تعيين الأقباط وتصحيح الخطاب الدينى
نسيم عبيد عوض
٤٣:
٠٩
ص +02:00 EET
الثلاثاء ٤ سبتمبر ٢٠١٨
بقلم نسيم عبيد عوض
فى يوم 9 سبتمبر 1981 شن الرئيس السادات حربا شعواء على البابا شنودة ‘ ووضع الأقباط تجاه حائط مشتعل بالنار ‘ فهوذا رئيس الدولة الذى كان يحلو له دائما أن يقول " أنا رئيس مسلم لدولة مسلمة" ‘ يتهم قداسة البابا شنودة بأنه يحرض الأقباط على إنشاء دولة قبطية فى أسيوط ‘ وأنه وراء الفتنة الطافية فى الخانكة والوايلى ‘ وأعاد فى الخطاب البابا إلى ديره ‘ وقد كانت البلاد تتأجج بفتنة طائفية ‘ كانت البلد تشتعل نارا وفتنة وغليان ستأكل الأخضر واليابس ‘ وقاد عبود الزمر ضابط المخابرات الجماعات الإسلامية فى كل إتجاه ‘ فمحلات الأقباط تحرق بالنار ‘ ويطلق الرصاص على أصحابها ‘ وكان الشارع المصرى مترقب لخروج شعب مصر المسلم ليقتلوا أقباطها ويدمروا ممتلكاتهم نتيجة لخطاب الرئيس المسلم لدولة إسلامية ‘ وعندما ذهبنا لأعمالنا ثانى يوم الخطاب ‘ ونحن متوجسين رد فعل زملائنا المسلمين على خطاب السادات ‘ فكانت المفاجأة أن يدين الجميع السادات على خطابة وقالوا أنه رجل كذاب ‘ وماقاله هو إدعاء باطل ‘ وخصوصا على البابا شنودة المحبوب من الشارع المصرى المسلم ‘ وكان أخوتنا المسلمين يأتون إلينا فى مكاتبنا ليواسونا على ماقاله السادات ‘ وخصوصا بعد المجزرة التى قادها على المسيحيين فى الزاوية الحمراء بقيادة النبوي إسماعيل وزير داخليته وقتها ‘ وقد حدث بالفعل فى هذا اليوم وكانت معى إبنتى الصغيرة – 9 سنوات – وكانت مريضة فكانت معى فى عملى حتى أطمئن عليها ‘ وقد أخذنا طريقنا للعودة عن طريق شارع الأزهر ‘ و وحدث أن توقفت عربتى الفيات وجاءت وقفتها أمام جامعة الأزهر ‘ وفوجئت بأمين الشرطة يدفع بالعربية من بوابة الجامعة لمنتصف الساحة الداخلية ‘ وفوجئت أيضا أن إلتف الشباب حول العربية لإصلاحها ‘ والجميع يساعد فى سرعة الإصلاح ‘ وقد حدث بالفعل أن أعاد هؤلاء الشباب الملتحى أن يعيدوا للعربة حركتها ‘ وهم سعداء يتلقون شكرى الجزيل ‘ ويودعوننى حتى عدت إلى شارع الأزهر فى طريق عودتى لبيتى ‘ ولا أنسى أننى كنت أعلق الصليب على عربتى ‘ وكنت مزهولا من مساعدة هؤلاء الشباب لى ‘ وخصوصا أن خطاب السادات بالأمس كان محرضا المصريين ضد الأقباط ‘ وتدخلت إرادة الله من حكم هذا السادات ‘فبعد 37 يوما من خطابه ووضعه البابا فى الدير وإعتقال عشرات الأساقفة والكهنة فى السجون‘ قتلته الجماعات الإسلامية التى كان هو وراء ظهورها وإنشائها فى المجتمع المصرى الطيب ‘ فإنقلبت عليه وأردوه قتيلا بإغتياله وسط القوات المسلحة وقادة جيشه وعلى مرأى من العالم أجمع ‘ وكان هذا أكبر دليل أن هذا المجتمع المصرى بمسيحييه ومسلميه صلب القوام ‘ لا يقدر مضلل أن يقلبه ويحرضه على الإنقلاب على بعضه ‘ فقد إحتارت فى أمر وحدته شعوب العالم ‘ وقد حكى لنا التاريخ على قوة هذا الشعب فى وحدته الوطنيه على مر الزمان.
ومرت مدة حكم السادات بأشق الأنفس على مصر ‘ ولم يحترق الأخضر ولا اليابس ‘ فقد لعب السادات بعصا التفرقة ‘ حتى أنه بعد إستدعاء الشعراوى من السعودية ليلهب المشاعر ويوقظ النائم ‘ فقد إتفق مع التلمسانى على عودة الإخوان من البلاد العربية لمصر ‘ ومن ثم إستلم حسنى مبارك البلاد والسلفيين وجماعة الإخوان المسلمين كاتمين على أنفاس العباد ‘ ولمدة ثلاثين عاما ‘ ومن تحت الغلاف تفشيت السلفية الوهابية فى القرى والنجوع ‘ وتمركزت قياداتها فى الأسكندرية ‘ وتقوت جماعة الإخوان المسلمين بأموال شركات توظيف الأموال ‘ وأصبح مرشدها يجمع الصفوف ويدعم الفروع إنتظارا ليوم قريب ‘ ومبارك وحكوماته وكأنها لا ترى مايحدث ‘ كانت فى معاهدة غير مكتوبة مع التيار السلفى والإخوانى ‘ وفى علاقات قوية يسيطرون على بعضهم البعض ‘ ولا يهم المواطن العادى إلا سطح البرميل المزين بالخداع .
وظهرت محتويات ما بداخل البرميل الحقيقي وبكل قوة ‘ فعندما عينت الدولة محافظا قبطيا لمحافظة قنا ‘ رفضته قيادات السلفية ‘ وفى تحدى للدولة علانية وبكل تهديد لسلطة الدولة أجبرت القوى الإسلامية على رفض القبطى ان يحكم بلادهم ‘ وتحت الإجبار أنحنت الدولة بكل سلطانها ليفوز التيار الأسلامى ‘ ليعطى درسا قاسيا لحكم البلاد ‘ ولكن عندما تجبر الإخوان وظهرت مخططاتهم لمحو هوية البلاد ‘ وبدأوا فى تدمير الدولة المصرية وتفتيت المجتمع الآمن إلى بؤر تيارات إسلامية متشددة ‘ ومن هنا جاء الرد سريعا بأن خرج الشعب المصرى وغالبيتهم من أقباط مصر ‘ وملئوا الميادين والشوارع والحارات ‘ وقدر عددهم بثلاثين مليونا من شعب مصر ‘ وقامت قيادة الجيش بقيادة هذه الثورة ‘ ووأزاحت جماعة الإخوان المسلمين عن حكم البلاد ‘وكانت يد الله مع جماعة مصر الوطنية فأنقذم من وباء لو كان قد تمكن من الحكم ‘ لكنا الآن فى الجحور والصخور نرمم بيوتنا وأهلنا وبلادنا ‘ ولكن الله أصلح الطريق ‘ وعادت مصر فى أيدى المصريين الوطنيين مرة أخرى.
