الأقباط متحدون - ملائكة أرضيون.. عين الكنيسة وحارسها الأمين
  • ٠٨:١٣
  • الأحد , ٢٣ سبتمبر ٢٠١٨
English version

ملائكة أرضيون.. عين الكنيسة وحارسها الأمين

مقالات مختارة | الأنبا موسى

٤٣: ٠٣ م +02:00 EET

الأحد ٢٣ سبتمبر ٢٠١٨

الأنبا موسى
الأنبا موسى

استكمالا للجزء الأول من مقال «الرهبنة جوهرة الكنيسة» المنشور فى ٦ سبتمبر الجارى يأتى هنا سؤال:

ما هى أنواع الرهبنة؟ هل للرهبنة أنواع؟.. نعم.. وهذا حديثنا الآن..

5- أنواع الرهبنة
للرهبنة أنواع كثيرة، أهمها هذه:

1- نظـــــــــام العزلـــــــة والتوحــــــد: ونقصد به المبادرات الفردية فى القرن الثانى، ثم القديس الأنبا بولا أول السواح (الذى كان سائحاً فى الصحراء عشرات السنين)، وعاش من 228م-341م. والذى لم نتعرف عليه إلا من خلال زيارة القديس أنطونيوس له، حيث سأله الأنبا بولا فى هذا اللقاء عن أمرين:

أ- هرطقة آريوس.. وهل انتهت؟ فأجابه بالإيجاب.

ب- فيضان النيل.. وهل هو مستمر؟ فطمأنه أنطونيوس أن النيل يفيض بالخير كل عام.

وفى هذا نرى أن انعزال الراهب فى جوف الصحراء، لا يلغى لديه انتماءين:

أ- الانتماء الكنسى: حين سئل عن أحوال الكنيسة.

ب- والانتماء الاجتماعى: حين سئل عن فيضان النيل، والحياة اليومية للناس.

2- نظام الجماعات الرهبانية: وقد شهدتها مصر منذ أن أسسها القديس أنطونيوس عام 305م، إذ ترك عزلته ليقود جماعة ضخمة من الرهبان. وكذلك جماعات أخرى مثل تلك التى للقديس آمون الكبير (275-337م)، فى نتريا بالصحراء الغربية. وتجمعات شيهيت فى وادى النطرون، التى أسسها القديس مكاريوس الكبير (300 - 390م). وفى مناطق أخرى مثل بسبير والبهنسا وملوى وأسيوط وقنا.

3- نظام الشركة الرهبانية: وهى المرحلة التى أصبح فيها الرهبان يعيشون داخل أسوار دير كبير، وفى حياة شركة يومية، فى الصلاة والعمل والإنتاج والحرف والصناعات. وهذا النظام أسسه القديس باخوميوس «أب الشركة» (286 - 346م).

4- ثم جاء القديس الأنبا شنوده رئيس المتوحدين (333-451م) - الذى أحيا اللغة القبطية، واستضاف الآلاف فى الدير وقت المجاعة، فربط بين نظامى: العزلة والشركة، فى ديره «الأبيض» فى سوهاج، ووضع قوانين وأنظمة وأساليب إدارة الدير، حيث يقضى الراهب فترة مناسبة فى الدير، ثم يتوحد فى البرية (الصحراء) الداخلية، فى مغارات يحفرها الرهبان بأنفسهم، بمعاونة بعض العمال. ولا يأتى المتوحد إلى الدير، إلا على فترات، ليأخذ بعض المأكولات المناسبة، كتعليمات مرشده الرهبانى. وهذا هو النظام السائد الآن. ومعروف أن قداسة المتنيح البابا كيرلس السادس، وقداسة البابا شنوده الثالث، عاش كل منهما فى مغارة لسنوات كثيرة، يقرأ ويصلى ويسبح الله، الليل والنهار.

6- كيف انتشرت الرهبنة القبطية فى العالم؟

1- حدث ذلك - كما ذكرنا آنفاً - حينما نشر البابا أثناسيوس سيرة القديس أنطونيوس فى أوروبا، أثناء نفيه هناك، حيث كان قد تتلمذ على يدى أنطونيوس لثلاث سنوات.

2- الكتب التى كتبها النساك والرحالة الأجانب الذين زاروا مصر، وشاهدوا أنظمة الرهبان، ودرسوا تعاليمهم وأقوالهم، وتقابلوا مع آباء البرية الكبار، وسجلوا كل ذلك فى شهاداتهم مثل: باليديوس وكاسيان وروفينوس وجيروم.

3- الرهبان المصريون الذين انتشروا فى بلاد أخرى كإنجلترا وأيرلندا وإثيوبيا وإريتريا، أو الرهبان الأجانب الذين عاشوا الرهبنة فى مصر، ثم عادوا إلى بلادهم، مثل: هيلاريون مؤسس الرهبنة فى فلسطين والأردن وسوريا، وباسيليوس الذى أسسها فى آسيا الصغرى، ومارأوجيه فى العراق، وأبيفانيوس فى قبرص.

7- ما هو دور الرهبنة الآن؟

كان دور الرهبان- ولا يزال- أساسياً فى حياة الكنيسة، ولذلك حرص قداسة البابا شنودة الثالث على تأسيس أديرة قبطية فى المهجر، فى أوروبا وأمريكا وأستراليا...

ومن أمثلة هذا الدور:

1- تقديم نماذج حية مقدسة، سواء من الرهبان القدامى أو المعاصرين.

2- تركيزهم فى الدراسة أنتج لنا الكثير من الدراسات اللاهوتية والطقوس والعقيدة والتاريخ الكنسى، بالإضافة إلى رصيد ضخم من أقوال هامة فى الطريق الروحى: الصلاة - التوبة - التواضع - التمييز - الجهاد - المحبة - العفة.

3- قام الرهبان بحفظ الإيمان والتقاليد والطقوس، فى مواجهة الهرطقات التى واجهتها الكنيسة، أو أيام الاضطهاد التى تشتت فيها المسيحيون، حتى بطاركتهم.. مثل الأنبا بنيامين الذى أعاده عمرو بن العاص إلى كرسيه.

4- تقدم الرهبنة للكنيسة الآباء البطاركة والأساقفة، الذين يقومون بر عاية الشعب، كل حسب اختصاصه أو منطقته الجغرافية.

5- يرأس البابا البطريرك مجمع الآباء المطارنة والأساقفة «المجمع المقدس» للكنيسة القبطية، وهو أعلى سلطة فى الكنيسة، فى مجالات الإيمان والتعليم والتشريع والرعاية والعلاقات الكنسية فى مصر والشرق الأوسط وكل العالم.

8- النهضة الرهبانية المعاصرة

كان قداسة البابا شنودة الثالث، يحب الرهبنة من كل قلبه، ولم يكن فى نيته حين ترهب أن يعود إلى الحياة المدنية إطلاقاً. وقد عاش فى دير السريان لفترة طويلة، قضى منها سنوات فى مغارة متوحداً.

وحينما أراد البابا كيرلس السادس سيامة الراهب القس أنطونيوس السريانى أسقفاً للتعليم (الذى أصبح البابا شنودة الثالث)، أرسل يستدعيه بواسطة رئيس الدير المتنيح الأنبا ثاؤفيلس. وفى أثناء الحديث، فاجأه البابا كيرلس بأن وضع يده على رأسه، وتلا صلوات تجعله أسقفاً.

ولم يستطع الأنبا شنودة أسقف التعليم الفكاك من هذا «الفخ المقدس».. وبدأ عمله أسقفاً للكلية الإكليريكية ولمدارس التربية الكنسية ومعهد الدراسات القبطية.. وجال فى ربوع مصر يعلم ويخدم.. إلى أن اختارته العناية الإلهية بابا الإسكندرية وبطريركاً للكرازة المرقسية.

ومنذ أن تولى قداسته هذا المنصب الجليل، كان يحرص أن يقضى فى الدير جزءًا مناسباً من الأسبوع، كما حرص على إحداث نهضة رهبانية ضخمة، تمثلت فى:

1- إعلاء قيمة الرهبنة فى حياة الشباب والشعب.

2- تأسيس بيوت للخلوة الروحية للشباب، داخل الأديرة، ليقتربوا من هذا الطريق، فيكتشف البعض منهم أنه مناسب له، مما أدى إلى طفرة فى أعداد الرهبان، حتى وصلوا إلى حوالى 1500 راهب وأكثر من 500 راهبة.

3- تعمير الأديرة وتوسيعها لتستوعب الأعداد المتزايدة من الرهبان، وقد أعطت الدولة مساحات كبيرة من الأرض للرهبان، حين رأت نجاحهم فى استصلاحها واستزراعها بطريقة متميزة.

4- إحياء الرهبنة فى الأديرة القديمة المندثرة مثل: دير القديس باخوميوس - دير الأنبا شنودة - دير الشايب - دير الرزيقات - دير الشهداء - أديرة أخميم - دير الأنبا توماس - دير الملاك بالفيوم - دير مار مينا بأبنوب - دير القديسة دميانة.

5- إنشاء أديرة جديدة مثل دير الخطاطبة.

6- تأسيس أديرة قبطية فى المهجر مثل أديرتنا فى: السودان، والقدس، وفرنسا، وألمانيا، وميلانو، وسيدنى، وملبورن، وكاليفورنيا.. وذلك لحفظ الروابط مع الكنيسة الأم، والوطن الأم، والتراث الرهبانى القبطى الأصيل.

■ ■ ■

الرهبنة- ببساطة- هى عين الكنيسة وعقلها وقلبها، والحارس الأمين على اللاهوتيات والنسكيات والعقيدة وأصول طريق الملكوت.. لهذا قيل عن الرهبان إنهم «بشر سمائيون أو ملائكة أرضيون».. هذا بالجهاد الروحى الأمين، وبنعمة من رب المجد.. ولربنا كل المجد إلى الأبد آمين.
نقلا عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع