الأقباط متحدون - «مصر ليست ضيعة تتخاصمون وتتصالحون على حسابها... عودوا إلى ثكناتكم»
  • ١٣:٢٦
  • الخميس , ٢٠ سبتمبر ٢٠١٨
English version

«مصر ليست ضيعة تتخاصمون وتتصالحون على حسابها... عودوا إلى ثكناتكم»

مقالات مختارة | ماجد فرج

١١: ١٠ ص +02:00 EET

الخميس ٢٠ سبتمبر ٢٠١٨

ماجد فرج
ماجد فرج

برقية من أحمد حسين زعيم الحزب الإشتراكى فى مارس 1954، تم اعتقاله على إثرها

ينقضى الزمان وتمر السنون ولا تزال علامات الإستفهام تحلِّق حَول الموضوع... ماذا حدث حقيقةً يوم الثالث والعشرين من يوليو عام 1952؟ هل كانت ثورة أم إنقلاب عسكرى؟ هل كان من المحتَّم قيامها أم كان من الممكن حل المشاكل الإجتماعية والسياسية التى سادت فى هذا الوقت بوسيلة أخرى؟ هل كان على العسكريين العودة إلى ثكناتهم وتسليم الدولة للحُكم المدَنى الديمقراطى فور استِقرار الموقِف أم كان من الأفضل للوطن الإستمرار فى الحُكم العسكَرى الفَردى؟ هل كان النِظام الملَكى الدُستورى أفضل لمصر أم الُجمهورى؟ هل حَقّق العَسكريّون ما وعدوا به من إصلاح ورخاء لمصر أم تسببوا فى دمارها وإنهيارها؟ هل كانت إنجازات يوليو من تأميم قناة السويس وبناء السد العالى والقطاع العام ومجّانية التعليم المطلقة والوحدة والإصلاح الزراعى ونسبة العُمّال والفلاحين فى الپرلمان المصرى ... كلّها خير للأمّة أم كانت الآثار الجانبية والسلبية أقوى وأعتى؟ هل كان الضبّاط الأحرار مؤهلين للحكم وهل كانوا مُخلصين للوطن حقّاً أم كانوا ساعين للسُلطة والثروة؟

وماذا كان دور اللواء محمد نجيب على وَجه التَحديد؟ هل كان قائِداً لمجموعة "الضُبّاط الأحرار" بالفعل أم كان واجِهَة تستّروا وراءها استِغلالاً لشَعبِيَّته العالية ضِمن صفوف القوّات المُسلّحة؟ لماذا انقَلب نجيب على الَملِك وهو الذى أقسم له يمين الولاء والطاعة؟ ألم يكُن هو القائل عقِب حادِث 4 فبراير1942: "حيث أنى لم أستطع أن أحمى مليكى وقت الخطَر فأنى أخجل من ارتداء بذلتى العَسكرية والسير بها بين المواطِنين، ولذا أقدِّم إستقالتى"؟ هل آمن حقّاً بقضية "الأحرار" فخَرج معهم ليقود عَملاً رأى فيه مصلحة الوطن مُعرِّضاً نفسه للمحاكمة بتُهمة الخيانة العُظمى والإعدام رَمياً بالرصاص إذا ما فشَلت ال"حركة"؟ وبعد النجاح، هل كان يملك القرار، وهو قائد متمرِّس أدار سلاح الحدود ثم سِلاح المُشاه ثم أصبح الآن القائِد العام للقوّات المسلحة، أم كان هُناك من يحرِّكه من وراء السِتار؟ لماذا لم يعتَرض، وصَدَّق على الحُكم بإعدام عُمّال كفر الدوّار: محمد مصطفى خميس ومحمد حسن البقرى، كما اعترض على إعدام الملِك والبكباشى حسن الدمنهورى ورئيس الوزراء السابق إبراهيم عبد الهادى؟ الأمر الذى أدّى إلى إتهام دول العالم الشيوعية منها والرأسمالية على السواء له بالفاشية والدكتاتورية؟ هل استعمل نجيب د. عبد الرازق السنهورى وسليمان حافظ واستغلهم لتقنين قرارات ال"حركة" وصَبغها بالدُستورية أم استعملاه هُما لفَرض إرادتهما على قرارات مجلِس القيادة بإلغاء دستور ?? وفرض قانون الأحزاب لتسويّة حساباتهما الشَخصِية مع مصطفى النحّاس والوفد؟ كيف سمَح لنفسِه أن يعتقل عدداً من ضبّاط سلاح المدفعية وسلاح الفرسان وقد كانوا شركاءه فى حركة يوليو؟ كيف وافق على اعتقال كبار الزعماء السياسيين والرموز الوطنية وعلى رأسهم مصطفى باشا النحاس، وإسقاط الجنسية المصرية عن العديد من المصريين؟ كيف وافق، وهو الذى نادى باحترام الدستور، على تشكيل "محكمة الغدر" ثم "محكمة الثورة" التى وصفها هو بالخِصم والحَكَم؟ لماذا عصف بجماعة الأخوان المسلمين مع إنها كانت من أكبر مساندى "الحركة" قبل قيامها؟

وبالرغم من ما أعلنه "الرجل الثانى" البكباشى جمال عبد الناصر حسين يوم 17 يونيو 1953 ونُشر ضمن حديثه لجريدة الأهرام فى اليوم التالى بأنه "لا نيّة لإعلان الجمهورية فى الوقت الحالى" إلاّ إنه تم إعلان الجمهورية يومها (18 يونيو 1953) وبذلك حُسم الأمر وبدأ عصراً جديداً. ومع ذلك، استمرت التساؤلات... هل كان هذا القرار صائباً وقت صدوره؟ هل كان إلغاء النظام الملكى هو الحل الأمثل فى هذه المرحلة؟ أم كان من الأفضل تعديل الدستور إلى النص الصريح بأن الملك يَملُك ولا يحكم، فيحِدَّ من سُلطة الملك بل ويجعلها شكلية، ويبقى الملك (بغض النظر عن شخصه) رمزاً للوطن يلتف حوله الشعب، سامياً عن الصراعات السياسية بين الأحزاب والتيّارات الأيديولوچية الساعية للسلطة وللحُكم؟ هل كان النظام صالحاً (فى هذا الوقت لبلاد الشرق التى لا تتوفر فيها لأغلبيّة الشعب العلم والوعى والثقافة العامة والخبرة السياسية الكافية التى تؤهلها للإختيار الصحيح؟ هل كان ال"أحرار" فى سن وذوى عِلم وخبرة تؤهلهم للمناصِب التى تولّوها حُكّاماً ووزراءً وسياسيين وقضاه، بل وقادة عسكريين؟

وإذا كان النظام الملكى (حسب ما قيل يومها) لا يتماشى مع التقدّم والديموقراطية فلماذا استَمَر (وحتى الآن) فى مُعظم دُوَل أوروپا الغَربية المتَقدِّمَة ومَعقَل الديموقراطية؟ هل اعترَض حقيقةً قائد ال"حركة" على إعلان النظام الجمهورى "لإيمانه بأن تحويل نظام البلد الأساسى يجب أن يُنَص عليه فى الدستور... وأن يكون ذلك فى موضِع إستفتاء شعبى عام" كما قال فى مذكراته فيما بعد؟ أم أنه آمن بأن هذا هو الطريق الوحيد لتحقيق العدالة الإجتماعية والمساواه بين أفراد الشعب بغَض النظر عن رأى هذا الشعب فى نظام حكمه؟ وما هو الفرق بين ال"جمهورية" التى أُعلِنت فى 18 يونيو 1953 وال"جمهورية البرلمانية" التى أُعلِنت فى 27 فبراير 1954؟

وماذا جرى وراء كواليس "أزمة مارس"؟ هل كان الخلاف أيديولوچيّاً حقّاً أم كان صراعاً على السلطة حُسم لصالح الأقوى والأدهى؟ هل انتهى دور محمد نجيب فى آخر فبراير 1954 فكان عليه أن يرحل ولكن رد فعل الشعب لاستقالته وتمسّكه به أعاده إلى الحُكم رغماً عن إرادة ال"أحرار"؟ هل وافق ال"أحرار" على عودته نزولاً على رغبة الشعب بنيّة خالصة أم بيَّتوا له حتى يستعِدّوا ويعدّوا الرأى العام لإزاحته نهائياً فى 14 نوفمبر 1954؟ لماذا حاول العديد من ضباط الجيش ال"إنقلاب" على ال"أحرار"؟ ولماذا حوكموا بتُهمة ال"خيانة العظمى" وال"تآمر على قلب نظام الحُكم" و"إثارة الفِتنة" وهُم لم يفعلوا أكثر مما فعله ال"أحرار" فى 23 يوليو 1952؟ هل كانت الوطنية حكراً على ال"أحرار"؟

هل تنبأ "كتاب المُعارضة" إلى الملك فاروق فى 18 أكتوبر 1950 بما حدث فعلاً حين حذّر الملك من: "أن احتمال الشعب مَهما يطل فهو لا بُد منته إلى حدّ، وإننا نخشى أن تقوم فى البِلاد فِتنة لا تصيبَنَّ الذين ظَلَموا وحدهم بل تتعرَّض فيها البلاد إلى إفلاس مالى وسياسى وخُلقى، فتنتشر فيها المذاهِب الهدّامة، بعد أن مهَّدَت لها آفة استغلال الحُكم أسوأ تمهيد... ولا ريب، إنه ما من سبيل إلى اطمئنان أية أمّة لحاضرها ومُستقبلها، إلاّ إذا اطمأنت لاستقامة حُكمها، فيسير الحاكمون جميعاً فى طريق الأمانة على اختلاف صورها، متقين الله فى وطنهم، ومُتّقين الوطن فى سرّهم وعلنهم"؟... (الرافعى)؟

ولماذا أُعيد إحياء استعمال لقب "الرئيس" فى وصف رئيس الوزراء (البكباشى جمال عبد الناصر) فى المرحلة ما بين استقالة الرئيس محمد نجيب فى 25 فبراير 1954 وعزله بالكامل فى 14 نوفمبر من نفس العام... بعد أن كان قد أوقِف إستخدام هذا اللقب بعد إعلان الجمهورية وأصبح لقب "الرئيس" يعود فقط على رئيس الجمهورية؟ هل كان ذلك ضمن الخطّة لإزاحة محمد نجيب وظهور مُرَكّز لجمال عبد الناصر بهذا اللقب والتركيز على كونه ال"قائد" واختِفاء تدريجى لمحمد نجيب من ال"صورة" حتى يعتاد الشعب على الأمر الواقع فيسهل التخلص من محمد نجيب بدون مشاكل هذه المرّة؟ هل كانت محاولة إغتيال جمال عبد الناصر فى المنشية فى 26 أكتوبر 1954 حقيقية أم تمثيلية مُدبَّرة للتخلّص من الإخوان المسلمين ومحمد نجيب بضربة واحدة؟ هل كانت هتافات العمّال من أتباع الضابطين المسئولين عن هيئة التحرير طعيمة والطحاوى أثناء أزمة مارس: "تسقط الحريّة - يسقط البرلمان - لا للأحزاب - تسقط الديمقراطية" هل كانت هذه الهتافات دستوراً لسنوات تلت؟

ومعاهدة الجلاء فى 1954، الم تكن نسخة مشوهة من معاهدة 1936 التى ألغاها مصطفى النحاس فى 1951؟... هل كان شباب ال"أحرار" مؤهلين لمفاوضة فطاحل السياسة والدبلوماسية والعسكرية البريطانية؟ لماذا تم التنازل عن السودان بهذه السهولة هل منحت بنود المعاهدة الخاصة ب"السماح للتهديد العسكرى الخارجى" الشرعية الدولية لدخول بريطانيا المنطقة بحجّة الدفاع عن القناة عام 1956 لتعرضها للغزو الإسرائيلى؟

