الأقباط متحدون - تمزيق نسيج الوطن!
  • ١٨:٤٤
  • السبت , ٨ سبتمبر ٢٠١٨
English version

تمزيق نسيج الوطن!

مقالات مختارة | خالد سيد أحمد

١٦: ١١ ص +02:00 EET

السبت ٨ سبتمبر ٢٠١٨

خالد سيد أحمد
خالد سيد أحمد

محاولة توصيف الاشتباكات التى وقعت أخيرا، بين المسلمين والمسيحيين فى قرية دمشاو هاشم بالمنيا، احتجاجا على بناء كنيسة من دون ترخيص وإقامة الصلاة فيها، بأنها مجرد حادث عابر أو سحابة صيف سرعان ما ستزول، لن يحل المشكلة التى ازدادت حدة خلال السنوات الأخيرة، لاسيما وانه يوجد بيننا عقليات متطرفة، تستكثر على المسيحيين إقامة شعائرهم الدينية، وتتساءل بلا خجل: «عايزين يصلوا ليه»؟.

ومنذ ثورة يناير 2011، تضاعفت التحديات التى واجهت المواطنين المسيحيين، عندما أطلت الجماعات الاسلامية المتشددة برأسها على سطح المشهد السياسى فى البلاد، وأضحت قاب قوسين أو أدنى من التحكم فى مفاصل السلطة، التى كانت فى السابق حكرا على نظام فى حالة عداء دائم مع كل من ينتمى لهذا التيار، وهو ما مثل ضمانة لهم بأن الدولة تحميهم من غلو وتطرف وعدم تسامح تلك الجماعات مع الآخر المخالف لها فى العقيدة.

الارتكان إلى حماية الدولة قبل الثورة، جعل الغالبية العظمى من المسيحيين، ينغلقون على أنفسهم فى المجتمع، ويختفون خلف ستائر العزلة الاختيارية، وباتت مشاركتهم السياسية شبه منعدمة، ومساهماتهم فى قضايا المجتمع غير مرئية، وأصبح العنوان الوحيد لهم هو «البابا» الجالس على مقعد البطريركية.. هو الذى يمنح ويمنع.. يقبل ويرفض.. يعاقب ويعفو.. بات رئيسا غير متوج فى عالم الأقباط.

لكن كما طرقت رياح الثورة، أبواب الجماعات الإسلامية المتشددة، ودفعتها للخروج من تحت الأرض، هبت تلك الرياح أيضا على أبواب الكنيسة، ودفعت المسيحيين ــ شأنهم شأن الغالبية العظمى من المصريين ــ إلى تعاطى السياسة التى كانوا فى حالة خصام ارادى معها، وبدأوا يتفاعلون مع قضايا المجتمع شيئا فشيئا، لكنهم اكتشفوا واقعا جديدا، كان من أبرز سماته ان قبضة الدولة التى راهنوا عليها طويلا لحمايتهم من تشدد تلك الجماعات، أضحت رخوة للغاية وبالتالى أصبح عليهم التعامل وفق آليات السوق السياسية الجديدة، فلجأوا إلى تكوين أحزاب سياسية، والتحالف مع قوى تتبنى «مدنية الدولة» منهجا، حتى يمكن لهم المشاركة فى عملية صنع القرار فى «مصر الجديدة».

لم يساهم هذا التوجه فى حصول المسيحيين على نصيب مؤثر فى الخريطة السياسية الجديدة التى سيطر عليها التيار الإسلامى، ما ضاعف من حجم المشكلات التى يواجهونها، حتى هبت رياح يونيو 2013، فانضموا إلى الغالبية العظمى من الشعب ومؤسسات الدولة، الذين توحدوا جميعا لانهاء سيطرة هذا التيار على السلطة.
دفع المسيحيون ضريبة كبيرة فى ذلك الوقت، وبالتحديد فى شهر أغسطس 2013، حيث تم مهاجمة وحرق وتدمير أكثر من 100 كنيسة، الأمر الذى كان كفيلا بإشعال نيران الحرب الطائفية، الا ان عقلانية وحكمة البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، منعت فتح أبواب الحجيم على مصر، وكان يردد جملته المعروفة: «وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن».

لذلك كما سبق وذكرنا، فان النظر إلى ما حدث فى «دمشاو هاشم»، على انه حادث عابر، مخطئ تماما، بل يحب التعامل معه على انه حلقة جديدة من محاولات إشعال نار الفتنة الطائفية فى البلاد، ومعاقبة المسيحيين على دعمهم لمؤسسات الدولة وجموع الشعب ضد الجماعات المتطرفة التى حاولت السيطرة على البلاد.

يجب على الدولة أن تقوم بدورها الآن، لمحاصرة مشعلى الحرائق والفتن الطائفية والحروب بين الأديان، وأن تتدخل بقوة وجدية لمنع المتطرفين من تمزيق نسيج الوطن، وذلك من خلال العمل على الكثير من الجبهات فى وقت واحد، أهمها بلا شك تفعيل القوانين التى تعاقب على ازدراء الأديان أو نشر الكراهية أو إثارة الفتنة الطائفية بين أبناء الوطن، وتطبيق هذه العقوبات فورا على من يقومون بمثل هذه الأمور، وألا تترك مصير ما يتفجر من قضايا مماثلة فى المستقبل، بيد ما يسمى بـ«المجالس العرفية» التى لا تعيد حقا أو تضع ضوابط تمنع تكرار إشعال مثل هذه الحرائق مجددا.
نقلا عن الشروق

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع