سليمان شفيق
كتبنا في تقرير سابق كيف ان الشعب المصري قام بستة ثورات ، وقامت النخب بعد الحكم بتغيير الدساتير ، اول وثيقة دستورية كانت بعد ثورة 1804 بقيادة الشريف عمر مكرم ، ولكن محمد علي الغاها وحكم مصر حكما مطلقا ، ومع الثورة العرابية 1882، تم اقرار دستور1882 ،ولكن بعد هزيمة الثورة العرابية تم الغاء الدستور، حتي قامت ثورة 1919 ، وتم اقرار الدستور العظيم 1923 ، ولكن بعد الخلاف قام الديكتاتورصدقي باشا بالغاء الدستور وعمل دستور 1930 ، وبعد نضال خمسة سنوات عاد دستور 1923 ، الا ان دستور 1923 تم الغائة من قبل حركة الضباط الاحرار 1952 ،وقام الثوار بعمل دستور 1956 الذي لم يطبق وتم بعدة دستور للوحدة بين مصر وسوريا بمناسبة الوحدة 1958 ، وبعد الغاء الوحدة الغي الدستور ووضع دستور مؤقت 1964 ، واستمر الامر حتي حكم السادات فقام بعمل دستور 1971 ، وبعد تحالف السادات مع الاخوان قام بتعديل دستور 1980واضاف المادة الثانية الشهيرة ، وفي حكم مبارك تم 2007 بتعديل دستور 1971 ، وجأت ثورة 25 يناير فقام المجلس العسكري بالغاء دستور 1971 وعمل اعلان دستوري في 19 أغسطس 2011 (غزوة الصناديق) وفي 2012 فاز الاخوان في الانتخابات النيابية ، وصعد محمد مرسي الي الرئاسة فقام الاخوان بعمل جمعية تأسيسية وتم تغيير الدستور ، وبعد ثورة 30 يونيو تم الغاء دستور الاخوان وعمل حمعية تأسيسية واقر دستور 2014 ، هكذا نجد ان تغيير الدساتير في مصر مرتبط بالثورات الشعبية ، وتغيير الحاكم ، ولم نجد اي اعتراض شعبي حقيقي الا ، عندما الغي صدقي دستور 1923، واقر دستور 1930.
ويصا واصف محطم السلاسل
كان دستور 1923 هو مفتاح السر لنضال المصريين من كل الطبقات.. هكذا يؤكد لنا د.عاصم الدسوقى، وفى اليوم الذى قبل فيه الملك فؤاد استقالة وزارة النحاس باشا عهد إلى إسماعيل صدقى تأليف الوزارةالجديدة، وكانت النية مبيتة عند تأليف الوزارة على إلغاء الدستور، وتلك كانت أمنية السراى فى ذلك العهد منذ وضع دستور 1923 وقد تحققت بعضها من قبل بأن عطلت الحياة الدستورية فعلا فى عهد وزارة زيور، ثم أوقف الدستور فى عهد وزارة محمد محمود وبعد أن قطعت مفاوضات النحاس-هندرسن، ونقم الإنجليز من حكومة الوفد بعد أن رفضت التوقيع على مشروع المعاهدة فرأت السراى ورأى معها الوصوليون والرجعيون أن الفرصة سانحة لإهدار حقوق الأمة الدستورية من جديد فتألفت وزارة إسماعيل صدقى على هذا الأساس،وكان تأليفها تحديا للشعب،واستهانة بحقوق الأمة.