ولماذا اعتُقل محمد نجيب كل هذه السنوات؟ وإذا كان الخلاف كان بينه وبين جمال عبد الناصر، فلماذا استمر اعتقاله لما يقرُب من ثلاثة عشر عاماً بعد وفاة عبد الناصر وعامان بعد اغتيال أنور السادات؟

يقول محمد نجيب عن هذه الفترة فى مذكراته: ... إن تحركنا ليلة 23 يوليو 1952 والإستيلاء على مبنى القيادة كان فى عُرفنا جميعاً إنقلاباً... وكان لفظ إنقلاب هو اللفظ المستخدم فيما بيننا... ولم يكُن اللفظ ليفزعنا لأنه كان يُعبِّر عن أمر واقع... وكان لفظ "الإنقلاب" هو اللفظ المُستخدم فى المُفاوضات والإتصالات الأولى بينى وبين رجال الحكومة ورئيسها للعودة إلى الثكنات... ثم عِندما أردنا أن نخاطب الشعب وأن نكسبه لصفوفنا، أو على الأقل نجعله لا يقف ضدنا، إستخدمنا لفظ "الحركة" وهو لفظ مُهذّب وناعِم لكلمة "إنقلاب" وهو فى نفس الوقت لفظ مائع ومطّاط ليس له مثيل ولا معنى واضح فى قواميس السياسة... وعِندما أحسسنا أن الجماهير تؤيّدنا وتشجّعنا وتهتِف بحياتنا، أضفنا لكلمة الحركة صفة المباركة، وبدأنا فى البيانات والخُطب والتصريحات الصحفية نقول: "حركة الجيش المباركة"... وبدأت الجماهير تخرج إلى الشوارع لتعبِّر عن فرحتها بالحركة وبدأت برقيات التهنئة تصل إلينا وإلى الصحف والإذاعة فأحس البعض أن عُنصر الجماهير الذى ينقص الإنقلاب ليصبِح "ثورة" قد توافر الآن، فبدأنا أحياناً فى استخدام تعبير"الثورة" إلى جانب تعبيرىّ "الإنقلاب" و"الحركة". على إننى أعتبر ما حدث ليلة 23 يوليو 1952 إنقلاباً... وظل على هذا النحو حتى قامت فى مصر التحولات السياسية والإقتصادية والإجتماعية فتحوَّل الإنقلاب إلى ثورة. كُنت أوّل من أطلق عبارة "الضباط الأحرار" على التنظيم الذى أسسه جمال عبد الناصر، وأنا أعتذر عن هذه التسمية لأنها لم تكن على مسمى، فهؤلاء لم يكونوا أحراراً بل أشراراً، وكان أغلبهم، كما اكتشفت فيما بعد من المنحرفين أخلاقياً واجتماعياً. ولأنهم كانوا فى حاجة إلى قائد كبير، ليس فى الرتبة فقط، ولكن فى الأخلاق أيضاً، حتى يتواروا وراءه ويتحركوا من خلاله، وكنت أنا هذا الرجل للأسف الشديد... ه

هل أجاب محمد نجيب عن بعض ما أثار الجدل؟ أم هى المرارة لما حدث له على أيدى ال"أحرار"؟ هل كان محمد نجيب مسئولاً عن ما جرى من أحداث فى عهده من إعدام واعتقال ومصادرة وحرمان من المواطنة وبيع بالميزاد العلنى لثروة مصر القومية وقرارات غير مدروسة من أشخاص غير مؤهلين لإدارة دولة؟ أم أننا أعفيناه من هذه المسئولية فقط تعاطفاً معه وإشفاقاً عليه لما لاقاه من زملاءه من غدر؟

وتظل الأسئلة تبحث عن إجابات شافية... فهل تظهر حقيقة ما حدث يوم 23 يوليو 1952 كاملة يوماً ما؟؟؟؟

نقلا عن الفيسبوك

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع