بقلم منير بشاى
خلال الاسبوع الاخير من شهر اكتوبر 2018 شهدت منطقة دير السلطان بالقدس القديمة احتجاجات قام بها رهبان الكنيسة القبطية الارثوذكسية ادت الى اعتقال السلطات الاسرائيلية لاحد الرهبان لفترة ثم افرج عنه. كانت هذه جزءا من احتجاجات اعتراضا على اغفال السلطات الاسرائيلية حق الاقباط فى ملكية دير السلطان وتسليمه للاحباش. وفى هذه المرة كان الاحتجاج على محاولة السلطات الاسرائيلية ترميم الدير دون الرجوع للكنيسة القبطية صاحبة الملكية الشرعية. هذا فى الوقت الذى كانت الكنيسة القبطية تعتزم الترميم ورفضت السلطات طلبها.
لم تكن هذه المرة الاولى التى ظهر فيها هذا الصراع. لقد كان مجرد حلقة من سلسلة حلقات على مدى تاريخ الدير الطويل.
تعود ملكية الكنيسة القبطية للدير الى قرون عديدة. فيقال ان الدير قد اعطى هدية للاقباط من السلطان عبد الملك بن مروان. وفى القرن الثانى عشر فى عهد صلاح الدين الايوبى أعاد تسليمه للاقباط مكافأة لهم على اخلاصهم. ومن هنا جاءت تسميته بدير السلطان.
فى النصف الثانى من القرن السابع عشر طلب الرهبان الاحباش من الكنيسة القبطية ان تسمح لهم بالاقامة المؤقتة بالدير لحين ايجاد مكان آخر لهم. وكان الاحباش قد اضطروا الى مغادرة مقرهم بسبب عجزهم عن دفع الضرائب الباهظة المقررة عليهم .
ولكن الضيوف الاحباش تحولوا الى منازعين لاصحاب البيت من الاقباط . واستمر هذا النزاع خلال فترة حكم الخلافة العثمانية وحتى اليوم. وقد حاول الاحباش فى عدة مرات الاستيلاء على الدير ولكن الكنيسة القبطية تمكنت من استعادته فى كل مرة.
فى فبراير 1959 نجح الاحباش فى اقناع المسئول الاردنى بالقدس بملكيتهم للدير وتسليمه لهم. ولكن قداسة البابا كيرلس السادس ارسل وفدا لمقابلة ملك الاردن لعرض الوثائق التى تثبت ملكية الاقباط للدير وأوقف القرار بقرار آخر صدر فى فى 22 فبراير 1961,.
ولكن فى 25 ابريل 1970 ارسلت السلطات الاسرائيلية قوات لتمكين الاحباش من الدير بتغيير الكوالين وسلموهم المفاتيح الجديدة ومنعوا الاقباط من الدخول او حتى استعادة ممتلكاتهم التاريخية النفيسة.
رفع الاقباط دعوى امام المحكمة الاسرائيلية العليا التى اقرت بالاجماع بتاريخ 16 مارس 1971 بحق الاقباط فى ملكية الدير وباعادة مفاتيح الدير لهم
من الواضح ان دير السلطان حق قبطى اصيل ولكن لاطماع من اشقائنا الاحباش حاولوا الاستيلاء عليه. وقد ساعدتهم على هذا السلطات الاسرائيلية لاسباب سياسية معروفة. فموقف الكنيسة من تاييد الشعب الفلسطينى واضح. كما ان قرار قداسة البابا شنودة من موضوع التطبيع مع اسرائيل بعد توقيع اتفاقية كامب دافيد ايضا واضح وهو رفض ان يوصم الاقباط بخيانة القضية الفلسطينية بعودة زيارة القدس قبل الحل الكامل للقضية الفلسطينية.
استمر النزاع والمراوغة والتعنت رغم صدور احكام اسرائيلية لصالح الاقباط. وعندما احتج الرهبان على تعدى السلطات الاسرائيلية على حقهم التاريخى المشروع لجأت السلطات الاسرائيلية الى التعامل بالعنف مع رهبان يطالبون بحقهم مستخدمين اسلوب الاحتجاج السلمى.
نحن نتعرض هنا لقضية حق يجب ان يعود لاصحابه. ولا فارق فى الامر اذا كان المعتدى على الحق الاحباش المسيحيون او السلطات الاسرائيلية اليهودية، الدين لا دخل له فى الامر.
هذا والتأييد المطلق غير المشروط لمواقف اسرائيل حتى الظالم منها نتيجة توجهات خاص فى تفسير نبوات الايام الاخيرة، لا مبرر له. النبوات قد يختلف المفسرون فى فهمها وتأويلها ولكن المبادىء من محبة وعدل وسلام ثابتة لا يمكن الخلاف عليها ولا يجب التنازل عنها. وكمثال توضيحى فان حادثة الصلب تعتبر ركنا هاما فى العقيدة المسيحية مؤيد بالعديد من النبوات. ولكن هذا لا يمنع من النظر الى عملية صلب المسيح البرىء على انها جريمة كبرى يجب ادانتها.
فى المقابل فان العداء غير المبرر لليهود نتيجة اعمال مرفوضة ترتكبها دولة اسرائيل هو ايضا مرفوض. من الممكن ان نعترض على بعض سياسات اسرائيل، اما بالنسبة لليهود فنعلم ان الله يحبهم ويفتح احضانه ويقبلهم مثلما يقبل جميع الناس. وهذا ايضا ما ينبغى ان نعمله نحن.
الخلاصة ان موقفنا الذى لا يجب ان يتغير هو رفض الظلم والوقوف فى صف الحق مع جميع الناس وفى كل الاوقات.