بقلم نسيم عبيد عوض
فى الأحد الثانى من شهر بابة يقرأ انجيل القداس من بشارة معلمنا لوقا البشير اصحاح 5: 1-11‘ والمتابع لقراءة كلمة الله ‘ يلاحظ ان القديس لوقا الإنجيلى يتتبع حياة السيد المسيح على الأرض خطوة بخطوة ‘ من بداية البشارة الى القيامة ثم الصعود فى سفر اعمال الرسل. وفى الإصحاح الرابع نقلنا من بعد التجربة فى البرية 40 يوما يجرب من ابليس ‘ بإختباراتها الثلاثة – الخبز ‘ المجد الدنيوى الباطل‘ إختبار ابن الله – وبعد أن رجع يسوع بقوة الروح الى الجليل بدأ

الكرازة وخدمته اللاهوتية للبشرية.
بدأ فى الناصرة كقول الكتاب( واتى وسكن فى مدينة يقال لها ناصرة. لكى يتم ما قيل بالانبياء انه سيدعى ناصريا. مت 2: 23) ‘ وقرأ عليهم فى المجمع ماورد عنه فى نبوة اشعياء النبى 61: 1-.." روح الرب علي لأنه مسحنى ...‘ ثم طوى الكتاب وقال لهم انه اليوم قد تم هذا المكتوب فى مسامعكم ‘أنه هو المسيا المنتظر. وفى كفر ناحوم وداخل المجمع أيضا عرفه الشيطان وقال " انا أعرفك من انت قدوس الله." لو4: 34‘ ثم بعد ذلك دخل بيت سمعان وشفى حماته من الحمى المميتة بمجرد ان انتهر الحمى فتركتها فى الحال وقامت تخدمهم‘ ‘ وشفى كل المرضى الذين قدموا لبيت سمعان ‘ وبدأ فى الصباح بشارته للمدن والقرى الأخرى ‘ ثم جاء الى بحيرة جينسارت (وهى بحيرة متفرعة من بحر الجليل وتسمى بحيرة طبرية أيضا) ومن هنا بدأ القديس لوقا يكتب لنا ماحدث :

كان الجمع يزدحم عليه ليسمع كلمة الله:
وهذه هى دعوة الله لنا أن نجتمع دائما حول كلمته ‘ لأنه هو كلمة الله ويخاطبنا بها مباشرة بدون وسيط كما كان يحدث من
الإنبياء ‘ ويعلمنا القديس بولس الرسول عن كلمة الله أنه " كلمة الله حية وفعالة وأمضى من كل سيف ذى حدين وخارقة الى مفرق النفس والروح والمفاصل والمخاخ ‘ ومميزة أفكار القلب ونياته. وليست خليقة غير ظاهرة قدامه بل كل شيئ عريان مكشوف لعيني ذلك الذى معه أمرنا."عب4: 12 ‘ والله نفسه بفمه الطاهر عرف كلمته لنا" الحق الحق أقول لكم ان من يسمع كلامى ويؤمن بالذى ارسلنى فله حياة أبدية ولا يأتى الى دينونة بل قد انتقل من الموت الى الحياة." يو5: 24‘ كلمة الله هى روح وحياة.

وصار يعلم الجموع من السفينة :
ودخل سفينة سمعان وسأله ان يبعد عن البر قليلا‘ إلهنا يريدنا ان نسمع كلمته من داخل كنيسته - رمزها السفينة – ففى سفينة نوح إجتمعت البشرية المؤمنة تحت قيادته للسفينة ‘ وكل من كان خارجها قد هلك فى طوفان العالم. وربنا يريدنا ان نخرج من برية هذا العالم وشروره ‘ وندخل بيته ‘ حائط السلام والأمان والعبادة. ونلاحظ أن الرب كان يعلم الجموع وعينه على سمعان الذى ينظف شبكته ويسمع كلمة الله. ولعل سمعان قد انجذب مما سمعه بالأمس من السيد فى كلمته التى شفى بها حماته ‘ وكلمته التى شفت كل مرضى المدينه ‘ فالرب دائما هو الذى يجذبنا اليه ‘ يطرق على قلوبنا بصفة دائمة وبكل الوسائل ‘ حتى نفتح قلوبنا له ‘ فتدخل كلمته فينا فنشبع بعد جوع ونرتوى بعد عطش الى بر الله. " طوبى للجياع والعطاش الى البر ‘ لأنهم يشبعون . فالذى يقبل اليه لن يجوع ولا يعطش الى الأبد." كان الرب يرتب لسمعان ماهو مزمع ان يكلفه به" لستم أنتم الذين أخترتمونى بل انا الذى اخترتكم ..ولعل هذا كان بداية دعوته لتلاميذه ال12.

ابعد الى العمق وألقوا شباككم للصيد:
الله دائما يريد منا أن نأخذ كلمته لعمق قلوبنا لتنقيها حتى يتحقق فينا قول الرب" طوبى لأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله .. ‘فعمق كلمة الله تأخذنا بعيدا عن شباك العالم التى يحاربنا بها ابليس ويجول يريد أبتلاعنا ‘ ولكننا فى عمق كلمة الله وبه حصلنا على السلطان أن نصير أولاد الله ‘ فوهبنا الميراث المتضمن السلطان ان ندوس الحياة والعقارب وكل قوات العدو. ومع الرب الذى يحيا فينا يأخذنا لعمق حياة التوبة والحياة الأبدية وملكوته داخلنا ‘ وهذه هى ساعة الدخول فى العمق مع الله" الحق الحق أقول لكم انه تأتى ساعة وهى الآن حين يسمع الأموات صوت ابن الله والسامعون يحيون ."
يامعلم قد تعبنا الليل كله ولم نأخذ شيئا.ولكن على كلمتك القى الشبكة:

الحياة الدنيا هى تعب وشقاء وسنخرج منها بلا شيئ كقول ايوب الصديق" عريان خرجت من بطن أمى وعريانا أعود الى هناك ‘ الرب أعطى والرب أخذ فليكن اسم الرب مباركا." أي 1: 21‘ يلفت الرب فكرنا الى حقيقة إيمانية عميقة ‘ قد يئن الإنسان فى هذه الارض من تعبها وأمراضها وشقائها وهمومها‘ ولكن ان القيت شبكتك إتكالا على كلمة الله فالصيد سيكون أكثر مما تتوقعه ‘ نعمة وبركات من الله لا تحسب ولا تعد ‘ فالله لا يعطى بكيل ‘ الله يفتح كوى وشبابيك السموات فتعطينا نعم وبركات لا تحصي ‘ كقول المرتل " جعلت الرب أمامى فى كل حين لأنه عن يمينى فلا أتزعزع.مز16: 8. فعلى كلمة الرب التى أطاعها سمعان وقال له " يامعلم" امسكوا سمكا كثيرا .

أخرج من سفينتى يارب لأنى رجل خاطيئ:
هنا القديس لوقا بالوحي الإلهى يقول" سمعان بطرس" مع ان الرب أسماها بطرس (الصخرة) فيما بعد ولكن الحدث إلهى فائق للطبيعة ‘ ولذلك خر سمعان بطرس وسجد له وقال أخرج يارب من سفينتى لأنى رجل خاطئ ‘ اننى لا أستحق وجود قدوسك فى سفينة رجل خاطئ ‘ تماما عندما رأى إشعياء النبى الرب وصرخ ويل لى انى قد هلكت لانى انسان نجس الشفتين وانا ساكن بين شعب نجس الشفتين لان عيني قد رأتا الملك رب الجنود ."اش6: 5‘ ولكن سمعان بطرس بقوله هذا قد ظهر له إستعلان لاهوت يسوع المسيح بسجودة وقوله يارب‘ والمعنى لقوله أخرج ولانه بطبيعة وجود السفينة وسط البحر تعنى أنه رجل خاطئ ولا يستحق وجود القداسه معه فى نفس المكان ‘ هو استعلان لاهوتى بالخلاص ‘ وإشراقه روحية من بطرس ‘ تماما عندما سأل الرب وانتم من تقولون انى انا"مت16: 17" فأجاب سمعان بطرس وقال أنت هو المسيح ابن الله الحي." وكان هذا أول إعتراف علنى بوجود المسيا المنتظر " الله ظهر فى الجسد." قال بطرس فى الأول يامعلم ولكن وقد انفتحت بصيرته فقال يارب.

لا تخف:
الله الحي فينا والذى أعطانا سلطانا أن نصير أولاده وآياته تتبعنا ‘ دائما وأبدا يقول لنا " لا تخف" فعندما جاءهم ماشيا على الماء قال لهم لا تخافوا‘ وهنا قول الرب لسمعان لا تخف لأنه قد انفتحت بصيرته لإستعلان الله ‘ وهم يؤمنون أن الإنسان لا يرى الرب ويعيش كما قال لموسى. وهنا معنى العمق الذى يقصده الرب فينا ‘ عمق كلمته المقدسه فى كتابه المقدس وبها
سنرى الله ونسمع كلمته فهو الذى قال " وأظهر له ذاتى"

تركوا كل شيئ وتبعوه:
وهذا كان اول ترتيب الرب لإختيار تلاميذه الأثني عشر ‘ لقد تبعوه لأنهم رأوا ملكوت الله أمامهم ‘ وهم تبعوه ليرثوا الملكوت المعد لهم ‘ وكما قال لهم بعد ذلك " بالحرى تفرحون لأن اسماءكم قد كتبت فى السماء..فى سفر الحياة." لو10: 20‘ تركوا كل شيئ ولم يهتموا بماذا تركوا ‘ سفينة وكميات سمك تغنيهم ‘ لقد أشرقت روح الله عليهم ‘ فكان الإنجذاب له ووراءه أمرا طبيعيا ‘ كلمة الله فتحت عيونهم وجذبتهم اليه ‘ فإستهانوا بكل شيئ - وأعتبروه نفاية كقول الرسول - من أجل معرفة المسيح ‘ وأين هم اليوم؟ معه فى عرشه فى السموات‘ وهم الذين قال لهم" طوبى للعيون التى تنظر ماتنظرونه . لأني أقول لكم ان انبياء كثيرين وملوكا أرادوا ان ينظروا ماأنتم تنظرون ولم ينظروا‘ وان يسمعوا ماأنتم تسمعون ولم يسمعوا ‘ فطوبى لعيونكم ولآذانكم.." دخلوا فى العمق مع كلمة الله ‘ فأحبوا الحياة معه ‘ ولم يخرجوا الى برية هذا العالم إلا ليستشهدوا على اسم الرب ويكونون شهودا له.

اللهم امنحنا القدرة على ان ندخل معك فى عمق كلمتك الحية لتثمر فى قلوبنا ‘ حتى مانترك كل شيئ ونتبعك كل أيام حياتنا ‘ وحتى عندما تحين ساعة لقاءك نكون مستعدين ساهرين لنوجد معك بالفردوس المعد لنا. آمين.