الأقباط متحدون - يهودُ مصرَ.. المصريون
  • ٠٨:٤١
  • الخميس , ١٣ سبتمبر ٢٠١٨
English version

يهودُ مصرَ.. المصريون

مقالات مختارة | فاطمة ناعوت

٣٥: ٠٩ ص +02:00 EET

الخميس ١٣ سبتمبر ٢٠١٨

فاطمة ناعوت
فاطمة ناعوت

هل هناك خللٌ صياغىّ فى عنوان هذا المقال؟ بالتأكيد. العنوانُ يكاد يشى بضعف لغوى، وتأكيد على مؤكَّد، وتعريف مُعرَّف. كأن نقول: «فلاحو مصرَ المصريون!»، أو «فراشةُ البستان التى فى البستان!»، أو غرفة البيت داخل البيت!»؛ كل ما سبق من عبارات ركيكة، تصفُ الشىءَ مرتين، وهذا غير مقبول فى اللغة. فما معنى أن أكرر أن الغرفةَ «داخل البيت»، بعدما ذكرتُ أنها: «غرفةُ البيت»؟! لهذا أعتذرُ عن عنوان المقال؛ فهو غير موجّه للعارفين بشؤون اللغة وأمور التاريخ، بل موجّهٌ للشباب الذى لا يعرفُ أن هناك مواطنين مصريين أصلاء، يعتنقون اليهودية، وليس لهم أى علاقة بدولة إسرائيل، اللهم إلا علاقة الإنكار، كما علاقتنا جميعًا كمصريين مع الكيان الصهيونى المحتلّ.

بل إن يهودَ مصر دفعوا الفاتورة الأخسر بسبب نشوء دولة إسرائيل، حيث لوحقوا وطُردوا من وطنهم، وهُجِّروا قسرًا من ديارهم، وأُحرقت مؤسساتُهم ومصانعُهم وذاقوا صنوفَ الويل، حتى أوشكوا على الفناء التام من أرض مصر. العنوان الركيك صياغيًّا موجّه للذين لا يعرفون أن العقيدة لا تتقاطع مع الهوية والجنسية، وأن عقيدة المواطن لا تنتقص من حقوق المواطَنة.

وهنا، يجبُ أن أطرح معلومة سياسية بسيطة لمن لا يعرفها. يكتسب الإنسانُ حقَّ المواطنة فى دولة ما، وفقًا لأحد القوانين التالية: ١- قانون الأرض: الذى يمنح الفردَ الجنسيةَ، بموجب أرض ولادته، دون النظر إلى جنسية والديه. ٢- قانون الدم: الذى يمنحُ الفردَ جنسية والده لحظة الميلاد. ٣- قانون الهجرة: بموجبه يحصل الفردُ على جنسية الدولة التى هاجر إليها؛ إذا توافرت لديه شروط الهجرة ووافقت الدولة المانحة. ٤- قانون حقّ العودة: وهو ينطبق على كل يهودى فوق ظهر هذا الكوكب، مهما كانت جنسيته أو البلد التى ولد بها. بموجبه يحقّ لليهودى الحصول على الباسبور الإسرائلى بمجرد دخول أرض فلسطين المحتلّة. وهنا علينا التفكير قليلا.

أولئك اليهود المصريون المقيمون اليوم بيننا على أرض مصر، ولا يمتلكون إلا الجنسية المصرية، لماذا ضحّوا بالحصول على الجنسية الإسرائيلية التى تمنحهم مزايا لا حصر لها، وفضّلوا البقاء فى مصر؟ لا تحتاج الإجابةُ ذكاءً ولا تأويلًا. لأنهم مصريون خُلصاء يعتنقون مصريتهم مثلما يعتنقون عقيدتهم. تلك هى الفكرة التى يدور حولها مقالى: شرفُ الانتماء إلى مصر، وهو المفهومُ الأوحد للوطنية عندى.

فى منتصف أربعينيات القرن الماضى، ترأّس د. طه حسين مجلة أدبية رفيعة المستوى اسمها «الكاتب المصرى»، انشغلت بترقية القارئ العربى أدبيًّا وفلسفيًّا وسياسيًّا واجتماعيًّا. مَن الذى أسّس تلك المجلة وموّلها؟ سبعةٌ من يهود مصر. ومثلما نهضوا بمصر فى الحقل الثقافى، نهضوا بها صناعيًّا واقتصاديًّا، حيث أسسوا مؤسسات لاستصلاح الأراضى مثل «شركة مساهمة البحيرة»، ونشطوا فى تصنيع القطن المصرى فكان رقم واحد على مستوى العالم، وكذلك شركات الألماس والمنسوجات مثل شيكوريل وعدس وريفولى وبنزيون وبيع المصنوعات وعمر أفندى وغيرها، وكانت من الرقى بحيث إن أميرات العالم كنّ يجئن إلى مصر لشراء الملابس والألماس، من محال اليهود المصريين. ما زلتُ أكرّر عبارة: «يهودٌ مصريون»، خوفًا من أولئك الذين لا يفهمون إلا بالتكرار المخلّ بأدبيات اللغة!

بأسًى أخبرتنى السيدةُ المصرية «ماجدة هارون»، رئيس الطائفة اليهودية بمصر: «حين كنتُ طفلةً، يصطحبنى أبى للمعبد اليهودى للصلاة، لم أكن أجد موطئ قدم شاغرًا، الآن غدونا فقط أربعةَ أشخاص!» كان تعدادُ يهود مصر ١١ ألف شخص حتى عام ١٩٤٨. أمرٌ مؤسف أن نصف خريجى الجامعة المصرية يظنون أن كل يهودى هو بالضرورة صهيونى أو حتى إسرائيلى!!! أمرٌ مخزٍ أن كثيرًا منّا لا يميزون بين «اليهودية» كعقيدة، و«الصهيونية» كفاشية سياسية.

يهودُ مصر الشرفاءُ الذين أحبوا مصر بكل جوارحهم، ثم لوحقوا بالبغضاء والعنف والأذى من بلطجية الجهل والعماء؛ حتى اضطروا للرحيل عن مصر التى ولدوا وكبروا فيها وأحبوها ونهضوا بها، لا يعرفون لهم وطنًا غيرها. فى عيدكم بالأمس أقدم لكم محبتى واعتذارى. وإن غدوتم أربعة أشخاص فقط، إلا أن مواقفكم الوطنية لا ينساها التاريخُ، ولا تنساها مصر. وفى يوم قريب، حين ينصلح حالُ التعليم فى بلادى، سوف يعرف الأطفالُ المصريون فى المدارس كيف أحبَّ يهودُ مِصْرَ وطنَهم مصرَ أكثرَ من ملايين ممن لا يعرفون قيمتها. ملعونٌ عند الرحمن من أدخل العقيدةَ فى حقوق المواطنة.
نقلا عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع