الأقباط متحدون - قتل الأب جريمة مستمرة على مر التاريخ
  • ٢٠:٠٥
  • الخميس , ١٦ اغسطس ٢٠١٨
English version

قتل الأب جريمة مستمرة على مر التاريخ

مقالات مختارة | سليمان شفيق

٢٢: ٠٩ ص +02:00 EET

الخميس ١٦ اغسطس ٢٠١٨

سليمان شفيق
سليمان شفيق

جريمة دائمًا تتم مع سبق الإصرار والترصد، وهناك عوامل تاريخية وعلمية، مثل التاريخ من الاعتداءات الجنسية التى تمت للابن القاتل، وقد اهتم العلماء بذلك ومنهم وليكتينوالد وما كينزى، أو الغش الذى يعيشه الابن القاتل مع ما كان يعتقده، وديناميات سياسية ونفسية كثيرة أخرى.. ويعج التاريخ بصور كثيرة لقتل الابن أو الابنة للأب، مثل قتل توليا والدها لتأمين العرش لها، لوسيوس هيستيوس أول قاتل لأبيه فى روما، ومارى بلاندى فى إنجلترا 1751 بالزرنيخ، وغيرهم.
 
بدأت تلك الأفكار فى النشوء من تناول سيجموند فرويد للأسطورة الإغريقية وأسماها عقدة أوديب، كطرح للمشاعر والأفكار والأحاسيس الجنسية المكبوتة، ومن ثم ظهرت تلك المدرسة النفسية، وتعود الأسطورة إلى أنه حينما ولد أوديب أخذه ملك كورنثيا والذى رباه تربية الأمراء،  ولما كبر أوديب أراد أن يعرف موطنه ومولده ولكن العراف لم ينصحه بذلك أى العودة إلى بلاده، وقال له إن هناك خطرًا ينتظرك وستقتل أباك وتتزوج أمك ولم يأبه أوديب بذلك، وقرر أن يغادر كورنثيا ويذهب إلى طيبة موطنه الأصلى، وفى الطريق صادف رجلًا تشاجر معه واشتدت المشاجرة حتى قتله، ولكنه لم يعرف أنه قتل أباه.
 
ونتيجة لذلك صار ملكًا على طيبة وتزوج الملكة دون أن يعرف بأنها أمه وأنجب منها طفلة واحدة، عندها جاء العراف وأبلغه بالحقيقة المرة، فعندما عرفت زوجته التى هى أمه الحقيقة شنقت نفسها، أما أوديب فقد فقع عينيه وغادر طيبة مع ابنتهِ التى ولدتْها أمُهُ وهامَ ليعيشَ بقيةَ حياتهِ فى البؤس.
 
هكذا رأى فرويد الأسطورة: أحاسيس جنسية مكبوتة لدى الطفل تجاه والده الذى لا يكون من نفس جنسه، تكون هذه الأحاسيس مدموجة بسباق مع الوالد من نفس جنسه، يعتبر هذا الأمر مرحلة سليمة فى تطور الطفل، والتى كان فرويد أول من وصفها. فى نهاية هذه المرحلة، تختفى الأحاسيس الجنسية تجاه الوالد من الجنس الآخر ويزداد الشعور بالتضامن مع الوالد من نفس الجنس. يعتقد بأن التوقف عن التطور فى المرحلة الأوديبية مسؤول عن المشاكل الجنسية وسلوك عصابى آخر. 
 
كما كتب فرويد عن قتل الأب عند الأديب الروسى العظيم ديستويفسكى قائلا: «لعل دستويفسكى الكاتب هو أقل هذه الوجوه إثارة للجدل: فمكانة دستويفسكى تكاد تقارب مكانة شكسبير». والأخوة كارامازوف قد تكون أعظم رواية كتبت على الإطلاق، وعرض شخصية المحقق الكبير، فى هذه الرواية، هو أحد قمم الأدب العالمى. لكن المحلِّل ليس بوسعه، مع الأسف، أن يلقى السلاح أمام الإشكالية التى يثيرها ذلك الأديب المبدع.
 
