الأقباط متحدون - من جيل إلى جيل
  • ١٢:٤٤
  • الاثنين , ١ اكتوبر ٢٠١٨
English version

من جيل إلى جيل

مقالات مختارة | الأنبا موسى

٤٧: ٠٧ ص +02:00 EET

الاثنين ١ اكتوبر ٢٠١٨

الأنبا موسى
الأنبا موسى

كان هناك حديث دائم عن «صراع الأجيال»، والأفضل أن نقول: «اختلاف الأجيال».. فلا شك أن الأجيال تختلف، وما قابله الآباء فى شبابهم يختلف جذريًا عما يقابله الأبناء.. ولكن، إن كان الشباب هو التجديد، فالكبار هم الخبرة.. ولا ينبغى أن تقف الخبرة عائقًا أمام التجديد، ولا ينبغى أن يهمل التجديد دور الخبرة.

وبداية.. هناك بعض حقائق مهمة ينبغى أن نضعها فى اعتبارنا، ونحن ندرس هذه النقطة: «الاختلاف بين الأجيال».

حقائق مهمة

1- فروق بين الاختلاف والخلاف:

فالخلاف معناه الخصومة والتناقص، وربما العداء، وهو دليل أكيد على عدم النضج الروحى والنفسى والفكرى.. بينما الاختلاف هو ظاهرة صحية ومهمة.

1- النضج الروحى: يجعل القلب وديعًا، متواضعًا، منفتحًا، قادرًا على تقبل الآخر كشخص، والآخر كفكر، والآخر كطاقة وموهبة مهمة، نافعة لبنيان الجماعة.

2- والنضج النفسى: يرفع الإنسان فوق الضعفات النفسية الشهيرة والخطيرة، مثل: الغيرة والعناد والتعالى، والثقة الزائدة فى الإمكانيات الذاتية، وعدم قبول الآخر، بينما هو وعاء مواهب وعطايا مختلفة.

3- والنضج الفكرى: يرفع الإنسان فوق أحادية الرأى والتوجه، والصلف، والتطرف، والتعصب، والإرهاب الذهنى، وانغلاق العقل، وتغييب العقل، والاعتقاد أننى وحدى أملك كل الحق، وأن من يختلف معى فى الفكر أو الاعتقاد هو عدو لدود!!

إن أخطر ما يعانى منه بعض الشباب الآن، هو تصوره بأنه يملك الرأى الصائب، والقرار السليم، والنظرة الثاقبة للأمور، وهكذا يضع عصابة على عينيه، فلا يفكر إلا بنفسيته المتحمسة لشىء ما، تفكيرًا عاطفيًا، انفعاليًا، شخصيًا، خال من: الاتساع والحوار والموضوعية.

ولعل أسلوب التعليم السائد فى مدارسنا هو أسلوب التلقين وليس التكوين، (وهذا ما يحاول الوزير الحالى طارق شوقى تغييره) فالمدرس يحشو أذهان تلاميذه بالمادة العلمية، دون أن يكوّن فيهم عقلاً خلاقًا، أو فكرًا متفاعلاً، أو رأيًا مبدعًا، لعل هذا الأسلوب يساعد فى خلق شباب أحادى الفكر.

ولعل أسلوبنا فى التربية الدينية يساعد أيضًا على ذلك، حينما يتصور البعض أن التواضع معناه مسح الخصوصية الفردية، والشخصية الإنسانية، فلا تفاهم ولا حوار، بل نصائح وأوامر، هى أبعد ما تكون عن التدين السليم، لهذا دعا تلاميذ السيد المسيح «بالحواريين» حيث كانوا يتحاورون معه فى كل شىء.

إذن، فحينما تختلف أيها الشاب الحبيب أو الشابة المباركة مع الأب أو الأم، فلا يكون هذا الاختلاف فى الرأى خلافًا بل فرصة تفاعل وحوار.. حتى نصل جميعًا إلى الاقتناع بالرأى الصحيح.. الذى يريح ويبنى الجميع وكما أن هناك فرقًا بين الاختلاف والخلاف، هناك فرق أيضًا بين الإقناع والاقتناع..

2- فرق بين الإقناع والاقتناع:
يتصور البعض أن مهمة الكبار أو الخدام أو الوالدين «إقناع» أبنائهم وبناتهم، ليسير الجميع فى الطريق السليم: روحيًا وأخلاقيًا ودراسيًا.. إلخ.

لكن هناك فرقا شاسعا بين الكلمتين: «الإقناع»، «والاقتناع»... فالإقناع معناه أننى أمتلك الرأى الصواب، وسوف أقنع به غيرى، ولابد أن يقتنع!! هذا نوع من الديكتاتورية المقنعة، أو ما يسمونه فى علوم الإدارة «بيع الفكرة».. أى أن تكون الفكرة مختمرة فى رأس المعلم، ويجتهد فى إقناع التلاميذ بها، مثال: أن يقنع المعلم التلميذ بأهمية زيارة الآثار الفرعونية أو غيرها، ويحاول أن يأخذ تلاميذه لزيارتها، فيقولون له إنهم زاروها كثيرا، فيصر ويقول لهم: وماله.. مهما تكررت الزيارة، فهناك متعة جديدة! ومع صدق هذه المعلومة، إلا أن الشباب المقبل على الحياة يريد أن يرى المزيد! كأن يزور المتحف المصرى أو القبطى أو الإسلامى أو غير ذلك، السليم هو أن نتحاور حوارًا صحيحًا وسليمًا، يصل بنا - نحن الطرفين - إلى «اقتناع» سليم وهادئ.

والطريق إلى «الاقتناع» يحتاج إلى: صبر، وصلاة، ووداعة، وموضوعية، وهدوء، وعدم انفعال، وتفاعل أفكار وآراء. وإن كان الوالدون يحاولون «إقناع» أبنائهم بما يرونه سليمًا، فالأبناء أيضًا يمارسون أحيانًا نفس الأمر، إذ يحاولون إقناع آبائهم بما يرونه سليمًا.

التصرف السليم هو الحوار الجيد الهادئ، إلى أن نصل (الكبار والشباب) إلى اقتناع بالرأى الأصوب، الذى قد يكون رأى الوالدين، أو رأى الشباب أو رأيًا جديدًا تمامًا، جاء ثمرة للحوار!!

3- فرق بين التجديد والخبرة:
فالتجديد يناسب الشباب أكثر، بسبب حماسهم الشديد، وطاقتهم المتدفقة، وعاطفتهم الملتهبة، واندفاعهم نحو المستقبل.

والخبرة تناسب الكبار أكثر، لكثرة ما قابلوا فى الحياة من مواقف حلوة ومرة، ولكثرة ما احتكوا بأشخاص من كل نوع، ولكثرة ما قرأوا فأضافوا أعمارًا على أعمارهم.

المشكلة تأتى حينما تتصارع وزنتان مهمتان للحياة: وزنة التجديد ووزنة الخبرة، والحل أن تتكامل الوزنتان دون أن تلغى إحداهما الأخرى، أو تتجاهلها.

ينمو الشباب فى سنة واحدة جسميًا، فتصل قامته إلى قامة والديه، وربما أكثر.. فيتصور أن هذا النمو يجعله شبيهًا لهما فى كل شىء.. لكن النمو الجسمى الفجائى السريع لا يصاحبه نمو ذهنى فجائى أو سريع، بل نمو ذهنى تدريجى، ومعه نمو نفسى ونمو روحى، وكلاهما يكون بالتدريج.

هناك إذن فجوة بين النمو الذهنى والنفسى والروحى من جهة، وبين النمو الجسمى.

من هنا كان لابد من التكامل بين الجيلين، فالشباب يجب أن يقدروا هذه الفجوة حق قدرها، فيشعروا بالحاجة إلى فكر وخبرة الوالدين.. والوالدون يجب أن يترفقوا بالشباب الصاعد، فلا يحبطوا تطلعاته، وحسن توجيه الطاقة.

* أسقف الشباب العام بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية
نقلا عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع