دخلت علىَّ سكرتيرتى منزعجة وهى تقول: هناك خنزير فى الخارج يطلب مقابلتك! قلت: وما الغريب فى ذلك؟ إن الخنازير يأتوننى كل يوم، قالت: لا لا هذا خنزير حقيقى! قلت: هل بقى فى البلاد خنازير حقيقية؟ ألم تقض الحكومة عليها جميعاً؟
قالت: لا أعرف، كل ما أعرفه هو أن هناك خنزيراً فى الخارج وهو يلح لمقابلتك، قلت: أدخليه.
وقبل أن أنتهى من كلامى كان الخنزير يدفع الباب ويدخل مكتبى وفى انفعال شديد قال: أنتم مدينون لنا باعتذار، فالتاريخ سيحاسبكم كما يحاسب كل من يرتكبون جرائم الإبادة الجماعية. قلت: اهدأ قليلاً حتى نستطيع التفاهم، أتشرب كوب عصير ليمون؟ فأصدر الخنزير بعض الأصوات التى اشتهر بها والتى تجعلك تتصور أنه ربما من منشأة مدينة الإسكندرية،
ثم قال: ليمون إيه يا أستاذ؟ أنا لم أتكبد مخاطرة السير فى الطريق العام والحضور إلى مكتبك لأشرب ليمونا، أنا أحدثك عن مجزرة جماعية، عن حرب إبادة، فتعرض علىّ عصير ليمون. ثم كرر ذلك الصوت الخنازيرى البذىء. فقلت: أنا لا أستطيع أن أتفاهم بهذه الطريقة، احترم نفسك أو سأنهى المقابلة.
قال الخنزير وقد ارتفع صوته قليلاً: وهل احترمتم أنتم أنفسكم؟ هل احترمتم المنطق؟ احترمتم عقول الناس؟ هل احترمتم الطبيعة التى خلقها رب العالمين؟
قلت: ما كل هذا؟ إنك تشعرنى بأننا الذين ارتكبنا «الهولوكوست»، قال: لقد فعلتم، ولكن مع الخنازير.. ألم تقيموا لنا المجازر؟ ألم تحاولوا القضاء علينا؟ ألم تعملوا على إبادة سلالتنا وهى سلالة محلية تختلف عن سلالات الخنازير الأخرى فى العالم.
قلت: لكنك تعرف أننا كنا مهددين بنوع مفترس من الأنفلونزا يأتى عن طريق الخنازير، لذلك كنا نحاول حماية المجتمع بأسره من هذا الخطر.
قال: ها أنت تعود إلى المغالطات الرسمية التى أطلقتها حكومتكم الرشيدة فجعلتكم أضحوكة العالم. من قال إن أنفلونزا (H١N١) التى تسمونها أنفلونزا الخنازير يتم القضاء عليها بإبادة الخنازير؟
قلت: العالم كله قال ذلك، قال: هراء، ولو كان هذا صحيحاً فلماذا لم تقض بقية الدول على سلالات الخنازير بها.. هل ستظلون دائماً جاهلين هكذا؟
القضاء على أى مرض يكون بالإجراءات الوقائية التى حددتها منظمة الصحة العالمية، والتى لم يكن من بينها القتل الجماعى للخنازير.
سكتُّ قليلاً ولم أرد، فمنظمة الصحة العالمية فيما أصدرته من إرشادات صحية للعالم لم تتحدث على الإطلاق عن قتل الخنازير.
لكن الخنزير لم يسكت حيث واصل كلامه قائلاً: الآن ها هى أنفلونزا (H١N١) قد وصلت إليكم، فمن أين جاءت؟
هل نحن الخنازير الذين أتينا بها؟ لقد أبدتم مئات الآلاف من سلالتنا العريقة ومع ذلك فهذه المجزرة الوحشية التى سيحاسبكم عليها التاريخ لم تمنع وصول الوباء إلى مصرنا الحبيبة التى هى بلدنا كما هى بلدكم، فكيف وصل؟ لقد جاءكم المرض من بشر مثلكم، فماذا ستفعلون الآن؟ هل ستقضون على البشر أيضاً اتساقاً مع حلولكم العبقرية السابقة؟
قلت بعد لحظة تفكير: نحن فعلاً مدينون لكم باعتذار، لكن حكومتنا الرشيدة لم تكن قد تمكنت بعد من القضاء على كل سلالتكم بدليل وجودك معى الآن، وخلال سنوات قليلة ستتكاثرون ويعود تعدادكم إلى سابق عهده، ويا دار ما دخلك شر.
قال: هذا أمر مشكوك فيه، فنحن مهددون الآن بالانقراض.
قلت: كيف ذلك؟ قال: إنكم تحملون الآن الفيروس فيما بينكم، ومن الممكن أن تصلنا العدوى عن طريقكم وفى هذه الحالة لن نجد من ينقذنا، لقد أصبحتم أنتم الآن مصدر الخطر وليس الخنازير، لذلك فقد قررنا أن نستعير عبقرية حكومتكم ونطبق نفس إجراءاتها الوقائية، وذلك بأن نقتل البشر حتى نحمى أنفسنا.
قلت: هذا ظلم فادح، قال: لقد عملتم على إبادة الخنازير رغم أننا لم نكن مصابين بالمرض، ثم لا تريدون لنا أن نقضى عليكم رغم أنه تأكد أنكم تحملون المرض؟ ألم أقل لك إنكم تفتقرون إلى المنطق وإلى التفكير السديد؟
قلت: وما العمل؟ قال: العمل هو أن نقضى عليكم لنخلص الدنيا ليس فقط من الأنفلونزا التى بدأتم تنشرونها فيما بينكم، ولكن لنقضى على الوباء الأكبر الذى هو جهلكم وعدم قدرتكم على إعمال المنطق والتفكير السديد والاعتماد على عبقرية قرارات حكومتكم الرشيدة، وهذا أخطر من الأنفلونزا التى ألصقتموها بنا.
نقلا عن جريدة المصري اليوم |