الأقباط متحدون - إرادة التغيير .. رؤية روحية
  • ٠٧:٠٨
  • السبت , ٢٢ سبتمبر ٢٠١٨
English version

إرادة التغيير .. رؤية روحية

مدحت بشاي

بشائيات

١٣: ٠١ م +02:00 EET

السبت ٢٢ سبتمبر ٢٠١٨

الانبا موسى
الانبا موسى
كتب : مدحت بشاى
    التغيير والإصلاح والتجديد والتحديث والتطوير والنهضة والصحوة والثورة وإعادة الهندسة وإعادة البناء وإعادة الصياغة ، وغيرها الكثير من المصطلحات الفكرية والعلمية وأحياناً " الحنجورية " التي تطالعنا عبر كل وسائل الإعلام تستصرخ أولي الأمر منا أن افعلوا أي شيء وكل شيء من أجل تغيير ملامح الواقع الرتيب والمخيف أيضاً.. واقع الحياة الذي ينبغي أن يتغير وصولاً لتحقيق ما اتفق على تسميته " جودة الحياة " في حدها المقبول والممكن ..
 
والبشر كأحياء خلقها المولى تتحرك وتنمو وتسعى وتعمل وتكد وتتقلد المواقع والمناصب وتتبادلها وتسلمها عبر الأجيال، وتلك كلها أفعال وأنشطة متغيرة تتبدل حالها من آن إلى آخر، ومن واقع إنساني وحضاري إلى واقع مغاير، ومن بيئة نوعية إلى أخرى لا تشبهها.. وهكذا، فالتغيير سمة حياتية فطرية لا تغادرنا مادمنا أحياء ، إلا أن تعاطينا وتعاملنا مع قضايا المجتمع الآنية لا يجب أن تكون بنفس السبل وآليات إيقاع تنفيذها كما كان في زمن الأجداد أو حتى الآباء.. وهنا تكمن أولى إشكاليات التغيير فنحن في أحيان كثيرة وعند تعاملنا مع القضايا الجوهرية التي تحتاج إلى إحداث تغيير نتبع نفس الخطوات التقليدية النمطية غير مدركين لقوانين ومعطيات العصر ومنجزاته التي قد تتيح لنا حلولاً عبقرية تعبر بنا رتابة وبلادة أزمنة الأمية والتخلف.
ووفق رؤية مسيحية ، تعالى عزيزي متابع موقعنا الرائع  " الأقباط متحدون " الالتفات إلى أن السيد المسيح قد أحدث وقاد ثورة للتغيير والاصلاح‏,‏ ثورة في التفكير والتدبير‏,‏ وفي إرساء المفاهيم السليمة للقيم والمبادئ.
 
في هذا الصدد ذكر قداسة البابا شنودة الثالث في إحدى عظاته أن السيد المسيح كان وديعا‏,‏ وكان أيضا شجاعا‏:‏ يستخدم الوداعة حين تحسن الوداعة‏,‏ ويستخدم الشجاعة حين تلزم الشجاعة‏، وقيل عنه إنه لا يخاصم ولا يصيح‏,‏ ولا يسمع أحد في الشوارع صوته‏.‏ قصبة مرضوضة لا يقصف‏,‏ وفتيلة مدخنة لايطفئ‏.. (مت ‏12:20,19).‏ ولكنه كان جريئا في الحق‏,‏ لا يجامل فيه أحدا‏.‏ يقف إلي جوار الحق والقدسية بكل قوة في هيبة واقتدار‏.‏ لما وجد اليهود لا يتصرفون بما يليق بكرامة الهيكل‏,‏ قام بتطهير الهيكل بكل حزم‏.‏ أخرج كل الذين كانوا يبيعون فيه ويشترون‏.‏ وقلب موائد الصيارفة وكراسي باعة الحمام‏.‏ وقال لهم مكتوب بيتي بيت الصلاة يدعي وأنتم جعلتموه مغارة لصوص‏(‏ مت‏21:13,12).
 
‏ ولما وجد قادة الدين في أيامه من الكتية والفريسيين يحملون الناس في تعليمهم أحمالا عسرة الحمل‏,‏ انتهرهم وقال لهم‏:‏ الويل لكم أيها الكتية والفريسيون المراءون‏.‏ لأنكم تغلقون ملكوت السماوات قدام الناس‏,‏ فلا دخلتم أنتم ولا جعلتم الداخلين يدخلون‏(‏ مت‏23:13).‏ كان ضد القادة المدينيين‏,‏ ومع الشعب وفي محبته للشعب تحنن عليهم‏,‏ إذ كانوا منزعجين ومنطرحين كغنم لاراعي لها ‏(‏مت‏9:36).‏ وفي شجاعة وبخ قادتهم قائلا لهم تطوفون البر والبحر لتكسبوا دخيلا واحدا‏.‏ ومتي حصل تجعلونه ابنا لجهنم أكثر منكم مضاعفا‏.‏ الويل لكم أيها القادة العميان ‏(‏مت‏23:16,15)‏ كان يختلف معهم في كثير من المفاهيم‏.‏ ومنها تعريف معني القريب قال في عظته علي الجبل سمعتم أنه قيل‏:‏ تحب قريبك وتبغض عدوك ‏(‏ مت‏5:43)‏ وكانوا يرون أن القريب الذي تجب محبته‏,‏ هو اليهودي الذي من جنسهم‏.‏ أما الباقون فهم غرباء أو أعداء‏.‏ فشرح لهم معني القريب في مثل «السامري الصالح» الذي اعتني بجريح ليس من جنسه‏,‏ كان اللصوص قد ألقوه علي الطريق بين حي وميت‏.‏ فعمل معه عمل خير وأنقذه وعالجه‏ (‏ لو‏10:34,33).‏
 
وأراهم أن القريب هو كل أخ لنا في الانسانية مهما يكن جنسه أو دينه وبين لهم أن أولئك السامريين الذين كان اليهود يحتقرونهم ولا يتعاملون معهم‏,‏ كانوا أرق منهم قلبا وأقرب منهم الي الخير‏.‏ وأكد لهم تلك الحقيقة في قبوله لأهل السامرة وايمانهم به‏ (‏يو‏4:42,41).
 
‏ وقال عبارته الخالدة أحبوا أعداءكم‏,‏ باركوا لاعنيكم‏,‏ أحسنوا الي مبغضيكم‏,‏ وصلوا لأجل الذين يسيئون اليكم ويطردونكم‏(مت‏5:44)‏ إن عدونا الحقيقي الوحيد هو الشيطان وأعوانه‏.‏
وأعتقد عزيزي القارئ أن المواطن المسيحي الفاهم لدينه الآن يستند إلى هذا المفهوم في مشاركته في الحرب على دعاة الإرهاب حتى الاستشهاد أنه يواجه الشيطان المروع لحياة الناس وأمنهم، وليس معاداة بشر مطلوب محبتهم.
 
.. في هذا الإطار أرى أهمية ما قاله نيافة الأنبا موسى أسقف الشباب في ضرورة التغيير من وجهة نظر المسيحية.. قال           " أن يكون التغيير شاملاً للكيان الإنسانى كله وقادراً على الاستمرار حتى إلى الخلود ، فما قيمة تغيير يصيب الجسد والمادة والزمن فقط ، ولا يقود إلى تغيير الفكر والنفس والروح ... ويقود إلى حياة أبدية؟ !.. من هنا جاء السيد المسيح بشعار أفضل وأكمل وأشمل.. لخصه لنا بولس الرسول بقوله «تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم.
ويبقى السؤال: متى تتوفر لنا إرادة التغيير لدى المواطن والحاكم وعناصر حكوماته ؟!