الأقباط متحدون - رجاء الجميلة.. سلامتك
  • ٠٤:٠٦
  • الخميس , ٣٠ اغسطس ٢٠١٨
English version

رجاء الجميلة.. سلامتك

مقالات مختارة | بقلم : فاطمة ناعوت

٣٠: ٠٣ م +02:00 EET

الخميس ٣٠ اغسطس ٢٠١٨

فاطمة ناعوت
فاطمة ناعوت
الصَّبيّةُ المليحةُ ذاتُ الخِصرِ الناحلِ والقوام الممشوق والعينين السوداوين والشَّعر القصير آلا-جرسون، ابنةُ مدارس فرنسيسكان العريقة، الصَّبيةُ التى تعرفُ كيف تجعلُ الفساتينَ تخفقُ حول جسدها النحيل، خفقانَ جناحين ملوّنين حول فراشة، تصحو فى أحد نهارات عام ١٩٥٨، ليدقَّ قلبُها فرحًا حين يخبرها الرفاقُ أنها اختيرت «ملكة جمال القطر المصري». بعدها، تهافتت عليها بيوتاتُ الأزياء الراقية؛ لتغدو أجملَ فاشون- موديل فى الوطن العربى.
 
تعرفُ كيف تخطُرُ فى خَفَر عذراءَ خجولٍ فى ثوبِ زفافٍ أبيضَ، يُوشوّشُ اللؤلؤُ على صدره بأسرار خطيرة، وكيف تخطو نهارًا برشاقة فى ملابس سبور فضفاضة، وكيف تسير الهوينا بكعبين رفيعين مثل ليدى فى فستان سواريه، إذا ما حلّ المساء. لا أحدَ ينسى فستانَها البروتال الأنيق، وهى تراقصُ «عمر الشريف» «تشاتشاتشا»، فدهس حذاءها، مرّةً ومرّة، ثم حملها ليدور بها على البيست؛ كما يفعل الراقصون المحترفون من حوله، فإذا به يُسقطها على الأرض، فتُوسِعُه تقريعًا: «يا أخى مادام مبتعرفش ترقص، بترقص ليه؟».
 
بالأمس أطلق أحدُ «سخفاء الخواء»، كما يروقُ لى أن أُسمّيهم، شائعةً رخيصة تُفضى برحيل الجميلة، التى أثرَتْ شاشتَنا العربيةَ بغزير الأفلام وعروض الأزياء والبرامج والحوارات والنضال المجتمعى. وتلقّفت صفحاتُ فيسبوك الخبرَ الكذوب وأشبعته نشرًا ونثرًا فى دروب الثرثرات اللاهية التى لا تعرفُ للجِدّ سبيلاً. هاتفتُها لأطمئن عليها، فجاءنى صوتُها حزينًا مندهشًا، وسألتنى: «فعلا عاوزة أعرف، يعنى إيه واحد يضيع من عمره خمس دقائق، ليخترع كذبة، ثم ينشرها فى نصف ساعة أخرى؟! ماذا استفاد وقد خسر من عمره ما لن يعود؛ والعمرُ أغلى ما لدينا؟! تصوّرى لما آخد عزايا بنفسي! ليه كده؟!» وأجيبُها: يا أنيقةَ مصرَ، إنهم لا يخسرون شيئًا كما تظنّين. فالعمرُ غالٍ عند مَن يمتلك مشروعًا يشغله.
 
أما الشاغرون البُلداءُ فالوقتُ لديهم ليس رخيصًا فحسب، بل هو حِملٌ ثقيلٌ يودّون الخلاصَ منه. إضاعةُ الوقت وهدرُ العُمر لدى الخاملين هدفُ أهداف الحياة. هم مثل نبات «الهالوك» الذى يعتاشُ على أغصان النباتات. يتسلّقون على الأسماء الكبيرة ظنًّا منهم أنهم بهذا يكبرون. ولو علموا فلا شىء يجعلُ الإنسانَ كبيرًا إلا ثمارُ عقله ويديه. الشائعةُ ظاهرةٌ فى المجتمعات الكسول، لا يُطلقها إلا بُلداءُ خاملون، ولا يُشيعُها إلا حمقى شاغرون، لا يستوثقون مما يشيعون. الشائعةُ قد تهدمُ أسرةً، وقد تقتلُ إنسانًا، وقد تُشعلُ حربًا. وحاملُ وزر كلّ ما سبق شخصٌ تافهٌ ليس إلا صفرًا فى قائمة الأحياء. لا أحد شعُرَ بمجيئه للعالم، ولا أحد يشعرُ برحيله. لكنه قبل أن يمضى يكون قدّ لوّث العالمَ ببصمةٍ سوداء لا معنى لها إلا أن تشيرَ إلى صفرٍ قد مرّ بهذا العالم ورحل تاركًا نُدبةً فى شجرة الحياة.
 
علّ مروجى الشائعات يتأملون ما أراد أن يعلمنا إياه سقراط قبل خمسة وعشرين قرنًا من الزمان. جاءه أحدُ تلاميذه قائلا: يا مُعلّم، أريد أن أحكى لك شيئًا عن تلميذك فلان. فقال له أبوالفلاسفة: «حسنًا، ولكن أولا مَرِّرْ ما تريد قوله على ثلاثة فلاتر: ١- هل أنت متأكد من المعلومة؟ فأجاب التلميُذ: (لا، بل سمعتها من أحدهم.) ٢- هل المعلومة طيبة لٌا يكره الشخصُ سماعَها؟ فأجاب التلميذُ: (بالعكس، المعلومة مشينة.) ٣- هل سيُفيدنُى سماعُ المعلومة؟ فأجاب التلميذ: (فى الواقع، لا أظن.) هنا ابتسم سقراط وقال: «تودُّ أن تسرق من عمرى لحظات أُنصتُ فيها لخبر كاذب، ومشين، وغير مفيد؟!» فخجل التلميذ وأطرق أرضًا، ومضى. ليتنا نتعلم فلسفة الفلاتر السقراطية قبل أن نلوك سِيَرَ الناس بما يكرهون. فالإنسانُ «كلمةٌ»، والشرفُ «كلمةٌ» والكونُ «كلمة»، «فى البدء كان الكلمة»، وقد يكون فى الكلمة موتُ إنسان فاعل صالح يبنى مجتمعه. رجاء الجداوى، سلامتك يا حبيبتى.
نقلا عن المصرى اليوم

 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع