الدين يصنع قبيلة ولا يصنع دولة (3)
مقالات مختارة | عادل نعمان
الخميس ٢٧ سبتمبر ٢٠١٨
والدولة بمعناها العصرى شعب وأرض وقانون ينظم العلاقة ويحددها، قانون متجدد يلتزم به كافة المواطنين، وليس تشريعا دينيا يصيب أصحابه ومنتسبيه فقط، فليس على غير المسلم من مواطنى الدولة الالتزام بأحكامه وحدوده ونواهيه تحت دعاوى أنها بلد إسلامى، إلا لو لجأت للغلبة، ولا تتصف الدولة بديانة محددة، فهى لا تكافئ بدخول الجنة إن أحسنت وتعاقب بالنار إن أساءت.
ولم تكن هذه النصوص والأحكام عامة وشاملة، على كل المسلمين فى بقاع الأرض، بل كانت محلية النشأة مرتبطة بأعراف وتقاليد وعادات وأنظمة كانت ضاربة فى أعماق مجتمع هذه الفترة قبل الإسلام، فكانت لها هذه الأحكام وهذه النصوص، ولم يكن من اللازم أن تكون هذه العادات وهذه التقاليد وهذه الأنظمة لها وجود فى المناطق الأخرى المجاورة، أو البلاد المفتوحة، ولا كان من اللازم أن تتجاوز هذه العادات وهذه التقاليد من الزمن ما يتجاوز عمر النبى، لارتباطه بالسماء تشرع له وتجيب عنه ما سأله الناس حتى تتلاشى، وتختفى بحكم الزمن مثل (المؤلفة قلوبهم، الرق، ملك اليمين، الجهاد) وكلها وغيرها تلاشت وتتلاشى على فترات متقاربة ومتباعدة وهلم جرا.
فهذه الأحكام زمانية مكانية، والعبادات لا زمن يوقفها، ولا مكان يعطلها، فالرسول قد أقام دينا (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى) لم يقل أكملت لكم دولتكم. فكيف لم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا وأحصاها حتى دخول الخلاء، والدخول إلى الجماع «وقدموا لأنفسكم» وقصص الأولين والآخرين، ولم يذكر لنا فى كتابه أو سنته عن تنظيم الحكم أو اختيار الحاكم، فكل خليفة كان له بيعة مختلفة عن الآخر، فهذا أبوبكر فى سقيفة بن ساعدة قد حسمها لنفسه هو وعمر وأبوعبيدة، وأوصى بها من بعده لعمر، وتركها عمر بين ستة من الصحابة حتى وصلت لعثمان، وانتقلت لحجر على بغلبة الثوار، واستأثر بها معاوية لنفسه وورثته بالقوة والسم والسيف والمال. ولو كان الأمر مهمة من مهمات الدين أو هدفا له، لذكرها القرآن وأفاض فيها، لأهميتها التى تتفوق على بعض مما جاء فيه، وإلا نعتبر الخلفاء جميعا قد تجاهلوا الحكم فيها.
وبوفاة النبى انقطع شكل الدولة التى أسسها على ما كانت عليه، وانقطع الوحى واتصال الأرض بالسماء، فى المشورة والإجابة، وأصبح من حق الناس إقامة دولتهم على أسس يرونها صالحة لهم، إلا أن الحكام قد أسبغوا على حكمهم الصفة الدينية والقداسة، للحصول على مزايا ومنافع، ولم يكن أمامهم من سبيل إلا تثبيت عقيدة «الإسلام دين عام» «ودين ودولة» حتى يكون الحل الأمثل هو إقامة الخلافة الإسلامية بما فيها من المزايا والقداسة، وإن أولى الناس بالخلافة قرشى بجواره شيوخ ينيرون له الطريق ويفتحون له الأبواب، وإعطاء الخلافة غطاء شرعيا، وترجمة ما يعانيه الناس من محن وكروب إلى البعد عن هذه الفريضة الغائبة، ويتمسكون بالخلافة الراشدة كمثال حى على نجاح منهج الخلافة، ونسى هؤلاء أن عز وخير ونعيم هذه الفترة جاء من عرق الغير، وأن باب بيت مال المسلمين الذى استعصى قفله وإغلاقه على حراسه من تكدس المال، كان من حرمان أصحاب البلاد المنكوبة والموطوءة لقمة العيش لصالحهم، فهل يستطيع حاكم قد صبغ حكمه بصبغة الدين أن يحدد لنا أن أحكامه هى أحكام دينية وتسير وفق منهج الحاكمية، وهى من وضعه واجتهاد المجتهدين؟ وموافقة ومباركة من دولة إسلامية، ومرفوضة ومستهجنة من دولة إسلامية أخرى؟ لا مواطنة فى الدولة الدينية.
نقلا عن المصري اليوم