ويستطرد د.الدسوقى: بدأت الوزارة عملها بتأجيل انعقاد البرلمان شهرا من يوم 21 يونيه ,1930 تماما مثلما فعلت وزارة زيور باشا 1924 ووزارة محمد محمود ,1928 ويضيف المؤرخ عبدالرحمن الرافعى فى (الجزء الثانى- فى أعقاب الثورة المصرية ثورة 1919):
وقد أراد النواب والشيوخ أن يجتمعوا فى البرلمان يوم 23 يونيه، وهو اليوم الذى كان محددا من قبل لانعقاد الجلسة، واتفق عدلى باشا رئيس مجلس الشيوخ والأستاذ ويصا واصف رئيس مجلس النواب على أن مرسوم التأجيل يجب أن يتلى على الشيوخ والنواب فى المجلسين. ولكن الوزارة اعترضت على ذلك، ولكن رئيسى المجلسين حددا يوم 21 يوليو أى بعد إنهاء فترة التأجيل، فطلب صدقى باشا من الأستاذ ويصا واصف أن يعطيه عهدا بألا يتكلم أى عضو من أعضاء مجلس النواب بعد تلاوة المرسوم، فرأى الأستاذ ويصا واصف فى هذا الطلب تدخلا فى شئون المجلس، وغضا من كرامته، ورفض إعطاء هذا العهد، فأرسل إليه صدقى باشا (يوم 23 يونيه) كتابا يصر فيه على أن يصله هذا العهد قبل الساعة الواحدة بعد ظهر اليوم ,وبدت فى كتابه لهجة التهديد والوعيد فلم يسع الأستاذ ويصا واصف إلا الرد بجواب مشرف رفض فيه طلب صدقى، فما كانت من الحكومة سوى أن أغلقت أبواب البرلمان، ووضعت حوله قواتها المسلحة، وربطت بابه الخارجى بسلاسل من حديد، وتقدم ويصا واصف وأمر بوليس البرلمان بتحطيم السلاسل، وسمى هذا اليوم «يوم تحطيم السلاسل» ودخل النواب قاعة الجلسة، وتلى مرسوم التأجيل، وأقسم النواب اليمين بالمحافظة على الدستور.
ومن يوم تحطيم السلاسل انطلقت المقاومة الشعبية لصدقى ودستوره، ويقول د.عاصم الدسوقى: أرسل عدلى باشا احتجاجا على صدقى باسم مجلس الشيوخ، وبعد إلغاء الدستور استقال من رئاسة مجلس الشيوخ، ورفض النظام الذى وضعه صدقى باشا، وأبى إقرار الدستور الصورى الذى ابتدعه، وكان من أركان المؤتمر الوطنى الذى قرر فى مايو 1931 لمناهضة دستور صدقى وعدم الاعتراف بالانتخابات التى جرت على أساسه.
د.عفيفى أن مصطلح الدستور التوافقى ظهر فى تلك الثورة 1930- 1935 لتقدم لنا ثلاثة دروس أساسية هى:
أولاً أن المصريين أدركوا أن الدستور لابد أن يكون توافقياً، معبراً عن كل عناصر ومكونات الأمة على قدم المساواة، ولا يوجد كائن من كان مهما بلغت قوته أو سطوته، حتى لو كان تحالف (الملك فؤاد، والديكتاتور صدقى، والمحتل البريطانى) يستطيع تهميش وقهر الشعب وتقديم دستور قطاع خاص.
ثانياً أن الدستور ليس مجرد لجنة تأسيسية تعده، بل هو مطلب شعبى ووثيقة تعبر عن عقد اجتماعى يجسد إرادة الشعب.
ثالثاً أن الدساتير فى مصر لم تكتب إلا بدماء الشهداء والجرحى وتضحيات المشردين والمعتقلين، فثورة 1919 التى أدت لتصريح فبراير 1922 الذى أكد على أن الدستور من حق المصريين، فولد من رحم الثورة دستور 1923 وأيضاً بدماء الشهداء والجرحى عاد دستور 1923 وألغى دستور صدقى بعد خمس سنوات من الكفاح من 1930 وحتي 1935.
هكذا ارتبط ثقافة الشعب المصري الدستورية بمسألة الحكم وليس العقد الاجتماعي ، بل ان التغييرات والتعديلات الدستورية تمت من محمد علي والخديوي توفيق وصدقي باشا وجمال عبد الناصر والسادات والاخوان ومحمد مرسي من أجل تكريس حكمهم .