أما الجانب الأخلاقى عند دستويفسكى فهو أكثر الجوانب قابلية للتناول، فالأخلاقى هو من يتفاعل مع الإغراء بمجرد أن يشعر به، ولكن من دون أن يستجيب له، أما من يخطئ بصورة مستمرة، ثم يقدِّم خلال توبته متطلبات أخلاقية عالية، فإنه يترك نفسه عرضة لنقد يقول إنه جعل الأمر سهلًا، لأنه لم يحقق ما يتطلبه منه جوهر الأخلاق، الذى هو الأحجام؛ فالسلوك الأخلاقى فى الحياة له أهمية عملية بالنسبة للإنسانية.. هكذا فن النتيجة النهائية للصراع الأخلاقى لدستويفسكى لم تكن شيئًا عظيمًا على الإطلاق.
 
لأنه بعد كلِّ تلك الصراعات الحادة التى حاول من خلالها التوفيق بين المتطلبات الغريزية للفرد والمتطلبات الجماعية، نراه يصل إلى حالة انطواء، تجلت بخضوعه التام لكلا السلطتين الزمنية والروحية، أى إلى توقير القيصر والإله المسيحى، وهذه هى نقطة الضعف الأساسية لتلك الشخصية العظيمة.
 
ما يفسِّر هذا التناقض هو إدراكنا بأن غريزة الهدم القوية عند دستويفسكى، والتى ربما كان من الممكن أن تجعل منه، بسهولة، مجرمًا، كانت موجهة فى حياته الفعلية ضد شخصه بالدرجة الأولى أى «نحو الداخل بدلاً من أن تكون موجهة نحو الخارج». وهذا كان يجد التعبير عنه فى النزعة الماسوشية والإحساس بالذنب.  ومع ذلك فإن التوازن بين المتطلبات الغريزية، والموانع التى تعارضها «ومن ضمنها وسائل التسامى المتوفرة»، يجعل من الممكن تصنيف دستويفسكى «كشخصية غريزية». لأنه من المستحيل عليه أن يتغاضى عن أى من تلك الصعوبات الفكرية التى يؤدى إليها الإيمان.
 
فإن لم يتمكن، فى نهاية المطاف، أن يحقق حريته، فقد حدث ذلك لأن الشعور بالذنب تجاه الأب، والموجود لدى الكائنات البشرية عامة، والذى يستند إليه الشعور الدينى، قد بلغ عنده درجة فائقة فى شدتها، ما جعل من غير الممكن، رغم ذكائه العظيم، أن يتغلب عليه.
 
ومن فرويد إلى ما ترجمه الباحثان حسام هاب ويوسف الكلاخى، فى دراستهما المعنونة بـ«ثورة مايو 1968 الطلابية» والمنشورة فى موقع مركز الدراسات العلمانية، «جيل 1968»، رأى أن الذين عاشوا الحرب «أى الجيل الأكبر حينذاك» لديهم رؤية منغلقة لدى العالم والمجتمع والأخلاق، منغلقة لدرجة العجز عن طرح المستقبل، ولهذا السبب الوحيد حدث الانفجار.
 
«هكذا.. قتل الأب تيمة تجددت وظهرت فى أوروبا بعد ثورة الشباب الفرنسى 1968 وفشل الثورة أدى لبروز «الهيبز» ثم الانتحار الجماعى.. لذلك المجتمعات الأبوية المغلقة.. دون رؤية متجددة.. تؤدى لقتل الأب والهيبز والانتحار والفوضى والإلحاد وظهور الوجودية».
 
هكذا فإن قتل الأب من فرويد وصولا لثورات ما سمى بالربيع العربى مرورا بشخصيات وكتابات ديستويفسكى، لاتتوافر الجريمة إلا فى شخص تعرض لانتهاكات فى طفولته ثم تربى تربية أخلاقية انقلب عليها ليقتل الأب كتجسيد لمحاولة إسكات صراعه الغريزى الداخلى، وغالبًا يحاول كل قاتلى أباءهم الانتحار الفاشل لشعورهم بالذنب والصراع بين التكوين الأخلاقى والشعور بالذنب.
نقلا عن اليوم السابع

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع