ليخلص ما قد هلك
نسيم عبيد عوض
الأحد ٣٠ سبتمبر ٢٠١٨
بقلم نسيم عبيد عوض
عندما سقط آدم فى الخطية كان أول سؤال الله له ‘ أين أنت ياآدم؟ بغرض أن يعترف آدم بخطيته ويتوب عنها‘ وهكذا كانت رسالة الكتاب المقدس كله هودعوة الإنسان للتوبة ‘ والرجوع الى الله ‘ ولذلك قام آباء الكنيسة بترتيب قراءات الشهر الأول من السنة القبطية – توت – بأناجيل تدعوا الناس الى التوبة ‘ ففى الأحد الأول من شهر توت يقدم لنا يوحنا المعمدان (لو7: 28-35) كرسول التوبة ‘ وتوضيح لمحبة وحكمة الله للبشر أن يرسل لهم صوتا صارخا ليدعوهم للتوبة تمهيدا لإستقبال المخلص الآتى لفداء البشرية ( كقول النبوة عنه على فم زكريا الكاهن –أبوه- " وأنت أيها الصبي نبى العلى تدعى ‘لأنك تتقدم أمام وجه الرب لتعد طرقه‘ لتعطى شعبه معرفة الخلاص بمغفرة الخطايا."لو1: 76و77)‘ وكقول الكتا ب عنه " كان يوحنا يعمد فى البرية ويكرز بمعمودية التوبة لمغفرة الخطايا." مر1: 4‘ وفى الأحد الثانى يقدم لنا فصل الإنجيل بسؤال كل البشر " ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية" (لو 10: 21-28) والتى هى غاية توبة الإنسان عن خطاياه ‘ الحياة الأبدية ‘ وفى إنجيل الأحد الثالث ( لو 19: 1-10) وهو موضوع اليوم يقدم لنا نموذجا حقيقيا وفريدا للتوبة ‘ ولعل لقاء الرب بشخصية زكا وتوبته كانت إجابة على كثير من الأسئلة التى دارت فى
أذهان التلاميذ ‘ ولعلها فى أذهاننا أيضا
شخصية زكا رئيس العشارين
لم يكن زكا عشارا فقط بل كان رئيسا للعشارين ‘ وهى طبقة مكروهة من بنى شعبه ‘ وهم جابي الضرائب بأسلوب كله ظلم وعبودية وسرقة لحقوق الناس ‘ وخيانة للوطن بالتعامل مع المحتل الرومانى ‘ وعندما قال الكتاب انه كان غنيا كان المقصود من أموال الشعب ظلما ‘ وكان قبل ان يدخل الرب ويجتاز فى أريحا أن تقابل مع رجلا غنيا ودعاه بأن يتبعه ‘ ولكن الرجل " حزن لأنه كان غنيا جدا" ‘ وقال الرب لتلاميذه " ما أعسر دخول ذوى الأموال الى ملكوت الله. فقال الذين سمعوا فمن يستطيع أن يخلص؟ فقال "غير المستطاع عند الناس مستطاع عند الله."لو18: 23-27‘ ولقاء الرب مع زكا كان إجابة للسؤال عمن يستطيع أن يخلص ولو كان غنيا جدا‘ والصفة الأخرى فى زكا أنه كان عشارا ورئيس عشارين ‘ وهى صفة تعادل الخطاه ‘ ولذلك كان اليهود يتهمون المسيح بأنه يجلس مع الخطاة والعشارين ‘ ولم يكن هذا يمنع الرب من البحث والجلوس مع هؤلاء حسب قوله" لم آتى لأدعو أبرارا الى التوبة بل الخطاه ‘ ولعل زكا هذا كان قد علم ان الرب إختار واحدا من العشارين وهو متى الرسول ليكون تلميذه ‘ ولعل زكا أيضا سمع بما فعله الرب وهو على أبواب أريحا ومع برتيماوس الأعمى الذى صرخ " يايسوع ابن داود أرحمنى" وكقول الكتاب" فقال له يسوع أبصر. إيمانك قد شفاك." لو18: 42و43.
وطلب أن يرى يسوع من هو؟
الخطية فى حياة الإنسان تيار يبعده عن مركز الحياة فيه وهو الله ‘ وتأخذ القلب بعيدا عن النور الى كور الظلمة ‘ وتسلب الإنسان حريته ليتعبد لأهوائه وشهواته وحبه للمال والطمع المستمر فى إلإكتناز ‘ ولعلنا نسمع سؤال الكاهن لنا فى القداس الإلهى( أين هى قلوبكم ؟فنجيبه هى عند الله ) وهذا شرط لأن نستحق التناول من جسده ودمه الكريم ) ‘ وأيضا كمايقول الكتاب أن محبة المال هو أصل كل الشرور‘ وكان زكا رجلا عشارا وغنيا جدا ‘ ولكن بمفعول روح الله فيه حركه للشوق لرؤية يسوع ومن يكون هذا الذى سمع عنه الكثير ‘ وهذا هو بداية الطريق الى التوبة الحقيقية – الإشتياق لرؤية الله والرجوع إليه- فإذا كانت التوبة هى البحر الذى يغتسل ويتطهر فيه الخاطئ من خطاياه ‘ فأول خطوة هو الرجوع الى الله معطى مياه التوبة ‘ وكمثل الأبن الضال الذى رجع الى نفسه وقرر ان يعود الى أبيه ويقول له أخطأت ياأبتاه الى السماء وقدامك ‘ وأيضا فأن بداية التوبة هى يقظة روحية من سبات الخطيه ‘ ويكون أساسها هو الشوق لأحضان الله التى تحوط علينا فتستر وتصد كل التيارات العدوانيه من قوات العدو الشرير ‘ ولذلك تحركت روح زكا فيه وطلب أن يرى يسوع.
