هل يمكن أن يصبح الجسد قنبلة متحركة؟
على نهج أفلام هوليوود، حذرت الحكومة الأمريكية شركات الطيران من "القنابل الجسدية"، حيث يمكن للإرهابيين زرع قنابل في أجسادهم لتفجير الطائرات. لكن خبراء يشككون في مدى إمكانية تحقيق هذا الأمر على أرض الواقع.
جرت محاولات كثيرة لتهريب القنابل إلى سطح الطائرات، كوضعها مكان علبة الحبر في الطابعات ثم شحنها، أو أن تخبأ في الملابس الداخلية داخل حقيبة السفر أو في حذاء المسافر. وبدا لوهلة أن كل المحاولات تم استنفاذها، إلى أن جاءت الفكرة الجديدة بزرع القنبلة في الجسد البشري.
وتوصلت أجهزة المخابرات إلى أن بعض المشتبه بهم قد تناقشوا في الأشهر الأخيرة عبر الانترنت حول فكرة "القنابل الجسدية". وحاولوا بالإضافة إلى ذلك كسب بعض الأطباء ليقوموا بعمليات زرع القنابل في الجسد.
وتتلخص المحاولة الجديدة في زرع المادة المتفجرة في جسد الشخص، ثم يتم تفجير جسده في المكان المستهدف. وهناك مناطق عدة في الجسم يمكن استخدامها كوعاء لزرع المادة المتفجرة.
عملية البحث الصعب عن "القنابل البشرية"
يشير يواخيم هاغن، الخبير المتخصص في شؤون الإرهاب في القناة التلفزيونية الألمانية آه.ار.دي، في حوار مع موقع دويتشه فيله إلى أن الإرهابيين يلجأون إلى طرق عدة لإدخال المادة المتفجرة في أجسادهم، مثل وضعها في عوازل طبية وبلعها، وهذا يشابه وسيلة تهريب المخدرات، أو إدخالها على شكل تحاميل، أو بزرعها تحت الجلد عن طريق عملية جراحية.
ويعتبر السعودي إبراهيم العسيري صاحب فكرة نقل المواد المتفجرة عن طريق الجسد. وهو أحد أبرز المطلوبين عالميا في قضايا الإرهاب، و يفترض أن يكون أحد قادة تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية.
ومايميز الطريقة الجديدة هو أنه يمكن لحامل القنبلة في جسده المرور عبر أجهزة الكشف الآلي وتجاوز الإجراءات الروتينية في المطارات دون عقبات، كما يقول نيكولاس كيمبل، المتحدث باسم دائرة أمن المطارات الأمريكية (تي.اس.ايه) (TSA)، لصحيفة لوس أنجلس تايمز.
وتبدو عملية التعرف على القنابل المنقولة داخل الجسد أمرا صعبا، لا يخلو من محاذير. فباستخدام أنظمة المراقبة الحالية لا يمكن مشاهدة مايوجد تحت جلد الإنسان، كما يقول خبير شؤون الإرهاب يواخيم هاغن، ولكنه يستدرك قائلاً: "بالطبع يمكن معرفة ماذا يوجد تحت الجلد باستخدام أجهزة الأشعة السينية"، إلا أنه يحذر من ذلك، لأن أضرار تلك الأشعة عالية نسبيا، الأمر الذي لن يكون مقبولاً من قبل المسافرين.
وكل الإجراءات الأخرى لكشف هذه المتفجرات يصعب تطبيقها، مثل تمرير مجسات خاصة على جلد المسافر مرتبطة بجهاز يكشف عن وجود المواد المتفجرة. ويقترح البعض استخدام الكلاب البوليسية لللكشف عن المتفجرات المحتملة.
الخبراء يستبعدون وجود هذه القنابل على أرض الواقع
إلا أن الخبير الألماني يؤكد أن عملية إدخال المتفجرات إلى الجسد صعبة ومكلفة أيضا، ففي حال تم حشو عوازل طبية بكمية كبيرة من المواد المتفجرة وبلعها، ستبقى مشكلة كيفية توصيل هذه المتفجرات بالصاعق الذي يؤدي إلى إشعالها.
أما الاحتمال الآخر المتمثل في زرع المادة المتفجرة تحت الجلد، فهي إشكالية، لصعوبة إجراء العملية الجراحية لزرع المادة المتفجرة من ناحية، ولصعوبة توصيل المتفجرات بالصاعق أيضا.ً وحتى ولو تيسرت سبل إجراء هذه العملية، فلا بد من التأكد أولا من أن جسد الشخص قد تعافى من العملية وتكيّف مع الجسم الجديد المزروع فيه، قبل أن يصعد إلى الطائرة. لهذا يبدو احتمال تنفيذ تفجيرات عن طريق هذه "القنابل البشرية" مستبعدا.
كما سيواجه الإرهابيون مشكلة أخرى إذا ما استخدموا الجسم البشري كوعاء للقنبلة، ويشرح هاغن هذه المشكلة بقوله: "عندما توجد مادة متفجرة في الجسم البشري، فإن جزءا كبيرا من قوة الانفجار ستتلاشى، لأن الجسم البشري طري ومرن نسبيا، ولذلك يحتاج الأمر إلى كمية كبيرة من المادة المتفجرة من أجل التسبب في إسقاط طائرة مثلا، ويصعب على الجسم البشري استيعاب مثل هذه الكميات الكبيرة".
ويستشهد الخبراء على صعوبة تنفيذ مثل هذه التفجيرات عن طريق الجسم البشري، بأنه لم يتم تسجيل أي حالة من هذا النوع حتى الآن. ويشير يواخيم هاغن إلى "وجود بعض الإشاعات، على أن نائب وزير الداخلية السعودي قد تعرض إلى هجوم عن طريق وضع المادة المتفجرة في جسد الشخص الذي هاجمه، ولكن لم يتم إثبات هذا الأمر حتى الآن"، وإنما تم التصريح بأن المعتدي قام بوضع المتفجر في ملابسه الداخلية.
طرح الموضوع للرأي العام هل هو مجرد تحضير لتشديد الإجراءات الأمنية؟
الخبير الألماني يرجح أن يكون الهدف الرئيسي من طرح هذا الموضوع على الرأي العام هو تحضيرهم لتشديد الإجراءات الأمنية
ورغم التحذيرات من الوسائل الجديدة إلا أن السلطات الأمريكية ما زالت تتبع نفس الإجراءات المعمول بها سابقا، وإن كانت قد عززت من تطبيقها، كما نقلت صحيفة نيويورك تايمز عن جريج سول من دائرة أمن المطارات الأمريكية (TSA)، والذي دعا إلى توسيع نطاق تطبيق إجراءات تفتيش المسافرين المتوجهين إلى الولايات المتحدة، مثل التفتيش اليدوي وإجراء استجوابات موجهة في المطار، ويشرح قائلاً: "يجب أن تكون هذه الإجراءات غير متوقعة، كما يجب تنويع الإجراءات بحيث لا تكون هي نفسها في جميع المطارات".
ويذكر المتحدث باسم البيت الأبيض، جون كارني على أن "الفكرة ليست مفاجئة أبدا، بأن يقوم الإرهابيون بالبحث عن وسائل جديدة من أجل تجاوز إجراءات الرقابة في المطارات". ويؤكد على أن "المعلومات الجديدة لا تشكل أي خطر مباشر".
وتبدو السلطات الألمانية غير قلقة هي الأخرى، حيث ردت وزارة الداخلية الألمانية على سؤال وجهته دويتشه فيله بالقول: "التقارير الأخيرة عن المخططات الجديدة لتنفيذ اعتداءات لم تحدث أي تغيير على درجة تقييم المخاطر الموجودة حاليا. وتتابع الدوائر الأمنية سعيها إلى منع كل أشكال الاعتداءات المحتملة. كما أن إجراءات أمن الطيران موضوعة منذ سنوات على مستوى عال جدا".
ويبقى السؤال عن هدف السلطات الأمريكية من طرح هذا الموضوع على الرأي العام. وهنا يرى خبير الإرهاب يواخيم هاغن بأنها تقصد من ذلك "تحضير الرأي العام لعملية تشديد الإجراءات الأمنية" وذلك عن طريق طرح بالون اختبار لمعرفة ردود فعل المسافرين ومدى تقبلهم لتشديد الإجراءات.
ماركو موللر/ فلاح الياس
مراجعة: سمر كرم
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :