الأقباط متحدون - الخلافة العباسية والانهيار: (الجزء الثالث)
  • ١٣:١٦
  • الجمعة , ٢٨ سبتمبر ٢٠١٨
English version

الخلافة العباسية والانهيار: (الجزء الثالث)

فاروق عطية

مساحة رأي

٠٥: ٠٩ ص +02:00 EET

الجمعة ٢٨ سبتمبر ٢٠١٨

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

العصر العباسي الرابع: السلطنة المملوكية
الخلافة العباسية في القاهرة: (1261-1517م)

فاروق عطية
   باقتحام المغول بغداد في 10 فبراير 1258م/ 4 صفر 656هـ، وأمر هولاكو بحبس الخليفة المستعصم بالله ومنعه الطعام والشراب عنه حتي وافته المنية في 20 فبراير 1258م، زالت الخلافة العباسية من بغداد. مضى ثلاث سنوات والعالم الإسلامي دون خليفة، وكانت تلك أطول فترة شغور منذ تأسيس الخلافة في القرن السابع الميلادي، على الرغم من أن السلطان الأيوبي في دمشق قد بايع أبا العباس أحمد خليفة ليضفي الشرعية على سلطنته ويجابه المماليك ذوي القوة المتصاعدة في مصر.

   في عهود ضعف الدولة العباسية أصبح المماليك القوام الوحيد للجيش والمنبع الأساسي للسلطة، أما مماليك مصر فقد تم استقدامهم علي يد السلاطين الأيوبيين وهم في الغالب من الشراكسة البيض، تم تعليمهم القراءة والكتابة وحفظ القرآن وفنون القتال منذ الصغر. تولى المماليك حكم مصر منذ عام 1250م بعد انقراض السلطنة الأيوبية. لم يعتمد المماليك علي الحكم الوراثي ولكنهم اعتمدوا علي نظام التوافق فيما بينهم أحيانا والانقلابات بين زعماء الكتائب أحيانا أُخر، وفد توالي واحد واربعين سلطنا مملوكيا في ستة واربعين ولاية، وطد المماليك فيها أقدامهم في حكم مصر ثم تمكنوا من السيطرة علي بلاد الشام واليمن والحجاز مؤسسين بذلك سلطنة واسعة المساحة.

   كان للماليك في بداية عهدهم دورا بارزا في حماية بلاد المشرق، فبعد أن اجتياح هولاكو بغداد وأسقاط الخلافة العباسية بها، اتجه بجيوشه نحو الشام واحتل نصيبين والرها ثم حلب محدثا بتلك الولايات مثل ما حل في بغداد من خراب وتدمير. خلال هذه الفترة خلع سيف الدين قطز السلطان نور الدين علي ابن عز الدين أيبك، وتولى بنفسه شؤون السلطنة، ثم حشد الجيش وخرج به من مصر صوب الشام حيث كان هولاكو قد دمر حلب وأحرق دمشق، والتقى الجيشان في معركة عين جالوت عام 1260م التي انتصر فيها المماليك. في طريق العودة إلى مصر توفي قطز وأصبح الظاهر بيبرس سلطانا من بعده. كان بيبرس ناجحا في معاركه مع الصليبيين وأعاد يافا وانطاكيا والقلاع المحيطة بها عام 1268م.

   عندما سيطر قطز علي دمشق عقب معركة عين جالوت توجه إلى حلب التي كانت لا تزال تحت حكم الأيوبيين، حيث بايع أميرها الخليفة العباسي ولقبه الحاكم بأمر الله. غير أن شهرة هذا الخليفة كانت محدودة فلم يخطب له خارج إمارة حلب علي عكس سائر الخلفاء حتي لو لم تكن لهم سلطة حقيقية، فالخطبة في صلاة الجمعة تعتبر هامة للخلافة، لذلك أُسقط هذا الخليفة من قائنة الخلفاء واعتُبرت محاولة لإحياء الخلافة. غير أن المحاولة الناجحة كانت على يد الظاهر بيبرس عام 1262م، حيث استقدم الأمير أحمد ابن الخليفة الظاهر بأمر الله إلي القاهرة، وعقد له حفلا حضره رجال الدولة والشرع أثبت خلاله صحة نسب الأمير ثم تمت مبايعته بالخلافة رسميا ولقب المستنصر بالله، وأمر بأن يضرب اسمه على النقد ويذكر في خطبة الجمعة.

   طلب بيبرس من الخليفة أن يكتب له تفويضًا مطلق الصلاحية في إدارة الدولة وتسيير شؤونها، ومنحه الخليفة هذا التفويض الذي لم يترك له (الخليفة) أي صلاحية، واقتصر دوره فقط كرمز للدولة ومصدر شرعيتها، نص التفويض أيضا علي أن تعمل الدولة علي استعادة بغداد وإعادة كرسي الخلافة إليها، وهو ما تمّ فعلاً عندما خرج الخليفة بنفسه على رأس جيش نحو العراق، إلا أنه قتل في إحدي المعارك مع المغول قبيل الوصول إلي بغداد ولم تدم خلافته غير بضعة شهور. بويع في القاهرة بعده الحاكم بأمر الله الثاني الذي مكث بها ثلاثة عقود.