وواجهت القادة السياسية الجديدة التى تسير فى حكم البلاد ‘بمجهودات تتركز على وحدة الوطن ‘ وقوة الهوية المصرية ‘ والعمل على تجمع المصريين فى وحدة وقوة واحدة لا تعرف التفرقة بين طوائف الشعب ‘ ولمدة خمس سنوات والدولة تحاول أن تزيح عن الوطن غلاف الفرقة والفتنة ‘ وتبدله بثياب المحبة والأصالة والوحدة ‘ وخلال هذه السنوات وشعار تصحيح الخطاب الدينى مرفوعا ‘ ولكن أعلام السلفية الدينية وتغلغل أفكار جماعة الإخوان المسلمين مازات تحلق فى سماء مصر ‘ والدولة ترفع شعار أن تقدم الدولة وعدالة الشعب الإجتماعية تعتمد بكل قوة فى وحدة شعب مصر مسلميه وأقباطه ‘ ولكن هناك من يقاوم فكرة تصحيح الخطاب الدينى ‘ بل أن الأزهر وقيادته تعارض بكل قوة فكرة أن الخطاب الدينى يحتاج إلى تصحيح ‘ وبقيت مجهودات القيادة السياسية مستمرة ‘ حتى توحد الفكر المتمدين والعلمانية ‘ وكأنها تحفر فى الصخر تتقدم يوما بعد يوم فى توحيد شعب مصر على قلب وروح واحدة ‘ وحتى يتحقق الرخاء والآمان لجميع الشعب.
ومنذ كان تعيين اللواء فؤاد عزيز غالى بطل حرب أكتوبر 73 ‘محافظا لشمال سيناء ‘ أي من أكثر من أربعة عقود من الزمان ‘ ولم ترى مصر شخصية قبطية فى منصب محافظ أو رئيس مدينة ‘ وبالطبع كان الحاجز هو إعتراض التيار الإسلامى ‘ وتفشى السلفيين الوهابيين فى نشر تكفير المسيحى وعد إستحقاقه الولاية على المسلم ‘ ورأينا فى المحاكم رفض شهادة القبطى على أخيه المسلم أو معه ‘ وأصبحت علانية رفض المسيحى متفشية فى وسائل الإعلام بكل وسائلها ‘ رغم توجه القيادة السياسية لرفض هذا التيار وإعلانه فى كل مناسبة .
وجاءت المفاجأة من رئاسة الدولة بتعيين دكتورة قبطية محافظا لدمياط ولدكتور مهندس محافظا للدقهلية ‘ وبالأمس تم تعيين ثلاثة أقبطا رؤساء لمدن فى محافظات مصر ‘ ولا أخفيكم سعادتى لهذا التعيين ‘ وكأنى أقول وجدتها ‘ فهذا التعيين سيساهم فى تصحيح الخطاب الدينى ‘ فتسألنى كيف أقول لك ‘ أن غياب القبطى عن هذه المناصب ومع تفشى التيار الدينى المتزمت فى رفض التعامل مع الأقباط ‘ كان يرسخ ويعمق الفرقة والتباعد ويغيب العلاقات الوطيدة بين شعب وطن واحد ‘ ولكن الآن ومع رؤية شعب يقرب من 6 مليون بمحافظة الدقهلية ‘ و3 مليون بمحافظة دمياط ‘ أن محافظهم الذين يتعاملون معه يوميا شخص قبطى ‘ والذي يحكمهم بالصدق والأمانة ‘ ومع نجاح رعايته على مصالح الشعب والعمل على تقدمه ورفعة شأنه ‘ فلعل هذا سيغير الفكرة المغيبة فى العقول ‘ ومع تعيين رئيس قبطى لمدن ملوى فى المنيا والحسينية بالشرقية وفايد بالإسماعلية ‘ وهى مدن كبيرة فى محافظات رئيسية ‘ فلعل خريطة مصر ستعلن عن بدأ تصحيح جديد فى أفكار عتيقة ملبدة بالفرقة ومغيمة للعقول ‘ ولعل ذلك قد يساهم إذا نجح هؤلاء فى مناصبهم ‘ ومع رعاية هؤلاء لشعبهم ‘ الذى سيحبهم ويعضدهم ويساندهم ‘ وفى النهاية تصحيحا لخطاب دينى الجميع متفق على تجديده ‘ وأول التجديد هو المساواة فى الحقوق والواجبات ‘ وأن يقف الجميع بدون تمييز أمام القانون.
والله الموفق لنصرة مصر والمصريين على خفافيش الظلمة وإزالة الغيوم والهموم‘ ويعود شعب مصر شعبا واحدة يجاهد سويا فى تقدم هذا البلد المبارك من الله فى كتابه المقدس
الكلمات المتعلقة