بقلم د. أشرف شاهين
هناك الكثيرون الذين يحملون المجلس العسكري مسئولية هذا الفشل القانوني الموجود حاليا في مصر، وهناك من يحمل مسئولية هذا الفشل لمجلس الوزراء ولشرف شخصيا ، و البعض يكاد يكون متأكدا بل يحلف لك ألف حلفان أن المسئولين المتواجدون الان على قمة هرم السلطة ليسوا سوى فلول وأعوان لمبارك ،
ولكن الناظر إلى أحوال مصر على مدى العقود الأربعة الماضية يدرك بما لا يدع مجال إلى الشك ، أن المسئولية الكبرى لهذا الفشل تقع على عاتق الشعب نفسه ، سوف تستغرب من نتيجة تحليلي هذا وتصرخ في وجهي قائلا حتى القتيل تريد أن تجعل منه جانيا ،
أجيبك بنعم
نعم لان مصر في يومنا هذا وبعد ثورة 25 يناير وكانت كذلك قبلها ،تنقسم إلى دولتين مصريتين تتعايش فوق نفس الأرض
الدولة الاولى هى دولة الشعب دولة عامة المصريين ونسبتهم تتجاوز الثمانين في المائه ،وهؤلاء هم أصحاب ثورة 25 يناير ومفجروها ، أصحابها لأنهم غامروا بأنفسهم ولا أستطيع أن أقول بأموالهم فهذه الطبقة هي الطبقة المتوسطة والفقيرة التي لا تكاد أن تمتلك أى أموال ،وأنا أذ أقول الطبقة المتوسطة فلا يعني هذا بأى حال من الأحوال أنهم إناس كانوا تعيشون حياة متوسطة وعادية مثل باقي دول العالم بل أنهم يقبعون تحت خط الفقر أيضا بالمعنى المتعارف علية دوليا هم فى عداد الفقراء ،تلك الطبقة هي التي كانت ومازالت تدفع فواتير ومصاريف دولة المصريون الباشوات الذين يمثلون نسبة 20 في المائه ،
وهذه الفئه اللتى أذا صح التعبير عليهم مجازا هم دولة الشعب هم من يدفعون ولا يأخذون شيئا ،و دولة الثمانون بالمائة هذه لم تمتلك منذ أكثر من خمسين عاما بل أشك بأنهم إمتلكوا زمام أمورهم وأمور دولتهم أو اقتصادهم منذ ألاف السنين ،اؤلئك هم وقود مصر أؤلئك هم شباب وشعب مصر الأصلي،أؤلئك هم الضحايا في جميع العصور والأزمنة حتى في زمان ثورتنا هذه .
أما الفئه الاخرى التي كما قلنا تمثل العشرين في المائه فهؤلاء هم المصريين الذين يحلوا للبعض إطلاق لقب هاي كلاس أو طبقة البشوات عليهم ،تلك الفئه لها عادتها وتقاليدها المختلفة ولها أسلوب مختلف كذلك في التفكير عن باقي المصريين ،تلك الفئة في حقيقة الأمر هي الفئه اللتى كان لها السبق دائما فى تدميرمقدرات مصر الإقتصادية تلك الفئة اللتى دائما ما تأخذ ولا تعطى ،ولعل الخراب لا ياتي فعليا الا من جراء تصرفات هذه الفئة ،فهم يعتقدون أنهم من طينة أخرى غير طينة باقي المصريين ،وأن اصولهم تتنامي إلى أصول أخرى ليست بمصرية ،وأن من حقهم إدارة مصر ونهب اموالها بالطريقة التي تروق لهم ، من بين هذه الفئه ينبع الكثير من اساتذة الجامعة وضباط الشرطة وكبار التجار والسفراء و رجال المال والبنوك ،والقضاه والسياسيين سواء كانوا من الحزب المنحل أم من المعارضة ، وألئك يعضون أزر بعضهم البعض تحت أي ظرف ما ، فهم يعتبرون أنفسهم عائلة واحدة ، و لعل هذا يجيب عن الأسئلة المطروحة من الجميع حاليا لماذا لم يحاكم حسني مبارك حتى الآن ،ولماذا سمح بالهرب لرجال الأعمال والوزارء السابقين إلى الخارج ، ولماذا كل هذا البطء في محاكمة المسئولين مع توافر كل هذة الأدلة الواضحة ،