   عموما فإن الدولة العباسية بمعنى الدولة قد سقطت مع سقوط بغداد عام 1258م على يد المغول، أما الخلافة العباسية كرمز فقد استمرت حتي عام 1517م في كنف الدولة المملوكية بدورها الديني، ولم تتلاشي إلا بعد سقوط الدولة المملوكية في أعقاب معركة مرج دابق التي انتصر فيها السلطان سليم الأول العثماني علي المماليك، حيث توجه بجيشه نحو الجنوب ودخل معظم بلاد الشام سلما، بعدها انعطف إلي مصر وهزم آخر المماليك الأشرف طومان باي في معركة الريدانية قرب القاهرة. وعند عودته اصطحب معه آخر الخلفاء العباسيين المتوكل علي الله الثالث الذي تنازل له عن الخلافة وسلمه رموزها وهي بردة النبي محمد وسيف عمر بن الخطاب. وبذلك لم تؤول الخلافة من العباسيين إلي العثمانيين فحسب، بل انتهي الفرع العربي من الخلافة (فرع قريش) حيث كان جميع الخلفاء سيان كانوا راشدين أو أمويين أو عباسيين فهم جميعا ينتمون إلي قبيلة قريش وهي قبيلة النبي محمد، إلي الفرع الغير عربي، أي فرع آل العثماني التركي.

دول العباسيين بعد زوال الخلافة: (1517- 1967)
   بعد زوال الدولة العباسية نشأت عدد من الدول التي حكمتها السلالة العباسية بحكم موقعها ورمزيتها في العالم الإسلامي. في بعض الحالات قامت الإمارات العباسية قبل زوال الخلافة بشكل مستقل عنها، كما لم يطالب أحد من هؤلاء الأمراء الحق بالخلافة بعد زوال الخلافة العباسية نهائيا عام 1519م أو بعد إلغاء الخلافة عام 1922م، ومن هذه الإمارات:

    - إمارة بهدينان: وهي أقدم الإمارات العباسية تأسيسا، حيث تأسست عام 1367م في كردستان العراق علي يد الملك بهاء الدين العباسي أحد أحفاد الخليفة المستعصم بالله. عاصمتها مدينة العمادية (في محافظة دهوك حاليا)، وقد تمددت لتشمل محافظتي أربيل ونينوي. عاشت زمنا طويلا واستطاعت الحفاظ علي استقلالها رغم وقوعها علي حدود امبراطوريتين عظيمتين ومتحاربتين دائما هما الامبراطورية العثمانية والامبراطورية الصفوية. وكانت نهايتها علي يد إمارة كردية منافسة مجاورة هي إمارة سوران عام 1834م. هربت الأسرة الحاكمة إلي حلب وانتقل جزء منها إلي جيزان واليمن وهم مشهورون إلي اليوم باسم آل عاصم.

   - إمارة الجعليين: قامت في شمال السودان وينتسبون مباشرة إلي العباس بن عبد المطلب دون أن يكونوا من ذرية أحد الخلفاء العباسيين في بغداد أو القاهرة. بعد انتشار المماليك هرب جزء من العائلة المالكة إلي السودان وأعلنوا استقلالهم عام 1588م علي يد سعيد أبو دبوس. اتخذوا مدينة شندي عاصمة لهم. توالى على حكم الإمارة سبعة عشر عباسي إلي أن قضى عليها محمد علي باشا والي مصر إبان فتحه للسودان عام 1823م.

   - مملكة الشايقية: قامت في شمال السودان أيضا، وهم أبناء عمومة الجعليين ويرجع نسبهم إلى شايق بن حمدان أحد أحفاد ابراهيم جعل، بن الأمير ادريس بن قيس المنتسب للعباس بن عبد المطلب. استمرت مملكتهم حتي عام 1821م حيث سقطت على يد محمد علي بتشا إبان غزوه للسودان.

   - مملكة بهاولبور: قامت في السند عام 1702م علي يد الأمير علي مبارك خان الأول، ويرجع تواجد العباسيين في الهند إلي بداية العهد العباسي، وهم منتسبين مباشرة للعباس بن عبد المطلب. تميزت مملكتهم بالنمو الاقتصادي والاهتمام بالعلوم والآداب. انتهت في أعقاب استقلال الهند 1947م وتقسيمها إلي دولتين (الهند وباكستان)، واختار آخر الأمراء العباسيين في بهاولبور الانضمام طوعًا لباكستان في الخامس من أكتوبر 1947م.

   إمارة بستك العباسية: تأسست عام 1573م علي يد الأمير عبد القادر بن الحسن أحد أحفاد هارون الرشيد. شملت منطقة الأهواز وضفة الخليج العربي علي الجانب الإيراني. توالي علي حكمها إحد عشر أميرا حتي قضي عليها شاه إيران محمد رضا بهلوي عام 1976م، وانتقلت الأسرة الحاكمة إلي المملكة السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين.

    ولا يزال حتي اليوم يعيش في مختلف بلدان العالم الإسلامي بعض الأسر التي تدعي أن أصولها تعود للأسرة العباسية، في السعودية واليمن والسودان ومصر وتركيا وإيران والشام والهند وباكستان وأفغانستان وأوزباكستان. وعلي الرغم من انقراض آخر دولهم عام 1967م، إلا أنه قد برز عدد منهم في مواقع مؤثرة كالرئيس السوداني عمر البشير والشيخ ماجد العباس مؤذن المسجد الحرام بمكة وغيرهما.

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
حمل تطبيق الأقباط متحدون علي أندرويد