معوقات التوبة
كانت عند زكا عوامل كثيرة تصد رغبته فى التوبة وتعوقه عنها ‘ اولا عامل جسدى وهو أنه كان قصير القامة ‘ ولعلنا جميعا نصاب بمثل هذا السبب فقد يكون الجسد محرضا بشهواته ورغباته عن الهروب من التوبة ‘ ثانيا كان هناك سببا إجتماعيا يحول بينه وبين التوبة ‘ فهو رجل له وضع إجتماعى كرئيس للعشارين ‘ وأيضا رجلا غنيا ‘وكثيرا من العوامل إلإجتماعية تؤثر فى توبتنا نحن كمثل سلوك من حولنا ‘ وكذلك رأى الناس والى آخره من محبطات المجتمع حولنا ‘ كعوامل مؤثرة فى الرغبة فى التوبة ‘ ثالثا العامل الروحي فقد كان زكا مكروها من المجتمع ‘ وتصاحبة نظرات الإزدراء من الجميع فى كل خطواته ‘ وقد يكون هذا سببا فى يأسه من التوبه ‘ ولكن هنا تظهر فى زكا النموزج الى التوبة فقد تغلب على عيبه الجسدى من قصر قامته وصعد الى الجميزة ‘ ولم يلتفت الى وضعه الإجتماعى وكيف ان الناس تستهزأ به ‘ وغلب كل يأس فيه ‘ نسى كل هذه العوائق وكان كل شوقه أن يرى يسوع ‘ وهذا بداية التوبة.
يازكا إسرع وإنزل
عندما رأى الفريسيين والكتبه ان جميع العشارين والخطاة يدنون من الرب يسوع ‘ قالوا "هذا يقبل خطاة ويأكل معهم" فقال لهم الرب" يجب ان تفرحوا معى لأنى وجدت خروفى الضال‘ أقول لكم أنه هكذا يكون فرح فى السماء بخاطئ واحد يتوب أكثر من تسعة وتسعين بارا لا يحتاجون الى توبة."لو15: 7‘ وايضا هو الذى بدأ بشارته بالدعوة الى التوبة وقال" توبوا لأنه قد إقترب منكم ملكوت السموات ‘ وهو الذى الذى لا يشاء موت الخاطئ مثلما يرجع ويحيا ‘ وكانت دعوة الرب لزكا بالإسراع أى بالرجوع الى النفس واليقظة الروحية ‘ والنزول عن كل الخطايا والبعد عنها ‘ فهى ساعة للإستيقاظ والنزول الى أحضان المسيح ‘ وكأن الرب كان مدبرا بإجتيازه أريحا أن يخلص هذا الإنسان من خطاياه ولذلك يقول له" لأنه ينبغى أن أمكث اليوم فى بيتك.لو19: 5.‘ ليقول مع يشوع أما أنا وبيتى فنعبد الرب‘ وهكذا قدم له الرب وفق شوقه ورغبته أن يخلص أيضا كل أهل بيته ‘ وهذا لنعرف ان كل حياتنا الفضل فيها لنعمة الرب وعطاياه ‘ فهو الذى يمنحنا القوة على التوبة الصادقة ويحصننا فى هذه الحياة ‘ ولذلك يظلل على كل البيت ليحدث خلاصا ثابتا وتوبة صادقة لزكا وكل أهل بيته ‘ رغم تذمر الجميع الذين قالوا أنه دخل ليبيت عند رجل خاطئ.
الإعتراف والتوبة
وكإن قول الرب لزكا إسرع وإنزل قد أيقظته من سبات عميق ‘ وقد عتقته من سلاسل الخطية ‘ وقد حلته من رباطات غليظة فى ظلمة الخطيه ‘ وقد الهبت روحه بنور مشرق ليقف ويعترف بخطاياه ‘ وأنه لم يكن يفعل صلاحا واحدا ‘ وأنه كان تاركا المساكين بدون صدقة ورعاية ‘ وكان واشيا وظالما للناس يأخذ منهم ناهبا أموالهم ‘ ولكن هاهو الرب يمد يده اليه ويسأله أن ينزل عن هوس المال والغنى ويتواضع تحت أقدام المخلص ‘ ولذلك وقف زكا مستهينا بكل شيئ ليقول للرب وأمام كل الناس وبكل شجاعة " هاأنا يارب أعطى نصف أموالى للمساكين وإن كنت قد وشيت بأحد أرد أربعة أضعاف."لو19: 8
الخلاص
حسب ماقاله القديس بطرس الرسول لرؤساء الشعب وشيوخ إسرائيل لإى خطابه المشهور‘ " وليس بأحد غيره الخلاص. لان ليس إسم آخر تحت السماء قد أعطي بين الناس به ينبغى أن نخلص."أع 4: 13‘ وكأن زكا كان فى إنتظار المخلص الذى قال : " اليوم حصل خلاصا لهذا البيت إذ هو أيضا ابن إبراهيم." ‘ إبراهيم الذى آمن فحسب له الله برا‘ ونحن أيضا وفى يومنا هذا ‘ إن سمعتم صوته فلا تقسوا قلوبكم ‘ فلنسرع وننزل عن كبريائنا الذى يحول بيننا وبين التوبة الصادقة ‘ وننحنى تحت أقدام الرب ‘ وسنسمعه يقول " يابنى مغفورة لك خطاياك" وكقول معلمنا بولس الرسول" إنكم عارفون الوقت أنها ساعة الآن لنستيقظ من النوم فإن خلاصنا الآن أقرب مما كان حين آمنا."رو13: 11.