صرير قلم " الحكيم " و نفير " فودة "
مدحت بشاي
٣٠:
٠٤
م +02:00 EET
السبت ٦ اكتوبر ٢٠١٨
كتب : مدحت بشاي
medhatbe9@gmail.com
في إطار تقديره لدور القلم وأصحابه من أهل التنوير والإصلاح ، قال الكاتب التنويري المبدع العظيم " توفيق الحكيم " صرير القلم اليوم .. هو نفير الإصلاح غدًا " مًحفزًا وداعمًا لدور المثقف العربي والمصري لمواصلة النضال الفكري من أجل عودة الوعي واستعادة الروح الإنسانية ، في الوقت الذى انتشر فيه الكلام عن " خيانة المثقفين " وتراجع دورهم السياسي والمجتمعي والتنويري ..
أذكر مقولة عمنا " الحكيم " ، و كنا منذ أيام نعيش أجواء الذكرى السادسة والعشرين لاستشهاد المفكر الوطني النبيل " فرج فودة " شهيد الدفاع عن الكلمة الحرة والمطالبة بإقامة الدولة المدنية .. التنويري الذي وقف مواجهًا جحافل الظلاميين بشراسة واستبسال ..
ومن منا ينسى خطاباته ومناظراته الجريئة الواضحة دون تحذلقات تعبيرية أو أيديولوجية لأنه كان دومًا يوجه خطابه للجماهير في عموم تصنيفاتها .. قال مفكرنا من بين ما قال متحديًا " لا أبالي أن كنت في جانب، والجميع في جانب آخر، ولا أحزن إن ارتفعت أصواتهم أو لمعت سيوفهم. ولا أجذع إن خذلني من يؤمن بما أقول. ولا أفزع إن هاجمني من يفزع لما أقول. وإنما يؤرقني أشد الأرق، أن لا تصل هذه الرسالة إلى ما قصدت. فأنا أخاطب أصحاب الرأي لا أرباب المصالح. وأنصار المبدأ لا محترفي المزايدة. وقصاد الحق لا طالبي السلطان. وأنصار الحكمة لا محبي الحكم.."
لم يكن " فودة " مُلحدًا كما لم يكن " فولتير " ملحدًا ماديًّا على طريقة فلاسفة التنوير الآخرين، إنما كان مؤمنًا إيمان أهل التفكير لا إيمان الأصوليين ورجال الدين المتجمدين ، وكان " فولتير " المبشر المثابر إلى تنوير العامة حتى تخرج من ظلمات الجهل، والتعصب الديني، وتدخل في مرحلة التحضّر والتقدّم. و قد قاوم واتخذ من الأفكار والدعوة لإعمال آليات لانتزاع السلطة السياسية من سيطرة الكنيسة و هيمنتها على فكر الناس ، وقد صدّق توجّهه الأستشرافي الرائع ؛ ذلك أن القرن التاسع عشر أنجز مشروعًا كبيرًا، عندما فصل الدولة عن الكنيسة، وحرّر السياسة من هيمنة المطارنة والكرادلة وبقية الأصوليين، وكان ذلك أحد الأسباب الأساسية لتقدّم أوربا، وتحوّلها إلى منارة حضارية.
في كتابه " قبل السقوط " يقول أهل التنوير أن مؤلفه " فودة " قد اقتحم منطقة أخرى من فكرنا بقيت مغلقة ومحرّمة ومحظورة لأمد بعيد وهي منطقة الدعوة الى العلمانية، طارحاً بوضوح المبررات التي يقدمها العلمانيون ومؤكداً أن العلمانية ليست كفراً والحاداً كما يزعم خصومها بل هي دعوة لممارسة القوانين الوضعية العصرية لادارة المجتمعات المدنية ونشر المحبة والتسامح والتكافل الاجتماعي باتجاه انشاء وتأسيس الدولة المعاصرة القادرة على التخطيط العلمي الممنهج في خدمة أمال وطموحات الجماهير الشعبية الى حياة أفضل وأرقى، لا دولة التعصب الأعمى والفكر المنغلق والجاهلية الجديدة والتصفيات الجسدية لكل مكن يجرؤ على الاجتهاد والتفكير المغاير، المختلف وممارسة الحرية .
ويقول عميد الفكر العربي " طه حسين " عن أهل التنوير " لم يكن فلاسفة التنوير الذين ذكرناهم في تيارهم العريض يستهدفون الدين بحدّ ذاته، ولا حتى فكرة التعالي الرباني، ولا العقيدة الأخلاقية لهذا الدين أو ذاك، إنما كانوا يستهدفون سيطرة رجال الدين على الحكم، والخلط بين السياسة والدين، وترسيخ نظام طائفي، أو مذهبي، أو نشر أفكار التعصّب الأعمى والدفاع عنها. بمعنى آخر، فلاسفة التنوير لم يكن هدفهم رفض الدين، أو حرمان الناس من أديانهم، إنما جعلهم أكثر تسامحًا في فهم هذه الأديان وممارستها، كما كان هدفهم الأساسي تدشين مبدأ حرية الوعي والضمير، لأوّل مرة في تاريخ الفكر البشري، فأنت حسب هؤلاء حرّ في أن تؤمن أو لا تؤمن، وكل إيمان قائم على القسر والإكراه لا معنى له.."
ويقول عميد الفكر العربي " طه حسين " عن أهل التنوير " لم يكن فلاسفة التنوير الذين ذكرناهم في تيارهم العريض يستهدفون الدين بحدّ ذاته، ولا حتى فكرة التعالي الرباني، ولا العقيدة الأخلاقية لهذا الدين أو ذاك، إنما كانوا يستهدفون سيطرة رجال الدين على الحكم، والخلط بين السياسة والدين، وترسيخ نظام طائفي، أو مذهبي، أو نشر أفكار التعصّب الأعمى والدفاع عنها. بمعنى آخر، فلاسفة التنوير لم يكن هدفهم رفض الدين، أو حرمان الناس من أديانهم، إنما جعلهم أكثر تسامحًا في فهم هذه الأديان وممارستها، كما كان هدفهم الأساسي تدشين مبدأ حرية الوعي والضمير، لأوّل مرة في تاريخ الفكر البشري، فأنت حسب هؤلاء حرّ في أن تؤمن أو لا تؤمن، وكل إيمان قائم على القسر والإكراه لا معنى له.."
وأعود لفولتير وما جاء في كتابه " القاموس الفلسفي " .. يقول فولتير: إنه يهدف إلى إحداث ثورة في العقول، تكون مرتكزة على ممارسة العقل والروح النقدية، وتتيح لنا التحرّر من الأفكار المتعصبة التي نرثها عن أهلنا، وهي كارهة للآخر بشكل سابق؛ لأنه يختلف عنّا دينًا أو مذهبًا، أو أصلًا اجتماعيًّا، كما أنها تتيح لنا أن نفكّر بشكل حرّ. ومعلوم أن فرنسا في عصر فولتير كانت محكومة بالاستبداد السياسي الملكي المتحالف مع الأصولية المسيحية، وكان المجتمع خاضعًا للتصورات الطائفية ..
في أزمنة التراجع الحضاري ، يسجنون " أنا كسوجوراس " لأنه أجزم أن الشمس نجم وليست إلها ! .. و يحرق رجال الدين " برونو " لأنه قال إن الأرض ليست مركزاً للكون ! .. ويحكمون على سقراط بالإعدام لأنه أفسد عقول الناس بالتنوير! .. ويتم إعدام توماس مور بفرمان من هنرى الثامن بسبب قيمه الرفيعة ! .. ووصولًا لابن رشد وابن حنبل ونجيب محفوظ ونصر حامد أبوزيد ، و فرج فودة صاحب الذكرى المحتفى بها هذا الأسبوع ..
تجية لجمعية التنوير التي أسسها المفكر الرائع الراحل د. فرج فودة ، ومجلس إدارتها ورئيسها الكاتب والناقد " أحمد فؤاد درويش " وأمينها العام التنويري البارز " اسحق حنا " لاجتهادهم الرائع في استمرار قيام الجمعية بدورها التنويري والتثقيفي وإحياء تلك الذكرى السنوية بتكريم رموز التنوير والإشادة بأدوارهم الفكرية والإنسانية ...
لقد قال قال توماس جيفرسون: قد يغلب الباطل الحق فى كثير من الأحيان، ولكن يبقى للحق ميزته الكبرى التى ينفرد بها، ألا وهى أنه يجعل من أصحابه روادا للتنوير ومصابيح للتاريخ ..