فى الوقت الذى تبيع فيه وزارة التموين أرز الدرجة الثالثة بنسبة كسر ١٢% على بطاقات التموين بسعر ثمانية جنيهات ونصف الجنيه، وتبيع أرز الدرجة الأولى فى مجمعاتها بسعر يتراوح بين ١٢ و١٥ جنيهاً، تصدر هذا الأسبوع قراراً بالمشاركة مع وزارة الزراعة بسعر استرشادى لشراء الأرز من المزارعين، يتراوح بين ٤٥٠٠ و٤٦٠٠، أى أربعة جنيهات ونصف الجنيه فقط للكيلوجرام، فى الوقت الذى يعرض فيه التجار على المزارعين الشراء بأسعار تتجاوز ٥٥٠٠ جنيه للطن من الأرز المصرى الفاخر، الذى يتناسب مع نمط استهلاك المواطن المصرى!. هذا السعر يعنى، وبوضوح، أن وزارة التموين لن تتسلم تحت هذه الأسعار أى قدر من محصول هذا العام لتضع نفسها من جديد تحت طائلة ورحمة التجار، حيث يورّدون إليها الأرز التموينى وقتما يشاءون ويمنعونه عنها وقتما يشاءون، ويتحكمون فى أسعاره فى الأسواق، بعد أن غلّت الحكومة أيديها بنفسها وتركت التجار يستحوذون على كامل محصول الأرز، بما سيجبرها على تدبير عملات أجنبية لاستيراد الأرز الأقل جودة من الخارج، والذى سبق لمستحقى الأرز التموينى رفض تسلمه فى السابق، بما اضطر الوزارة إلى بيعه بالخسارة للتجار قبل أن يفسد فى مخازنها. هناك أيضاً خسائر أخرى تتمثل فى عدم عمل مضارب الأرز الحكومية الخمسة التابعة للشركة القابضة للصناعات الغذائية، وتحقيقها خسارة أكيدة، وتراجع أرباح العاملين فيها وحوافزهم، وبالتالى زيادة الأعباء على الدولة وتحملها المزيد من الخسائر بسبب سوء تقدير الموقف وعدم إجراء دراسات عن تبعية أى قرار قبل إصداره.
فقبل نحو ثلاثة أعوام من الآن، وقت تولى اللواء محمد المصيلحى
وزارة التموين، نصحناه بأن يشترى الأرز التموينى من المزارعين بنفس أسعار السوق التى يعرضها التجار تماشياً مع سياسات الأسواق، وكانت وقتها لا تزيد على ٣٥٠٠ جنيه للطن، إلا أنه رفض وأصر على عرض سعر ٢٥٠٠ جنيه فقط، وكأنه يفترض أن الفلاحين سيخسرون فى زراعاتهم ويورّدون الأرز للوزارة بدافع الوطنية على حساب رزق أبنائهم وتعب خمسة أشهر فى زراعة الأرز ومخالفاته ومطاردة الدولة، والنتيجة عدم تسلم الوزارة حبة أرز واحدة من المزارعين وتحكم التجار فى المحصول كاملاً، بما اضطر
وزارة التموين إلى شراء أرز الدرجة الثالثة من التجار بسعر ستة جنيهات ونصف الجنيه بدلاً من سعر ثلاثة جنيهات ونصف الجنيه، الذى رفضت شراءه به من المزارعين، وليوفر لها أرزاً من الدرجة الأولى تبيعه فى مجمعاتها بسعر ١٢ جنيهاً، والثانية بسعر ١٠ جنيهات، وأرز الدرجة الثالثة بسعر ٨.٥، ولتتحمل الدولة تبعات عدم التماشى مع أسعار السوق وسياسات العرض والطلب.
الأمر نفسه يتكرر الآن، والفلاحون غاضبون أشد الغضب من السعر الاسترشادى ل
وزارة التموين، والذى أشعرهم وكأن الدولة تكتفهم للتجار لكى تضع سقفاً منخفضاً لشراء الأرز من الفلاحين وتمنعهم من الحصول على ما يستحقونه من سعر عادل، وهم يعلمون تماماً أن تراجع المساحة المزروعة بالأرز المحلى، مع قلة جودة الأرز المستورد، سيؤدى إلى مزيد من ارتفاع أسعار الأرز هذا العام، وكأن الربح فقط يكون للتجار، والخسارة- أو العيش على الكفاف- تكون للمزارعين الأولى بدعم من
وزارة التموين.
وفى النهاية، أرجو من
وزارة التموين التفاعل مع أسعار السوق حالياً من أجل صالح المزارعين وصالح الدولة أيضاً وتكوين مخزون استراتيجى للدولة يمنع أو يحد من رفع التجار للأسعار كما يشاءون استغلالاً لنقص المحصول هذا العام، فى ظل الأعباء الحالية والضغوط الكثيرة التى يتحملها أهالينا المزارعون، بالإضافة إلى تنشيط وعمل المضارب الحكومية وأرباح عمالها الغلابة، وأيضاً تحجيم الأسعار المتوقعة فى العام الجديد للمحصول. أرجو ألا تبالى الوزارة بالأسعار الحالية للأرز، والتى تتراوح فى الأسواق بين ٩ جنيهات لأرز الدرجة الثالثة، وصولاً إلى ١٢- ١٥ جنيهاً لأرز الدرجة الأولى، فهى سياسة معتادة ومتكررة من جانب تجار الأرز تتكرر كل عام اعتماداً على عدم فهم الكثيرين لها، وهى تعمد التجار تحجيم وتخفيض أسعار الأرز فى الشهرين السابقين لطرح المحصول الجديد للأرز حتى يتمكنوا من شراء المحصول بالسعر المنخفض، ثم بمجرد تسلم المحصول، يقومون بمضاعفة الأسعار للمحصول الجديد، وتطبيق ذلك على المتبقى من المحصول القديم لديهم كما حدث فى العام الماضى، مع خلطه بالأرز المستورد والاكتفاء بتدوين عبارات أرز طويل الحبة أو قصير الحبة على العبوات وحذف عبارة «أرز مصرى طويل أو قصير الحبة» هروباً من المساءلة عن خلط الأرز المحلى بالمستورد، وهو ما نلاحظه ونشك فيه فى الأرز المطروح حالياً بالأسواق.
السعر العادل يا
وزارة التموين لتسلم الأرز من المزارعين هذا العام يتراوح بين ٥٥٠٠ و٦٠٠٠ جنيه للطن، وستربحون من ورائه الكثير، ويكفى حصولكم على رضاء الناس عن الأداء الحكومى وحماية زينة المائدة المصرية للفقراء وجميع المستويات.
* مستشار وزير التموين الأسبق