وهنا نصل بأنفسنا الى قمة السؤال التراجيدي الا وهو لماذا تم إطلاق سراح الضباط المتهمون بقتل الشهداء ومن المسئول عن كل تلك المراوغات ؟
أقول أن المسئول الأول هو الشعب المصري شعب دولة الثمانين في المائة
لماذا ؟ لأنه عند قيامه بالثورة ،لم يستكملها ووقف موقف المتفرج بعد سقوط نظام العشرون في المائه، وقف معتقدا أعتقاد خاطئ بأنه بسقوط مبارك شخصيا فقد تم الانتصار وأن الدولة بعد ذلك سوف تنصلح أحوالها أوتوماتيكيا بما في ذلك أحوال العشرون في المائه ،بل توهم بان فلول مبارك اعدادهم قليلة وأنهم إنهزموا وسيراجعون أنفسهم وينصهرون في الثمانين في المائه ويصبح الشعب المصري نسيج واحد ينعم بالتغيير والشفافية والاصلاح ،كانت نظرتكم متفائلة جدا وغير واقعية ،لأنه من الصعب إصلاح الفلول وتقويمهم بسبب قيام ثورة فقط ، ففشل دولة الشعب يرجع الى أسباب أهمها توقفهم عن إدارة البلاد وتسليمها من جديد لأعضاء جدد من تلك الفلول تحت مسميات أخرى ،
في تاريخ الثورات هناك فرق كبير في نتائج الثورات تحدده اللحظات القصيرة التي تتبع الثوره مباشرة ،و في هذه اللحظات عادة يتم أتخاذ أصعب القرارات الا أن هذه القرارات الصعبة تعد من اساسيات الثورات، هذة القرارات تتضمن التصفيات السريعة لرموز وقواعد النظام السابق وطرد جميع المسئولين الذين كانوا يمثلون ذلك النظام وتعيين أفراد من داخل رموز الثورة ، التصفية الفورية للنظام المالي القديم ،تصفية الجهاز الأمنى كاملا،تصفية الجهاز القضائي كاملا ،
ثم البدأ الفوري في انشاء هذه الأجهزة على أسس جديدة شفافة وعادلة . كما حدث في الثورة الجورجية التي قام زعيم المعارضة يومها بتسريح 180000 ألف شرطي من جهاز الأمن ،أو كما حدث في أوكرانيا أو في رومانيا .
كان فشل شعب الثمانين في المائه الذين قاموا بالثورة في تنفيذ قواعد الثورات الأساسية وتسليم زمام الامور إلي وجوه جديدة في مجموعة العشرون في الميه ،هو ما اخفق نتائج الثورة ، فمثلهم كمثل شاب من عائلة ثرية مر بسيارته مسرعا على أحد المناطق الشعبية فصدم طفلا فثار الأهالي وذهبوا إلى مقر الشرطة الذي يتم فيه التحقيق مع هذا الشاب وقام بالقوة باخراج هذا الشاب من القسم ،وبدلا من أن يحاسبوه سلموه إلا مديرية الأمن بالمحافظة التي يعمل بها أقاربه كمسئولين إعتقادا منهم بأن المحافظة سوف تعاقبه عقابا عادلا ،وبعد مرور أشهر أخذوا يحتجون لبطئ الاجراءات وأسباب عدم محاسبة الشاب إلا الآن ،
ولكن مع كل هذا فالأمل مازال موجودا مازال هناك من يدركون ويصححون أخطائ