بقلم نسيم عبيد عوض
فصل إنجيل صباح الأحد المبارك الأول من شهر توت ‘ والذى سمي شهر توت على إسم الإله تحوت – رب العلم والمعرفة والفنون – ومخترع الكتابة عند الفراعنة أجدادنا‘ وقراءات شهر توت تخصص لمعرفة محبة الله الآب لكل البشر وإعداده لموكب الخلاص‘ وفصل إنجيل اليوم يرينا بدأ تدابير الله لخلاص البشر ‘ ووضعها موضع التنفيذ ‘ بإرسال ملاكه يوحنا المعمدان ‘ الصوت الصارخ فى البرية ‘ لكي يهيئ للرب شعبا مستعدا‘ وكقول الكتاب يو1 " لم يكن هو النور بل ليشهد للنور ‘ كان النور الحقيقى الذى ينير كل إنسان آتيا إلى العالم." وشهد يوحنا للمسيح وقال " وأنا قد رأيت وشهدت أن هذا هو إبن الله ." لذا قال عنه الرب " لأنى أقول لكم: إنه من بين المولدين من النساء ليس نبي أعظم من يوحنا المعمدان."
أما ونحن أولاد الله نعيش حياة الخلاص ‘ منتظرين الميراث الأبدى ‘ ومع بداية جديدة لعام جديد ‘ نتساءل ونتوقف ونقول كيف سنعيش هذا العام؟ ومن قصة استير نتعلم ونرى أنها لكي تدخل أمام الملك ‘ كانت تخضع لتجهيزها لمدة سنة كاملة ‘ قبل دخولها أمام الملك‘ ستة شهور فى زيت المر ‘ وستة شهور فى الطيب والعطر ‘ وعندئذ تستحق أن تدخل لمجلس الملك. وهذا المعنى جميل لأن معلمنا بولس الرسول يقول " خطبتكم لرجل واحد لأقدم عذراء عفيفة للمسيح." فالأمر يحتاج إلى تجهيز ‘ نجهز أنفسنا بزيت المر أي آلام هذا الدهر ‘ كقول القديس بطرس " فإذ قد تألم المسيح لأجلنا بالجسد تسلحوا أنتم أيضا بهذه النية‘ فإن من تألم فى الجسد كف عن الخطية."1بط 4: 1
وستة أشهر فى الطيب والعطور إشارة إلى وجوب أن نكون رائحة المسيح الذكية ‘شهادة له ‘ ولكي يضيئ نوركم قدام الناس فيروا أعمالكم الصالحة فيمجدوا أبوكم الذى فى السموات.
ومن هنا أحب أن نتأمل فى نقطتين فى غاية الأهمية ‘ نبدأ بهما عامنا الجديد ‘ وإعتبارا من اليوم:
الأولى قول معلمنا بولس الرسول:" أيها الإخوة أنا لست أحسب أننى قد أدركت ولكننى أفعل شيئا واحدا ‘ إذ أنا أنسى ماهو وراء وأمتد إلى ماهو قدام.
والثانية قوله أيضا " إفرحوا فى الرب.
أولا: أنسى ماهو وراء وأمتد إلى ماهو قدام
والبداية لهذا هو التوبة‘ وأبدأ بها على الفور بميلاد جديد بأن أنسى ماهو وراء‘ والمعنى المقصود نجعلها نقطة بداية جديدة‘ ففى كل يوم نتمتع بنعمة الرب وبركاته ‘ لأنه هوذا الكل قد صار جديدا بالتوبة ‘ ننسى الماضى وخطايا الماضى ‘ وننشغل بالوقت الحاضر‘ فالغد يهتم بنفسه‘ ومن نعمة ربنا علينا أنه وهبنا إشتياق مستمر فى النمو الروحى والتقدم والجهاد ‘ فننسى ماهو وراء ونمتد إلى ماهو أعظم.
كيف أنسى ماهو وراء:
1- أرفض حتى النظر إلى خطية الماضى زمانا ومكانا ‘ لأن هذا هو عمل الشيطان أن يعيدنا للنظر وتذكر الماضى بإستمرار ‘ ليعطل مسيرتنا تجاه الملكوت‘ فالذى يتذكر خطايا الماضى يمكن أن يتعثر فيها ثانيا.
