كارثة الدير والإرادة البابوية
مدحت بشاي
٢٤:
٠٧
م +02:00 EET
السبت ١٨ اغسطس ٢٠١٨
كتب : مدحت بشاي
Medhatbe9@gmail.com
رُبَ كارثة تاريخية دموية بشعة قد تمثل بداية عهد جديد مُبشر بالأفضل لأمة أو شعب أو مؤسسة أصابت أي منهم بتبعات لها مرارة العلقم وسواد العتمة وهد الحيل .. نعم ، كان اغتيال رئيس دير أبو مقار حدثًا مُروعًا لبالغ قسوة الجناة في اتفاقهم على فعل الشر على أرض بيت من بيوت الله العظيمة ، وأن ضربتهم لمعلمهم الروحي النبيل الذي تسامح معهم فأجل تنفيذ العقاب الكنسي عليهم كانت في منتهى الوضاعة ، وأن يصل بهم الأمر أن يكون الحل الوحيد لتغطية مخازيهم هو التخلص من بيده المحاسبة في إنكار لوجود الإله العظيم الذي يراهم ، وهم من ماتوا عن دنيا الغدر والخيانة يوم وطأت أرجلهم أرض الدير ليعاينوا مجد الله .. نعم ، الحدث مُرعب ودلالات حدوثه كثيرة ، وما قد ينشأ عنها من تبعات سلبية على أكثر من صعيد لا مجال الآن للخوض فيها لاجترار مزيد من الأحزان ..
نعم ، رغم عتامات ذلك المشهد الحزين إلا أن رد الفعل الكنسي المتمثل فيما صدر من قرارات إدارية تنظيمية فورية ، وما صدر من تصريحات لقداسة البابا عبر عظة هامة قد حالفه التوفيق في أن تشكل مفرداتها بلسمًا مُطيبًا لأوجاع الناس مثلت جميعها توجه إيجابي جديد ظهر في :
• الشفافية والصراحة في التعامل مع الأزمة ..
• تفهم أن فساد البعض أو انفلاتهم لا يعني خراب المؤسسة ..
• أن الإدارة المؤسسية تعني اعتماد نظم الثواب والعقاب بكل حزم ..
• أن المؤسسة الكنسية هي مؤسسة مصرية و كيان له ارتباط وظيفي ووطني بكل مؤسسات الدولة ..
• أن المرجعية الفكرية والعقائدية ينبغي أن تستمد من تعاليم السيد المسيح فقط ، وأي اجتهادات تحمل منهجية فكرية لفصيل مقابل اجتهادات فصيل أخر لابد ألا تغادر مناطق الحوار العلمية لدعم تقريب آيات الكتاب المقدس لعقول وأفئدة الناس حتى لا تشكل أي بؤر للصراع في المستقبل ..
ولكن يبقى أن نسأل ، و الأسئلة تطرح نفسها :
• كان هناك ذلك الاهتمام الرائع من جانب قيادات الكنيسة في بداية حبرية البابا تواضروس الثاني بضبط منظومة الرهبنة بتنظيم مؤتمر للرهبنة في إطار إعلان قداسته الإسراع في تصحيح إدارة البيت من الداخل ... فلماذا تأجل التعامل الجاد لتفعيل توصيات المؤتمر ؟
• في حبرية سابقة لحبرية قداسة البابا تواضروس الثاني ، كنت أكتب وأكرر عبر مقابلات مع وسائط الميديا المختلفة ، و يكتب غيري من المعنيين بمتابعة الملف القبطي حول أمور تتعلق بإداريات كنسية كالمعنية بتطوير منظومة الإعلام الديني الكنسي وتحديثه .. التعامل مع منظومة الرهبنة العظيمة و التوقف عند ترهل الشكل الإداري والتعليمي فيها .. أن يبتعد الإكليروس عن مشاكل التعامل في أمور مالية قد تثير الشبهات أو تدفع بالفعل بعضهم لارتكاب أخطاء فيتم نسبها إلى كنيستنا العتيدة ..وتصويب وتطوير منظومة مدارس الأحد ، ورغم استشهادنا بكتابات " نظير جيد " الإصلاحية النقدية على صفحات " مجلة مدارس الأحد " ، وإلى حد إعادة بث مقاطع كبيرة منها في مقالاتي ، كان الرد دومًا " نرفض أي انتقاد بشأن إصلاح الكنيسة .. وأن الإصلاح يعني أن هناك حالة فساد وخلل .. والقول لوسائل الإعلام " دعوا هؤلاء .. إنهم ينعقون في سماء الكنيسة منذ زمن " ، فكان إصدار كتابي " علمانيون أقباط على أجنحة البوم " !! لاستعراض كل ما نأمله لكنيستنا العظيمة...فهل نذكر قداسة البابا تواضروس الثاني بتلك الأوراق القديمة وهو الذي قرر المواجهة والاعتراف بأن هناك سلبيات وتسيب في بعض الأحيان والمواقع ، دون إرجاء ، وحتى لا ننتظر خمس سنوات أخرى ؟
• في مقال لابن مدرسة " روزاليوسف " الكاتب البار الرصين الرائع " أسامة سلامة " الذي عاد للكتابة إليها بحماس .. كتب بعنوان " قرارات البابا التى تأخرت كثيرًا " مُذكرًا كنيستنا بفحوى مقال قديم له جاء فيه عقب ما تردد حول صراعات قيادات كنسية عام 2009 " فهل ما حدث داخل الكنيسة خلال الأيام الماضية يعبر عن روح الرهبنة وانكسار النفوس وسمو الأرواح؟ أم إن روحا شريرة تمكنت من البعض وجعلتهم يتصارعون من أجل عَرض الدنيا.. وإن الشهوات التى تركوها على أبواب الأديرة حينما قرروا بإرادتهم أن يكونوا رهبانا أصبحت تحركهم وتقودهم وبدلا من أن يسحقونها انتصرت هى عليهم .."..
ينتظر كاتبنا رئيس تحرير " روزاليوسف " الأسبق ونحن معه ما يمكن أن نطلق عليه " تفعيل الإرادة البابوية " بعد خمس سنوات مرت من زمن حبريته لتطبيق قراراته التي هي قرارات المجمع المقدس ، ولا نعاود سماع عبارات موجهة لأهل الفكر والرأي مثل " دعوهم ... " ، ولعلي أختم بما بدأت أن تكون الكارثة ربما سبب طيب لتجاوز أسباب التسيب والانفلات .. عاشت كنيستنا القبطية المصرية التي حفظها الله كل تلك القرون نبراسًا طيبًا لأنها بالفعل وكما أكد قداسة البابا بناء راسخ بني على الصخر ..