الأقباط متحدون - رفعت عوض الله يكتب: موقف العلمانية من الدين
  • ١٥:٢٨
  • الثلاثاء , ٢١ اغسطس ٢٠١٨
English version

رفعت عوض الله يكتب: موقف العلمانية من الدين

مقالات مختارة | المصري اليوم

٢٧: ٠٨ ص +02:00 EET

الثلاثاء ٢١ اغسطس ٢٠١٨

العلمانية
العلمانية

ينظر الأصوليون للعلمانية على أنها مذهب يدعو للإلحاد وإنكار وجود الله، ومن ثم فهى مذهب ضد الدين وتعمل على تقويضه، والتحلل من قيمه ووصاياه، فهى دعوة للإباحية والفوضى الأخلاقية.

عملت الأصولية الدينية بدأب شديد وبطريقة منظمة على نشر وبث تصورها هذا للعلمانية فى نفوس الناس مستغلة تمكن العاطفة الدينية من قلوب الناس، واعتماد الناس فى بلاد الشرق على السمع فهم لا يقرأون ولا يُعملون عقولهم، ويسيطر عليهم الكسل العقلى فيستسلمون لما يُقال وما يسمعون فتتلون وجهة نظرهم بما يتلقونه عبر الفضائيات والوعظ فى دور العبادة وما يفتى به الشيوخ والقساوسة. وكلما كان الشيخ أو القسيس شهيرا وله جمهور يفضله ويحب سماعة كلما كان تأثيره كبيرا وما يقول به مسموعا ومعمولا به ومسلما به دون نقد أو تفكير!

بهذه الطريقة المحكمة صاغ الأصوليون مفهوم العلمانية فى أذهان الناس التى أصبحت بذلك مرادفا للكفر والإلحاد ورفض الله وأحكام الدين ودعوة خبيثة للتحلل والفوضى الأخلاقية!!

ولكن هل العلمانية كذلك وفقا لرؤية الأصولية؟ لنرى...
العلمانية ليست مذهبا فى الوجود وبالتالى ليس لها أن تدعو للإلحاد ورفض الدين.. العلمانية ببساطة منهج فى المعرفة فهى بوصفها طريقة فى المعرفة تفرق بين ما يمكن للعقل أن يعرفه ويحوز به معرفة علمية وما لا يمكن للعقل أن يعرفه.. العلمانية تفرق بين أمور العالم والدنيا والواقع المعيش فترصد فيها التحول والتغير والنسبية والتطور وبين ما هو وراء أو خلف هذا العالم المرئى وهو المطلق أو الله الذى لا نراه بعيوننا ولا نستطيع أن نُخضعه لفهمنا وتحليلنا وتبريرنا وبراهيننا، هذا يعنى أن المطلق يند عن عقولنا أى أننا لا نحوز معرفة علمية به كتلك التى نحوزها عن العالم المحسوس الذى فيه نعيش.

عدم امتلاك عقولنا لمعرفة علمية بالمطلق أو الله لا تعنى إنكار وجود المطلق أو الله، هنا يدخل دور الإيمان أو التسليم فنحن لا نستطيع أن نعرف الله معرفة علمية، أعنى معرفة كنه الذات الإلهية مثل معرفتنا بالظواهر الطبيعية التى مكننا العلم من سبر أغوارها.. نحن نؤمن ونسلم بوجود الله ولا نعرف طبيعة الذات الإلهية معرفة علمية.

وبهذا لا تكون العلمانية ضد أو نقيض أو رفض للدين.. العلمانية تقر بأهمية الدين وأن له دوره ومجاله الخاص.

كل هذا يعنى الفصل بين النسبى والمطلق بلا خلط.. العلمانية تعنى التركيز فى العالم المعيش بهدف تطويره وإخضاعه لحاجات الإنسان بالعقل والعلم.

العلمانية بقولها بعدم قدرتنا على امتلاك معرفة علمية بالمطلق هى تدعو للتحرر من وهم امتلاك الحقيقة المطلقة، تلك الحقيقة التى يؤمن الأصوليون بامتلاكها، ومن ثم يشنون حربا وعداء على كل مختلف ومخالف لهم، ويكفرون كل من لا يقرهم ويوافقهم على الوهم المتحكم فى عقولهم المغيبة «وهم امتلاك الحقيقة المطلقة» ويفتون بإهدار دمه وقتله.

الحروب الدينية عبر التاريخ، بكل مآسيها وضحاياها والدمار الذى خلفته، هى نتيجة منطقية لهذا الوهم «امتلاك الحقيقة المطلقة»،

الإرهاب الوحشى الأسود الذى تمارسه داعش وأخواتها هو نتيجة حتمية للإيمان بوهم امتلاك الحقيقة المطلقة.

العلمانية برفضها وهم امتلاك الحقيقة المطلقة تساوى بين كل العقائد ولا تحكم بصحة أو خطأ أى عقيدة فهذا ليس شأننا، وتحترم كل عقيدة وتعمل على إتاحة المجال لأصحاب العقائد المختلفة ليمارسوا عبادتهم وشعائرهم دون وصاية أو حجر، وتقر بحق كل طائفة دينية فى بناء دور العبادة الخاصة بها.. العلمانية بإنكارها وهم امتلاك الحقيقة المطلقة تفتح الباب واسعا ليعيش الجميع فى سلام فى إطار القانون وحقوق وحريات الإنسان.

العلمانية بهذه الكيفية ترى أن الدين شأن خاص بين الإنسان الفرد وربه، وبذا فى ظل العلمانية تصير الدولة بلا دين لكنها راعية لأديان مواطنيها على قدم المساواة.

من كل هذا نخلص إلى أن العلمانية ليست إنكارا للدين لكنها تقر بحق كل أصحاب العقائد المختلفة فى العبادة وتصادق على حرية العقيدة.. العلمانية دعوة ليعيش المختلفون فى سلام واحترام فينتفى التكفير والإرهاب والقتل.. العلمانية ترعى حقوق الإنسان وفى القلب منها حرية العقيدة.. العلمانية هى الحل.
نقلا عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع