أزمة أسعار الخضروات والأرز وأخطاء التعامل
د. نادر نور الدين
الجمعة ٢ نوفمبر ٢٠١٨
نادر نور الدين محمد
تزرع البطاطس فى مصر فى نحو 200 – 220 ألف فدان سنويا تنتج أكثر من 2 مليون طن تكفى استهلاكنا المحلى مع توافر نحو نصف مليون طن منها للتصدير. البطاطس من المحاصيل قليلة المكوث فى التربة ويتم حصادها خلال 100-120 يوما. فى العام قبل الماضى تراجعت الصادرات بشدة رغم زيادة المساحة المزروعة بالبطاطس فباع المزارعون محصولهم بنحو 900 جنيه للطن وتعرضوا لخسائر فادحة. أدت هذه الخسارة إلى إقلاع الكثيرون عن زراعة البطاطس هذا العام فتراجع معها المحصول وباع المزارعون الطن بنحو ثلاثة آلاف جنيه. ورغم انخفاض المحصول هذا العام زادت صادراتنا من البطاطس وتجاوزت النصف مليون طن، وهى عادة ما تتراوح بين 250 و400 ألف طن، وكان من المفترض التعاون بين وزارتى الزراعة والتجارة بألا يتم السماح بتصدير أكثر من 300 ألف طن فقط هذا العام لتوفير احتياجات السوق المحلية بسعر يتراوح بين ستة وتسعة جنيهات ولكننا اعتبرنا أن زيادة الصادرات إنجاز كبير.
نفس الأمر تكرر أيضا مع محصولى الطماطم والبصل، وتعتبر الطماطم هى المحصول الوحيد المبرر ارتفاع أسعاره هذا العام بسبب أزمة التقاوى المفيرسة والتى أطاحت بمحصول نحو 60 ألف فدان، وعموما لم تتجاوز أسعار الطماطم الجنيهات العشر وهذا مقبول نسبيا فى ظل أزمة التقاوى وتراجع الإنتاج. وعلى عكس الطماطم فإن البصل والذى وصل سعره إلى عشرة جنيهات للكجم فهو غير مبرر زيادة أسعاره، لأن التجار اشتروه من المزارعين بسعر جنيه واحد فى أول الموسم وجنيهين للمخزونة والمكمورة فى وسط الموسم، وبالتالى فإن السعر العادل لها لا ينبغى أن يتجاوز خمسة جنيهات.
أما الأرز فقد حذرنا من تقليص مساحات زراعته بحجة ارتفاع استهلاكه للمياه، لأن هذه المياه فى مكانها اقتصاديا وتقدم خدمة كبيرة للفلاح ولغسيل أراضى الدلتا وأيضا فإن عائد المتر المكعب من زراعة الأرز عشرة جنيهات مقارنة بأربعة جنيهات فقط عائد زراعة القمح وأننا نستورد طن القمح بنحو 200 دولار بينما نستورد طن الأرز ما بين 600 و700 دولار للطن.
ولأن الدولة قررت عدم تطبيق التسعيرة الجبرية وترك الأمر لآليات العرض والطلب واتباع تعليمات البنك الدولى بعدم التدخل الحكومى فى تسعير المنتجات الغذائية بما يسبب تشوهات سعرية فإن التعامل مع أزمات ارتفاع أسعار البطاطس والبصل والطماطم والأرز لم يكن على المستوى المأمول القانونى والدولى.
فإذا نظرنا إلى محصول البطاطس والذى ينتهى إنتاج محصوله فى شهر مايو من كل كام، وبالتالى فإن الأسواق تعيش ستة أشهر على السحب من المخزون فى الثلاجات حتى شهر ديسمبر من كل عام. هذه الثلاجات تتكلف كهرباء وعمالة ومطهرات وإيجار فيكون السعر العادل للبطاطس فى نهايات الموسم لهذا العام ما بين 9 و10 جنيهات. وكان ينبغى لأجهزة وزارة التموين الدخول فى مفاوضات مع الغرفة التجارية والوصول معها إلى السعر العادل الذى لا ينبغى أن يتجاوز عشرة جنيهات فى البطاطس وسبعة فى الطماطم وخمسة فى البصل وعشرة فى الأرز. وفى حال فشل المفاوضات تتم إحالة الأمر إلى جهاز منع الاحتكار للتقدم ببلاغ إلى النائب العام واستصدار أمر قضائى بمصادرة المخزون بعد إثبات كافة جريمة الاحتكار وبذلك نكون قد اتبعنا الطرق القانونية.
وهنا ينبغى لوزارة الزراعة بالاشتراك مع وزارة التخطيط وضع المساحات اللازمة لزراعات البطاطس والبصل والأرز والطماطم، والتى ينبغى زراعتها كل عام مع تحديد الكميات المسموح بتصديرها من كل محصول بناء على احتياجات الأسواق المحلية وعدم ارتفاع أسعارها فوق طاقة المواطنين، وفى نفس الوقت نتجنب القضايا العديدة التى يمكن أن ترفع على مصر بسبب إلغاء عقود التصدير بما يكلفنا الكثير.
وفى النهاية أتساءل عن أسباب إغلاق وزارة التموين لأقسام الخضروات والفاكهة فى مجمعات الدولة وهل استغل التجار هذا الأمر؟!