من مفيد فوزى إلى حمدى رزق: هل أنت رقيب علينا؟
مقالات مختارة | مفيد فوزي
الثلاثاء ٤ سبتمبر ٢٠١٨
السيد رئيس التحرير..
لم نتعود تبادل الرسائل علناً فى الصحف، وأنا أتجنب غربة الخطابات المفتوحة، يوجهها أحدنا للآخر، وكأنها- على حد قول هيكل- «دعوة إلى ملاكمة»! ولكن حالة من الصراحة فرضت هذا الخطاب، وجدت أنه من اللائق مهنياً أن أوجهه للمسؤول عن النشر فى هذه المطبوعة، وأنا حريص على ألا أسبب لك متاعب تأتيك من «المفسرين» أخطر طائفة فى كل مكان وزمان، وقد تخصص المفسرون فى التأويل وكم من تأويلات عصفت بوطنيين أسيئ فهمهم وراحوا وراء الشمس فى زمان ناصر. وكل زمن له مفسروه، وكلما كان الرأى المطروح واضحاً وضوح شمس استوائية حار المفسرون فى التفسير، والمفسرون يبحثون أولاً عن هوية صاحب الرأى وماذا يقصد، وللدقة ماذا يضمر؟ ولما كنت ألتحف بالمواطنة مهما كان شكلها شاحباً فأنا المصرى بالتاريخ والجغرافيا أصوغ ما أعتقده علناً وليس تحت الأرض، ومن الممكن أن أقول ما أعتقد على شاشة تليفزيون فى بلدى وما عدت أخاف أو أخشى دقات زوار الفجر على دارى، ولكن من حق النظام أن يحمى نفسه من أشرار يرتدون ثياب الأخيار، سواء كانوا من النخبة أو العتمة. إننا بعد زمن المرشد وصبيانه بدأنا نتذوق معنى الاستقرار وكنا قد ودعنا الفوضى الضاربة فى كبد مصر.
الناس تتصور أنه من العيب سجن صاحب رأى، وهذا أؤمن به تماماً، ولكن الناس لم تفرق بين صاحب دعوة للبناء وصاحب دعوة للهدم.. فهل أنا على حق فى رغبتى إعلامياً التفريق بين دعوة ودعوة، فهل الاستعانة بمواد الدستور جائزة فى زمان أمة تحارب إرهاباً مسلحاً وميليشيات إلكترونية تهاجمك وأنت فى بيتك آمنا.. ألست معى أن من حق الناس أن تعرف لماذا نقبض على واحد وما حيثيات الاتهام ليستريح الكل؟
■ السيد رئيس التحرير..
من أنت؟ رقيب على ما نكتب فى ثياب رئيس تحرير؟! وهل أنت مسؤول أمام صلاح دياب وعبدالمنعم سعيد أم أمام شخص آخر لا نعرفه؟ هل تمارس مهمة «حارس المرمى» كالحضرى تصد أجواناً من الرأى صادمة؟ هل أنت المفتش العام الذى يقرأ كل كلمة ويزنها بمكيال الدولة؟ هل أنت أحد رجالات الوالى ومطلوب منك أن تحافظ على «توازن السفينة»؟ لو كتبت رأياً يخالف منطق الرئيس فهل تحذفه؟ لو قلت لك إن الرئيس قال فى مؤتمر الشباب إن «بناء المجتمع والشخصية المصرية مهمة مجتمعية وليست حكومية» لو اختلفت وقلت «بل حكومية فى المقام الأول يا ريس» نعم دون آليات الحكومة وإنارة طرق البناء المعمارى للشخصية المصرية لا فائدة دون إعلام يرفع سقف الوعى.. لا فائدة دون ثقافة تبثها الدولة فى كل بقاع مصر.. لا نحصد شيئاً، إنها مسؤولية مشتركة، وفى مصانع الرجال- الكليات العسكرية- التدريب ملازم للتثقيف.
■ السيد رئيس التحرير..
هل يغضب الرئيس أن اعتماده المطلق على الشباب هو بمثابة اختلال فى المعادلة: أصحاب الخبرات المتراكمة + حماس الشباب يصب فى مجتمع يقف على قدميه فى ثبات؟
هل تحذف من مقالى «لو قلت إن تهميش أصحاب التجارب يصنع مجتمعاً أعرج!»، هل تحذف من مقالى أن ستات مصر فهمن خطأ انحياز الرئيس لقدرات المرأة وزيرة ومحافظة، فقد بدأ بعضهن يناطحن الرجال وهو خطأ حضارى فى تركيبة نساء مصر، للدقة بعض نساء مصر.. هل تحذف من مقالى لو كتبت «لماذا معرض الكتاب ليس على أجندة زيارات الرئيس وهو تظاهرة ثقافية مهمة يجد فيها القائد أشواق المجتمع للقراءة ويناقش المفكرين فى قضايا محورية»؟.. هل تحذف عنوان مقالى «الإدارية لمن؟ لأغنياء القوم أم للمطحونين؟».. هل تحذف من مقالى إذا قلت «توقعت تكريماً لمجدى عبدالغفار، وزير داخلية مصر السابق، فقد أدى مهمته فى وقت عصيب»؟.. هل تشطب عبارة «إن اسم أحمد سعيد يحتاج لإنصاف، وكان أحمد سعيد فى حرب ٥٦ يطلب من العرب إلقاء إسرائيل فى البحر، كان موظفاً عند إعلام التهويل والتهوين»؟
■ السيد رئيس التحرير..
مانشيت الجورنال الرئيسى، هل تكتبه بنفسك أم من الممكن أن يكتبه أحد مساعديك وتراجعه؟ هل من الضرورى أن يكون إنجازاً.. ولم لا يكون تساؤلاً مجتمعياً مُلحاً؟ دعنى أسألك: ما الأخطاء التى تتجنبها كرئيس تحرير؟.. هل التطبيل إحدى الأدوات- كما يتصور البعض- لإرضاء الرئيس؟ هل بعض التكدير لمسؤولين يُكدر الرئيس أم هو مع النقد حتى الإصلاح؟ وفى كل أحاديث الرئيس يقول «لا تتكلم فى موضوع دون أن تلم بكل أطرافه».. فهل المعلومات متاحة دون عناء؟ قلت مرة «لا تراهن يا ريس على صبر المصريين حتى البالونة تفرقع».. فهل رجال الرئيس يتحملون هذه الخربشة؟! ويوم قلت كل الولاء للسيسى ومنتهى الوفاء لمبارك.. فهل «حَسَبونى» على زمن مبارك؟ ومن فى مصر ليس قادماً من زمن مبارك؟! وعندى تساؤلات لا أسئلة، منها: هل هناك خصام مستتر بين الرئيس ورجال الأعمال؟ ومنها: هل يمر الإعلام المرئى بعاصفة ترابية قد تختفى فيها أسماء شهيرة طبقاً لمبدأ «كفاية كده»؟! ومنها: هل يعلم أى محافظ جديد أخطاء المحافظ السابق فيتلافاها، ومنها: لماذا ظهر توفيق عكاشة على الشاشة ثم اختفى؟!
■ السيد رئيس التحرير..
لماذا هذا الخطاب؟ لأسباب، منها أنى أعجز عن الإجابة عن أسئلة على ألسنة الناس، ومنها تصور فئة من البشر أن أى نقد للنظام معناه إبعادى عن الكتابة، ومنها معنى سخيف يقول «يا تطبل يا تسكت»، وأصبح بين الإشادة والتطبيل خيط رفيع. من أسباب الخطاب المفتوح لك قربك من مراكز القرار ومحاولة فهم طبيعة المرحلة وحجم التحديات وشعورى أننا فى حرب، رغم ما يبدو للناس عكس ذلك ومازالت خريطة الإعلام غامضة، ولا أعرف من يرسمها، وهل هم احترافيون؟ ومتى يعمل الناس فى ظل مناخ طبيعى بلا فوازير؟.. هل تنشر رسالتى كاملة غير منقوصة أم تعيدها لى فى مظروف أنيق وتحافظ على موقعك؟!.
نقلا عن المصري اليوم