الأقباط متحدون - قبيلة الدولة الدينية والمواطنة (2)
  • ٠٥:٥٣
  • الخميس , ٢٠ سبتمبر ٢٠١٨
English version

قبيلة الدولة الدينية والمواطنة (2)

مقالات مختارة | عادل نعمان

١٤: ٠٢ م +02:00 EET

الخميس ٢٠ سبتمبر ٢٠١٨

عادل نعمان
عادل نعمان

قلنا فى المقال السابق إن الدولة الدينية تحمل فى طياتها عوامل الانهيار، وأولها تأسيسها على القومية الطبقية والقبلية، ووضع مواطنيها على درجات متفاوتة، ومتباينة ومتمايزة، فهذا مسلم متميز يعلو ولا يعلى عليه، وذاك ذمى فى عهدته وحمايته متى رأى المشايخ وأرادوا، وهذا من الموالى وذاك وثنى مشرك يستحق عند الغالبية القتل، وتستتبع هذه الدرجات معاملات متفاوتة من جل التقديس والاحترام إلى الإهانة والاحتقار، مرورا بنظرية الولاء والبراء التى تتغافل عن الكفاءة والقدرة، حتى نار جهنم وبئس المصير.

ولما انتقل الحكم من الحزب الهاشمى فى المدينة إلى الحزب الأموى فى دمشق، كانت القومية والعرقية التى أسسها معاوية قد وضعتها فى الصفوف الأولى من التعالى والنرجسية والتجبر والغطرسة، وخاصة بعد انتشار الغزوات والفتوحات التى جلبت الكثير من الأموال والسبايا والموالى، والتى وضعت هؤلاء الرعايا فى مراكز طبقية وعرقية متفاوتة، وأطلت نار الضغينة بين أجنحة الحكم كما كانت من قبل، بين أبناء العمومة هاشم وابن أخيه أمية بن شمس، وأصبح الصراع بين السنة والشيعة أساسه هذه الضغينة وهذا الخلاف، ليس غير، وتزايد الصراع بين العرب والعجم والموالى والفرس، فرق تتقارب وتتباعد وتتصادم حسب رغبة الحكام والأمراء.

وأحاط معاوية نفسه برواة الحديث منهم أبوهريرة والمغيرة بن شعبة، وضم مجلسه لفيف من القصاص والرواة والمحدثين، ينسخون أحاديث ويروون الحكايات التى تمجد قريشا، وتخص منها بنى أمية، حتى يكون مجدهم أعظم مجد، وتاريخهم أعظم تاريخ، فهل كان الحديث، الوحى فى حمى ثلاثة منهم معاوية، والحديث هذا الأمر«الخلافة» فى قريش حتى لو كان منهم اثنان، أحد هذه الحكايات والروايات، ووضعتها حتى الآن فى دائرة التصديق ودرجة من درجات التنزيل وجب العمل به؟ ربما، وقد كانت تمردا وانقلابا على القبيلة القرشية الأم التى تأسست فى سقيفة بن ساعده، والتى تلقفها معاوية من الخليفة عثمان لقبيلة بنى أمية وكانت أحد فروعها بعد مقتله، والغريب فى الأمر أن معاوية الذى رفع قميص عثمان مناديا بالقصاص، لم يرفعه بعد موته.

وكان الاضطهاد والتمييز الطبقى عاملا رئيسيا فى انهيار الخلافة الأموية بعد أن استغل العباسيون الموالى والفرس فى ثورتهم ضد الأمويين. ولم تتخلص الخلافة العباسية من فكرة القبيلة هذه، بل مارستها ضد العرب، وتأسست على كرههم خلاصا لحق الفرس والموالى، فكان العرب مضطهدين، وبدأ مسلسل التخلص منهم وإذلالهم، وقيل فى هذا الشأن أن أبومسلم الخرسانى قد قتل من العرب ما يزيد على خمسمائة ألف رجل وشاب فى خراسان.

وأحاط الخلفاء العباسيون أنفسهم بالفقهاء والوعاظ والمحدثين والشعراء حتى يبرروا للعباسيين أفعالهم، ويرفعون مقامهم وقدرهم على مقام الأمويين والعرب أجمعين، وينظمون الشعر للتغنى ببطولاتهم ومآثرهم ومكارمهم، ومدحهم وهجاء غيرهم، ولم يكن للدين نصيب من هذا الاهتمام والرعاية والثروة، حتى ضعفت الخلافة العباسية، واستعانوا بجنود من الترك لحمايتها، فزاد نفوذهم وسطوتهم، حتى ظهرت الخلافة العثمانية التى لم تكن أقل شراسة وقومية من الخلافة الأموية والعباسية، وكلها قامت على الاستقواء على الغير، واضطهادهم ومطاردتهم، فانقلبوا عليهم فى ضعفهم وهكذا كان مصير القبيلة والقبلية. الدين يصنع قبيلة ولا يصنع دولة.
نقلا عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع