلة فى صفوف السلفيين فى هذه المحافظة
والأيام بيننا لنرى هل سيحدث رد فعل لعمليات قتل الأقباط على أيدى داعشى المنيا وغيرها هذه المرة ‘ أم سيستمر الحال كما هو‘ وسيخرج علينا السلفيين ليصفقوا لرجال داعش لأنهم قتلوا الأقباط الكفرة ‘ ولنا رب يقول" لى النقمة ..أنا أجازى يقول الرب".