الزى والمظهر تمييز طائفى فى الأديان
مقالات مختارة | عادل نعمان
الخميس ١٦ اغسطس ٢٠١٨
حين هاجر الرسول من مكة إلى المدينة كان على علم كامل بالجغرافيا البشرية، والتركيبة الدينية والاجتماعية لمدينة يثرب، وطموحها فى احتضان دينه الجديد، حتى تقترب من قدر ومكانة مكة، وتكون فى مواجهة مع مركزها الدينى الذى يستأثر بالحج، ومن ثم مركزها التجارى، وكان على علم بالخلاف بين الأوس والخزرج، وما سيجده من صراع مع يهود المدينة، وإن كان قد استمالهم حين وصل بوثيقة «الصحيفة»، وصوم يوم عاشوراء، وكان هذا مؤقتا، فهو يعلم أن المواجهة قادمة يوما ما، ويعد ويجهز لها، وكان لزاما قبل المواجهة أن يبدأ بتغيير معالم الزمان والمكان ويصبغ الناس بصبغة إسلامية، يعزل فيه القديم عن الجديد، ويفارق بين زمانه وأزمان من سبقوه، وينسخ ما كان مألوفا، ولا يعتز المسلمون ويفخرون إلا بدينهم وزمنهم الجديد، ويكون هذا البناء الجديد منفصلا بلا روافد أو وصلات.
وكان بداية هذا الفصل وهذا القطع هو فصل المكان، وقد سمى مدينة يثرب أو اثرب «بالمدينة»، وكانت كفارة من يذكر اسمها القديم «يثرب» ترديد اسمها الجديد «المدينة» عشر مرات متتابعات، حتى يستقر على لسان القوم. أما الزمان فقد وصفوا زمن ما قبل الرسالة بالجاهلى، ورفاقه بالجاهليين، والتاريخ بالجاهلية، حتى يعزف الناس عن الارتباط والانتساب إليه، وذلك على الرغم من استمرار العمل بحدود وعادات اجتماعية، وقيم ومعاملات وطقوس دينية بعد البعثة، ونزلت قرآنا يتلى، كحد الحرابة وحد السرقة وطقوس الحج.
أما العزل والإقصاء «الثقافى» بدأت بقصر ومنع تسلل ثقافة اليهود إلى المهاجرين الجدد، أو الاقتراب منها، فلما حاول بعضهم التعرف على ثقافة وصحائف اليهود، غضب الرسول من الصحابة، وكان على رأسهم عمر بن الخطاب، حين حاول قراءة بعض من صحائفهم، فعزل المسلمون أنفسهم عن الأديان الأخرى، وكان من قبل فى مكة يقارعهم الحجة بالقرآن، وكان الجهاد جدليا، حتى هاجر إلى المدينة، (وقد وضعت الهجرة الخلاف بين النبى وقريش، خلافا سياسيا يعتمد على القوة والسيف، بعد أن كان يعتمد على الجدل قبل الهجرة وهذا هو رأى د. طه حسين)، وهو ما دفع النبى إلى تحصين دينه ورفاقه ضد قريش ومن له صلات بهم، حتى يكتمل الفصل، وبعده جلاء الغير.
أما ما كان من أمر الناس فقد نهى عن التشبه باليهود، فلما مر بصحابى يجلس جلوس اليهود ويده اليسرى خلف ظهره ومتكئ على الأخرى، نهره (أتجلس جلوس المغضوب عليهم)، وكان يختار أسماء جديدة لأصحابه إن كانت تمت للجاهلية أو اليهودية بصلة، وكان يطلب من الذين يدخلون الإسلام أن يغيروا هيئاتهم التى كانوا عليها، وكان أمر اللحية واضحا (أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى وخالفوا المشركين)، وهو شكل مغاير، ويميز المسلمين عن غيرهم، وقد قرر شكل اللحية بعد معرفته بشكل اللحى السائدة عند اليهود وغيرهم، ولم يكن هذا أمرا من الله أو تنزيلا أو تشريعا، (بل عرضه عليهم عند مخالطة البعض من الأمم الأخرى لتمييز المسلمين، فاستحسنوها وأخذوا بها ووافقوا عليها، وغالوا فيها وزادوا عليها وألبسوها لباس الدين) «الإمام محمد عبده»، وكانت أولى أن يكون أمرا من الله محددا قاطعا، لا يقبل القسمة أو الاختلاف، وقد كان سهلا ويسيرا أن تكون كل الأوامر الخلافية صريحة واضحة فى القرآن، وكانت أولى من غيرها. إلى الأسبوع المقبل.
نقلا عن المصري اليوم