2- الإنسان البار ينظر إلى ماضيه بكل الأعمال الصالحة ‘ نعمة وبركة الله معه طوال حياته‘ وهذا يرفعه بالشعور أنه يجاهد روحيا والله معه طوال الطريق‘ وليكن قول الله دائما أمام عينيه " إذا كانت خطاياكم كالقرمز تبيض وتصير مثل الثلج ‘ وأما خطاياكم فلا أعود أذكرها "
والكتاب يعطينا أمثلة كثيرة :
تذكروا إمرأة لوط (تك 19 ) فقد قال له الملاك"... أهرب إلى حياتك لا تنظر إلى وراءك ولا تقف فى كل الدائرة ‘ أهرب إلى الجبال لئلا تهلك. ونظرت إمرأته من ورائه فصارت عمود ملح." تك19: 17 و 26
وتذكروا قول الرب ووصيته لنا" ليس أحد يضع يده على المحراث وينظر إلى الوراء يصلح لملكوت الله.لو9: 62 ‘ وكان هذا ردا منه على الذى دعاه ليتبعه فقال له" أئذن لى أن أودع الذين فى بيتى." ‘ فالنظر إلى الوراء فى خطايا الماضى يستخدمها إبليس ليعثر خطواتنا فى النمو الروحى ‘ولكن مع الثبات فى الرب أذكر كيف فعل الرب فينا نعمة وبركة طوال حياتنا‘ وإحذروا من حالة اليأس الى يزرعها الشيطان فينا فلا نعترف بخطايانا ولا نتوب عنها حتى يوصلنا لطريق الهلاك ‘ والحل أمتد إلى قدام ‘ بالحياة فى المسيح والمسيح يحيا في ‘ لأنه كقول الكتاب " وهو يكملكم ويثبتكم ويقويكم ويملككم." 1بط5: 10‘ فالله يكمل النقص فينا ويعوضنا عما خسرناه فى حياتنا ‘ ليقدمنا عذراء عفيفه لله أبيه ‘ فنثبت فيه وهو فينا بالمحبة كقول الكتاب" من يحب الله يثبت فى الله والله فيه." ‘ويقوينا لأن قوته فى الضعف تكمل ‘ ويمكننا أي ينصرنا ويسندنا فى أرض غربتنا هذه ‘ ويكون أن هذا هو إلإمتداد إلى قدام ‘ فيكون رجائنا دائما ألا نلتفت إلى خطايا الماضى ‘ وننظر وننتظر الأمور العتيدة لخلاصنا‘ وكما يقول القديس باسيليوس : " إن النفس لا تربح شيئا بفضيلة الأمس مالم يتبعها سلوك لائق اليوم."
ثانيا : إفرحوا فى الرب:
ليس هناك أمان ولا سلام للنفس البشرية أكثر من الفرح فى الرب ‘ ولماذا:
1- الفرح هو ثمر الروح القدس العامل فينا كقول الكتاب " وأما ثمر الروح محبة فرح سلام طوال أناة لطف صلاح إيمان وداعة تعفف." غل5: 22‘ ويوصينا القديس يعقوب " إحسبوه كل فرح ياإخوتى حينما تقعون فى تجار متنوعة.." يع1: 2‘ وفى رسالة الرسول لأهل تسالونيكى يوصيهم" إفرحوا كل حين." 1تس 5: 16 ‘ ويكون سبب فرحنا فى الرب هو الثقة بأن أسمائنا مكتوبة فى سفر الحياة وملكوت الله‘ ويقول لنا الرب" ولا يستطيع أحد أن ينزع فرحكم منكم." ‘ وأيضا هو الحياة فى المسيح ونراه دائما موجودا فينا ونفرح به كما فرح الرسل " ففرح التلاميذ إذ رأوا الرب." .
2- ربنا راعينا والذى يدعونا للفرح به وفيه هو ضابط الكل وصانع الخيرات والمحب لكل البشر.
3- الله يطلب منا أن نطرح عنا وتحت أقدام صليبه خطايانا وآثامنا وهمومنا – وأوجاعنا تحملها – فيحمل أثقالنا وأتعابها وويبدلها بالفرح واللطف والرضى.
4- الله يهبنا كل شيئ : كقول الكتاب" الذى لم يشفق على إبنه بل بذله من أجلنا أجمعين كيف لايهبنا كل شيئ. "رو8: 32 ‘ والفرح بالرب يهبنا القوة فى طريقنا الروحى.
5- الله هو الذى قال لنا " بدونى لا تقدرون أن تفعلواشيئا." يو15: 5‘ فهو الذى ينقذنا من أعدائنا الخفيين والظاهرين ‘ ويحول الشر إلى خير ‘ ويجعل كل شيئ يعمل معا للخير ‘ يحول الضيقات الوقتية إلى بركات دائمة فنفرح به.
6- هو الذى يعطينا كلمته كسراج منير فى مواضع الظلمه ‘ إلى أن ينفجر النهار فينا ويطلع كوكب الصبح فى قلوبنا.
لنبدأ عاما جديدا فى الرب يسوع كل يوم ‘ ويكون شعارنا دائما أنسى ماهو وراء وأمتد إلى قدام ‘ نحيا فى نمو روحى ‘ ثابتين فى الإيمان ‘ ونحو الهدف فى لقاء عريسنا فى السماء‘ حياتنا فى فرح وإطمئنان وسلام وهدوء وبهجة روحية التى هى الرب يسوع المسيح. آمين.