الذعر يسيطر على أطباء ونزلاء «المنيرة العام» بسبب مريض «الإيدز»
صحة | الوطن
٢٢:
٠٩
م +02:00 EET
الثلاثاء ١٦ اكتوبر ٢٠١٨
طرقة طويلة خلت من المرضى والأطباء، فقط بعض عمال يرتدون فى أياديهم «الجوانتيات» الطبية البيضاء، غطت وجوههم كمامات لم تُظهر سوى أعينهم، التى بدت عليها علامات الذعر، يعملون فى صمت يناسب تلك الحالة التى سيطرت عليهم منذ يومين، عندما أُغلقت غرفة العزل ذات الباب الحديدى الأزرق على مريضها الجديد، قبل أن يتم إخلاء قسم الحريق بالكامل، حيث توجد الغرفة، فى مستشفى المنيرة العام من كل المرضى.
لم يكن أحد يعلم بما حدث يوم الأحد الماضى داخل قسم الطوارئ بمستشفى المنيرة العام، لولا منشور أحد الأطباء العاملين فيه على موقع «فيس بوك»، ناشد فيه جميع المسئولين لحماية المرضى بالمستشفى، كما ناشد المرضى أنفسهم ترك المستشفى لحين تعقيمه، بعدما دخلها مريض فى منتصف عقده الرابع، ادعى الطبيب إصابته بمرض «الإيدز»، وكان فى حالة نزيف شديد بسبب انفجار أحد شرايين قدمه اليمنى، ما أدى إلى إغلاق قسم الطوارئ بالمستشفى يوماً كاملاً.
«دى حالة عادية جداً، بس اللى كتب على الفيس كبّر الدنيا».. كان هذا رد أحد أفراد الأمن الشاهدين على واقعة دخول المريض إلى المستشفى عند الحديث معه، يقول إن الأمر كله بدأ فى قسم الاستقبال وانتهى فيه: «هو مادخلش لف فى المستشفى زى ما بيتقال».
ممرضة: حجزنا «وائل» فى قسم الحروق بعد ما فضيناه من المرضى.. وعامل نظافة: رشينا المكان كله بالكلور
فى الطابق الثالث من المستشفى كانت العشرينية منى ناصر، إحدى المريضات، تجلس فى انتظار إجراء جراحة فى يدها، لم تكن حاضرة وقت الحادث، بل جاءت فى اليوم التالى له بعدما فتح قسم الطوارئ لاستقبال المرضى مرة أخرى، وجمعها القدر معه فى طابق واحد، لتعبر عن ذلك قائلة: «ماشفتوش من ساعة ما جيت عشان هم قافلين عليه أوضته، بس شُفت مراته لما جات له»، حالة من الخوف بدت فى حديث «منى»، التى لم تعلق على الأمر إلا بقولها «ربنا يسترها».
فى نفس الطابق الذى كانت تنتظر فيه «منى»، كان قسم الحروق قد اختفت منه الحركة، فقط عمليات التنظيف المستمرة منذ يومين، فى حادثة لم يشهدها القسم من قبل، حسبما قالت إحدى الممرضات، التى رفضت ذكر اسمها، موضحة أن القسم كان يحتوى على مرضى الحروق والقدم السكرى ولا يوجد فيه مكان لاستقبال حالات مرضى الإيدز، معبرة عن ذلك بقولها: «الحالة دى مكانها مش هنا أصلاً، مكانها الرئيسى فى الحميات، لأن العزل اللى هنا مش مناسب ليه».
كانت رائحة سائل «الكلور» طاغية على طرقات القسم بالكامل، ما يستخدمه العمال فى عملية تنظيف المكان، حسبما قال أحدهم: «القسم هنا فيه غرفتين عزل، بس مش مخصصين للإيدز، وبعد ما الحالة دخلت نضّفنا الدور كله بالكلور».
المريض: «مفيش تقرير بيقول إن عندى إيدز واللى حصل معايا مايتعملش مع حيوان».. والقاصد: «ملتزمون بعلاجه»
فى غرفة العزل من الداخل، كان يستلقى وائل نصر على سريره الصغير، وحيداً بوجهه الشاحب: «مستشفى الحميات فى العباسية هى اللى عملت فيا كده»، قالها «وائل» بنفس متقطع فى محاولة منه لسرد قصته التى جعلته لا يعلم مصيره فى الأيام المقبلة: «أنا ماكانش عندى حاجة غير فيروس سى، وجات لى جلطة فى رجلى اليمين وانسداد فى الأوردة والشرايين».
ذهب «وائل» إلى مستشفى الحميات بالعباسية لإجراء جراحة فى قدمه وتم حجزه ثلاثة أيام استعداداً لها: «لقيتهم بيقولوا لى انت عندك إيدز، وهما ماحللوليش تحليلات فيروسية أصلاً، وجه ميعاد العملية، واليوم خلص وماعملتهاش»، يومان آخران قضاهما «وائل» داخل «الحميات» حتى تم تحويله إلى مستشفى «أم المصريين» العام، ليرفض استقباله، حسب قوله: «قالوا لى مالكش دخول عندنا ورجعت تانى بعتونى للمنيرة، وبعدها قصر العينى والحسين الجامعى ومعهد ناصر، نفس القصة، وبعد اللفة دى جيت على هنا متحول من هناك».
نبرة باكية تحدث بها «وائل» بدموع انهمرت على خديه حزناً منه على حاله الذى أصبح يعيش فيه، لم يرد سوى العلاج والمعاملة الحسنة: «اللى حصل معايا مايتعملش مع حيوان مش مع بنى آدم، وأنا بعت عفش بيتى عشان أتعالج ولسه ماتعالجتش، ورجلى مابقتش قادر أمشى عليها».
وحول ما أثير على موقع التواصل الاجتماعى عن حالة «وائل» علق شقيقه «وليد» قائلاً: «كتير من اللى بيتقال كدب»، مشيراً إلى أن شقيقه حتى الآن لم يخرج له تقرير من أى مستشفى يقول إنه مريض بالإيدز: «وائل بيموت وعنده انفجار فى الشريان، واتعامل معاملة سيئة جداً فى مستشفى الحميات وكان مرمى فى الشارع وماحدش راضى يستقبل الحالة».
رغم عدم تأكد أسرة «وائل» من إصابته بمرض الإيدز، إلا أنهم لا يريدون سوى علاجه، كما قال شقيقه «وليد»: «صعب جداً تكون شايف أخوك اللى من لحمك بيموت قدامك وأنت مش قادر تنقذه». من جانبه قال الدكتور أحمد محيى القاصد، مساعد وزير الصحة للطب العلاجى، إن مستشفى المنيرة العام اتخذ الإجراءات الطبية اللازمة مع أحد المتعايشين مع مرض الإيدز بعد دخوله المستشفى مصاباً بنزيف حاد نتيجة تمدد فى شريان الفخذ.
ونفى «القاصد» ما تداولته وسائل التواصل الاجتماعى من حدوث إهمال واستياء من استقبال المريض وتركه دون تدخل لوقف النزيف بدعوى عدم جاهزية المستشفى لاستقباله. وأضاف أنه تمت السيطرة على النزيف واستئصال التمدد وإنقاذ حياة المريض وحجزه فى غرفة عزل بمفرده، مضيفاً: «ليس معنى أنه مريض بالإيدز ألا تستقبله المستشفيات، فجميعها ملزمة بعلاجه».
الكلمات المتعلقة