الأقباط متحدون | في الصميم
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ٠٩:٠٤ | الأحد ١٠ يوليو ٢٠١١ | ٣أبيب١٧٢٧ ش | العدد ٢٤٥٠السنة السادسة
الأرشيف
شريط الأخبار

في الصميم

الأحد ١٠ يوليو ٢٠١١ - ٠٠: ١٢ ص +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

بقلم: أحمد صبح

إن الإنسان جزء من عائلة إنسانية يمكن أن يقوم بينها روابط الاحترام والمنفعة والمشاعر بما يؤكد وحدة الجنس الإنساني بأكثر من معنى، لذا لابد من اجتياز بحر الظلمات بالخيال، ونعبر إلى ما بعد سد يأجوج ومأجوج، بهدف اكتشاف ما ظل في حاجة إلى الكشف، باحثين عن الأشباه والنظائر بحثنا عن المختلفات والمتباعدات، مؤمنين أن وراء التنوع اللا نهائي والتباين اللا محدود نوعًا من الوحدة التي تنفي عنا اغتراب المكان والزمان في تحولات الوعي ما بين أقاليم المعمورة. لذا فإن من أوجب الحق ألا نذم من كان أحد أسباب منافعنا، وإن غيرنا انساب وشركاء لنا فيما نفيده من ثمار فكرهم، وينبغي ألا نستحي من استحسان الحق واقتناء الحق. من أين أتى؟ وإن أتى من الأجناس القاسية عنا والأمم المتباينة فإنه لا شيء أولى بطالب الحق من الحق. وإذا كان الكل يشرِّفه الحق فلابد ألا يبخس الحق ولا يصغر بقائله. ويحسن بنا إذا كنا حريصين على تتميم النوع الإنساني أن نعي ما نأخذ وأن نضيف إليه، وأن نتمم ما لم يقل فيه الآخرون على مجرد عادة لساننا وسُنة زماننا؛ لأنه لابد من التأكيد على الطابع المشترك للعقل الإنساني، والذي يعلو على تباين الديانات واختلاف العقائد، وعلينا أن نستعين على ما نحن بسبيله بما قاله من تقدمنا أو عاصرنا، وسواء كان هذا الآخر مشارك لنا في الملة أو غير مشارك في الملة، فإن الآلة التي تصح بها التزكية لا يعيبها كونها آلة المشارك في الملة أو غير مشارك إذا كانت تستوفي شروط الصحة.

 

بعض الناس لا يرى إلا وجهًا واحدًا من الحقيقة ذات الأوجه المتعددة، فتتوهم العين أن رجل الفيل هو الفيل كله، وأن ما عداها لا وجود له ولا حضور. ولكن بمقدار الإتساع في المعرفة وشمولها وعمقها يكون مقدار السماحة.

 

 

لذلك قالوا: "من كثر علمه قل إنكاره"، فالحقيقة نسبية لا نهائية، وإنها تتغيَّر بتغير أدواتها وتزداد غنىً بالحوار حولها وتقبُّل الاختلاف فيها. فالاختلاف في المعرفة علامة ثراء. وبالعكس، فإن من علامات تسطح المعرفة؛ العنف بالتي هي أقمع لا المجادلة بالتي هي أحسن!!

 

إن هذا الفهم الواسع يشجعنا على الاجتهاد بتعددية المعنى، وإنه باستطاعة المعاني أن تتعايش بعضها مع بعض دون حاجة إلى تقديم معنى لحساب آخر؛ لأنه كلما تعدَّدت المعاني كان عالمنا أفضل، خاصة أننا نعيش في عالم أصبح فيه الإتصال هو شعار العصر، هذه واحدة. والثانية: يجب أن نعلم أن البحث في العلوم الإنسانية يختلف عن العلوم التطبيقية والنظرية، ففي الأخيرة يستطيع عالم الرياضيات مثلًا أن يكتشف نظرية جديدة يعبِّر عنها بمعادلة جديدة بالكامل تعطيه حق الصياح بصوت عال "وجدتها!"، تمامًا كما فعل "أرشميدس" لحظة اكتشافه قانون الطفو. أما في العلوم الإنسانية فإن الأمور لا تتطوَّر بهذا الشكل، ولا تحدث عمليات اكتشاف فجائية وجديدة بالكامل، بل هناك مجموعة من الدوائر تزيد مناطق التداخل فيما بينها على مناطق التباعد والاختلاق. من هنا فإنني ببساطة أرى في إتصالنا الحتمي بالآخر يجب ألا ننسى الاختلاف معه حتى نستطيع أن نتعايش ونتجرَّد من الأنا، وأن الآخر له نفس الحقوق التي لنا تمامًا في التوافق والاختلاف. لذلك فالإنسان الكامل هو الذي يشعر بالاغتراب الكلي الكوني عندما يبتعد عن الآخر.

 

إن ديناميكية المشهد المصري يقوم على التعددية وليس على الأحادية، وهكذا العالم أيضًا الذي نعيش فيه، فمن هنا لابد أن نسلِّم باستحالة الحلم بأحادية النظرية؛ لأن الحقيقة كما نقول نسبية، وأي محاولة من أجل انطواء الناس جميعًا تحت لواء نظرية واحدة هي محاوله فاشلة ومستحيلة وضد طبائع الأشياء. لذلك فأنا لا أرفض الصراع من أجل المبدأ، فهو يثري المعرفة والحقيقة، ولكنني أرفض الفوضى التي تزيد من احتمالات الضياع، خاصة إذا تحوَّل هذا الصراع من أجل الهيمنة والسيطرة على الجماعات الأخرى، لذلك فإن مفارقة لا تُخفى على أحد أنه لابد من أن نخلق تعددية صحية تثري الواقع المصري، تتعدَّد فيها الاختيارات والبدائل، إما الصراع الذي يحاول فيه البعض أن يخنق الآخر، وأن يخلق أحادية جديدة في مكان في العالم الآن للفكر الأحادي.

 

 

إن نسبية الحقيقة تؤدي إلى التعددية التي تُثري الواقع المصري، من هنا فإن وقوف الصراعات عند حد الاختلاف شيء جميل، بدل من الانهماك في النص النقدي للآخرين، وفرض السيطرة عليهم.

 

إننا يجب أن نكون أكثر ديمقراطية، ونتوقف عن إملاء مذاهبنا للآخرين المشاركين معنا في الوطن والإنسانية، وإيقاف حملات الاستفزاز والتشمير والتجهيل والإتهام بالتحقير ضد الآخرين؛ من أجل مواطنة أكثر سعادة، ونلتقي جميعًا تحت مظلة واحدة، من أجل إدراك عملية البناء، دعمًا لإنسانيتنا المشتركة في هذه الرقعة الواسعة من العالم والمسماة بالأرض، الأمر الذي يساعدنا على الوئام في بلدنا "مصر". فالحقيقة إن العالم يتقدَّم، وقد اختزل المكان في الزمان، ولم نصنع التاريخ إلا إذا ساهمنا في الحضارة الإنسانية، مؤمنين بالطابع المشترك للعقل الإنساني.




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
تقييم الموضوع :