فكرة سويسرية للنقاش: بنك الوقت
مقالات مختارة | أسامة الألفى
الاثنين ١٧ سبتمبر ٢٠١٨
حقيقة يجب الاعتراف بها، هى أننا متخلفون بأشواط عن أمم كثيرة فى مجال العمل التطوعي، وبرغم أن الإسلام والمسيحية يحضان على التكافل والتراحم، والتعاون بين الناس على البر والتقوي، إلا أننا نتجاهل هذه الأمور الخيرة، ولم نحذ حذو السلف الصالح من خلفاء المسلمين الأوائل، الذين كانوا يخصصون مرافقًا للضرير وخادمًا للمقعّد وكبير السن، ويبدو أن غياب روح التكافل والوعى الشعبى اليوم بأهمية العمل التطوعي، جعل كبار السن منا لا يحظون بالرعاية التى يحظى بها نظراؤهم فى البلدان المتقدمة.
أسوق هذا كمدخل للحديث عن فكرة إنسانية جديرة بالنقاش نقلتها لى الصديقة السعودية ريما نهاد إدريس، ملخصها أن أحد الطلاب المبتثعين للدراسة فى سويسرا، سكن فى غرفة بمنزل مدرسة متقاعدة تبلغ من العمر 67 سنة، وتعجب حين رآها تذهب للعمل مرتين فى الأسبوع لرعاية مسن عمره 87 سنة، فسألها عن حاجتها للعمل وهى تتقاضى راتب تقاعد مجزيًا، فردت إنها تستثمر لنفسها وقتًا فى بنك توفير الوقت أو بنك الزمن، كى تستطيع الصرف منه حين تحتاج إلى مساعدة فى كبرها أو إذا أصيبت بحادثة. وعلم المبتعث من السيدة أن الحكومة السويسرية أنشأت ذلك البنك كضمان اجتماعى لمواطنيها، يفتح كل راغب فى الاشتراك فيه حسابًا للزمن، شرط أن يكون سليمًا صحيًا وقادرًا على تحمل أعباء العطاء والتواصل مع الآخرين، وراغبًا فى تقديم الخدمات بإخلاص ونفس راضية، ويقدم المتطوع خدماته للمحتاج لها، إما فى المستشفى أو فى البيت، كأن يرافقه للتسوق أو التمشية أو يساعده فى تنظيف منزله، بحيث يحسب له الزمن الذى يقضيه فى الخدمة الاجتماعية، وبخاصة خدمة المسنين والمرضى، الذين لا يوجد لهم من يرعاهم أو يساعدهم من عوائلهم، وعندما يحتاج المشترك مساعدة يرسل له البنك متطوعًا من المشتركين ليخدمه، ويخصم الوقت من حسابه. وتمضى ريما قائلة إن الطالب عايش التجربة وشاهد دقة تطبيقها، إذ سقطت السيدة فى أحد الأيام فى أثناء تنظيف نافذتها وكسر كاحل قدمها، واضطرت للبقاء فى السرير عدة أيام واحتاجت للمساعدة، وحين أراد البقاء لمساعدتها، شكرته موضحة أنها لا تحتاج مساعدته، لأنها قدمت طلبًا للسحب من رصيدها فى البنك، وأنهم سيرسلون لها من يساعدها. وبالفعل جاء المساعد الذى أرسله البنك ليرعاها ويتحدث إليها ويرافقها، ويقضى لها بعض حاجياتها من السوق، كما أرسل لها البنك ممرضة عندما احتاجت لذلك، وبعد أن تعافت السيدة عادت للعمل مرتين فى الأسبوع، لتعويض ما أنفقته من حسابها فى بنك الوقت.
هذه باختصار فكرة بنك الوقت أو بنك الزمن التى نفذتها سويسرا، وهى كما نرى تخفف كثيرًا من آلآم كبار السن والمرضى الذين قد يفتقدون رعاية ذويهم لهم، أو يقيمون فى دور مسنين لا تتوافر لها عمالة كافية لخدمة جميع النزلاء فى وقت واحد، وهى فكرة مجانية يستثمر المشترك بها وقتًا قد يحتاجه يومًا ما، ولا تكلف أو تتطلب مالاً بل انضباطًا وإحساسًا بالمسئولية، وإخلاصًا فى النية والعمل، وإشرافًا من إدارة متنورة حازمة .. فكرة أحلم أن أراها فى مصر، فنحن فى أمس الحاجة إلى إعادة بث روح المواطنة والتكافل فى الإنسان المصري.
نقلا عن الأهرام