بقلم منير بشاى
لم اصدق عينى عندما لمحت خبرا على الفيسبوك يقول ان حركة التعيينات الجديدة للمحافظين ستشمل د. منال ميخائيل محافظا لدمياط. امرأة وقبطية لمنصب محافظ؟ كان هذا أكبر مما أتصور. وقد عبّرت عن شكوكى فى تعليق، فجاءنى الرد من احد القراء ليؤكد صدق الخبر ويضيف ان التعيينات شملت ايضا د. كمال شاروبيم محافظا للدقهلية. ومع ذلك فمن فرط دهشتى لم اعرف ما اذا كان الامر واقعا ام مجرد حلم. وكتبت اطلب من الاصدقاء عدم ايقاظى ان كان الامر حلما. والآن بعد مرور اكثر من يوم ولم يصدر ما يكذب الخبر اصدق اننا فعلا أمام حدث تاريخى غير مسبوق يعيد الامل فى غد مشرق لاقباط مصر ولمصر كلها.
ومن اجل ذلك اسجل عظيم شكرى وتقديرى للرئيس عبد الفتاح السيسى لهذا القرار الذى يمكن اضافته لمواقفه الثورية التى بدأت بثورة 30 يونيو. واؤكد انه لن يندم عليه فالاقباط يحبوه وقد ايّدوه منذ اللحظة الاولى وما زالوا يؤيدونه وفى سبيل ذلك استهدفوا مرارا بتفجيرات طالت اشخاصهم وكنائسهم وبيوتهم ومتاجرهم. وقدّموا هذه كلها قربانا للوطن الذى يحبونه لدرجة العشق.
الدكتور منال ميخائيل التى عيّنت محافظا لدمياط كانت قبلا نائبا لمحافظ الجيزة. وهى حاصلة على بكالريوس الطب البيطرى سنة 1989 والماجستيرسنة 1995 والدكتوراة سنة 1999 وحصلت على جوائز الدولة التشجيعية سنة 2007.
والدكتور كمال شاروبيم الذى عيّن محافظا للدقهلية يشغل منصب نائب رئيس جامعة قناة السويس لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة. وهو حاصل على بكالريوس الهندسة المدنية عام 1978 والماجستير فى سنة 1985 والدكتوراة من اليابان عام 1990. وشغل وظيفة استاذ بكلية الهندسة بالاسماعيلية. وقد حصل على جوائز الدولى التشجيعية سنة 2007.
هذا التعيين فى منصبى وظيفة المحافظ يعتبر حدثا مهما فى تاريخ الاقباط. فمنذ الغزو العربى لمصر كان يجرى التعامل مع الاقباط على انهم اهل ذمة تحت حماية المسلمين نظير دفعهم للجزية. وكانوا غير مسموح لهم بشغل المناصب القيادية عملا بالمبدأ " لا ولاية لغير المسلم على المسلم" كما لم يكن مسموحا لهم بالالتحاق بوظائف الشرطة او الانضمام للجيش واصبحت الجزية هدفا فى ذاتها وجزءا مهما من عملية ابتزاز الاقباط لصالح العرب فى شبه الجزيرة العربية.
استمر الوضع على ذلك بمعاناة شديدة نتيجة تعنت الحكام ضد الاقباط الى ان وصل الى فترة الخلافة العثمانية حيث ازدادت حدة المعاناة. غير انه فى اواخر حكم الدولة العثمانية ضعفت قوتها العسكرية بالتزامن مع ازدياد قوة الدول الاوروبية ونتيجة لذلك حدثت ضغوط من الدول الاوروبية لتحسين احوال المسيحيين فى البلاد الخاضعة للخلافة فصدر الخط الهمايونى سنة 1856 الذى كان يعتبر خطوة تقدمية حيث تم بمقتضاه الغاء عهد الذمة والجزية وسمح للاقباط بالالتحاق بالجيش.
تمكن محمدعلى من الاستقلال بحكم مصر سنة 1805. وبدأت مع حكمه فترة من المعاملة الجيدة للاقباط فى ظروف كانت عصيبة على مصر اذ كانت الخزينة خاوية من المال. وحتى يخرج من الازمة سعى محمد على الى الاستعانة بافضل من يوجد من المصريين فأقر مبدأ المساواة بين المواطنين. وعين مأمورين من الاقباط على مراكز برديس والفشن وديرمواس وبهجورة والشرقية وهى مناصب تقابل مناصب المحافظين اليوم. وفى عهده الغى محمد على الزى الخاص المهين المفروض على الاقباط ومنح بعض الموظفين الاقباط رتبة البكوية.
استمرت هذه السياسة خلال حكم اسرة محمد على ففى عصر سعيد باشا عيّن حاكما مسيحيا على مصوع بالسودان. وفى عهد الخديوى اسماعيل اعطى الاقباط حق الترشح لانتخابات مجلس الشورى وعيّن عددا من الاقباط فى مناصب القضاة. ومنح رتبة الباشوية للاقباط وكان واصف باشا هو من شغل وظيفة كبير التشريفات. وبعدها شغل ويصا واصف وظيفة رئيس البرلمان.
ولكن بعد هذه الحقبة ومع اعتلاء عبد الناصر سدة الحكم حدث تراجع لوضع الاقباط. ولم يكن ضمن مجموعة الضباط الاحرار قبطيا واحدا. ولم يشغل الاقباط اى مناصب عليا فى فترة عبد الناصر سوى منصب وزير التموين. وفى تلك المرحلة تم ترسيخ الدولة الدينية فى مصر.
ثم جاء انور السادات باجندته المتأسلمة التى اطلق فيها العنان للجماعات الاسلامية المتطرفة لتمكين حكمه ضد الناصريين واليساريين. ومع ذلك فقد عين السادات قبطيا كأول محافظ فى مصر بعد 1952 وهو الفريق فؤاد غالى. وكان هذا مكافأة له على دوره البطولى فى حرب 1973 وتاريخه العسكرى الطويل الذى بدأ مع حرب فلسطين سنة 1948.
وكان ثانى محافظ هو مجدى ايوب وقام بتعيينه الرئيس مبارك لمحافظة قنا. وبعد استلام المجلس العسكرى الحكم حاولوا تعيين محافظ قبطي آخر هو عماد شحاته ميخائيل لقنا. غير ان السلفيين والاخوان نظموا مظاهرات صاخبة ضده وقطعوا خط القطارات الذى يمر عبر المحافظة وهددوا بقتله اذا جاء. واستسلمت الدولة لمطالب المتظاهرين واوقفت التعيين.
اليوم نحن أمام تعيين قبطيين لمنصب المحافظ. وهى خطوة لها اهميتها، على الاقل من الناحية الرمزية، فى تأكيد حقيقة ان الاقباط مواطنون من الدرجة الاولى متساوون مع شركائهم فى الوطن فى كافة الحقوق والواجبات.