الرهبنة بين مقتل يوحنا المعمدان ورئيس دير ابو مقار
جمال رشدى
الاثنين ٦ اغسطس ٢٠١٨
جمال رشدي
لم تكن الرهبنة وليدة ظهور المسيحية في مصر، بل كانت له دلائل واشارات في العهد القديم فهناك بعض الأنبياء عاشوا حياة نسك الرهبنة بعيداً، عن مشتهيات ورغبات العالم، حاملين رسالة السماء للانسان
كانت البداية عند ايليا النبي في العهد القديم الذي كان بتولا غير متزوج وذهب الى جبل سيناء وكلمه الله وقال له امْسَحْ أَلِيشَعَ بْنَ شَافَاطَ عوضاً عنك وعرفه انه سوف يختطف الى السماء ،
وعندما نزل السيد المسيح علي الارض، حاملاً رسالة الخلاص والفداء للبشرية، كان متجرداً من جميع مغريات العالم فلم يكن يملك شيئاً، بل قال عن نفسه إن أبن الانسان ليس له مكان يسند رأسه فيه،وكان كان يجول يصنع خيراً ويذهب إلى البراري والصحراء لكي يصوم ويصلي، وايضاًالسيدة العذراء البتول مريم التي عاشت حياة البساطة والتقشف والنسك الحقيق.
وجاءت إشراقة الرهبنة في فجر المسيحية علي يد يوحنا المعمدان. فقد كتب في إنجيل معلمنا لوقا البشير "كَانَتْ كَلِمَةُ اللهِ عَلَى يُوحَنَّا بْنِ زَكَرِيَّا فِي الْبَرِّيَّةِ فَجَاءَ إِلَى جَمِيعِ الْكُورَةِ الْمُحِيطَةِ بِالأُرْدُنِّ يَكْرِزُ بِمَعْمُودِيَّةِ التَّوْبَةِ لِمَغْفِرَةِ
ومن هنا نلاحظ إن يوحنا المعمدان المؤسس الروحي لحياة الرهبنة قد قتل علي يد هيرودس الملك، لانه قال الحق عندما قال له لا يجوز لك ان تتزوج امرأة اخيك، ومن ثم تم تسليم السيد المسيح الرمز الحقيقي لحياة الرهبنة إلى القتل والصلب علي يد اليهود.
تأسست الرهبنة فى القرن الثالث الميلادي عندما خرج رجل مسيحى أسمه بولا للصحرا، واعتكف هناك للتعبد والصلاة، ثم ظهر بعده القديس المعتكف الأنباء أنطونيوس، والأنبا باخوم مؤسس الرهبنة الجماعية «رهبنة الشركه الكينوبيتية». وكان الالاف من الاقباط التفوا حول حركة الرهبنة، لكن كان بينهم ناس عاديين من عامة الشعب، جاءوا هربا من احكام قانونيه ظالمه كان يمارسها الرومان على المصريين فى المحاكم المختلطه وغيرها، فلجأوا هولاء الأشخاص للرهبنه فى صحارى مصر كوسيله للاحتجاج والمقاومه للمحتلين الرومان.. وهناك ثلاثة أنواع من الرهبنه فى مصر: رهبنه التوحد وفيه يسكن الراهب منفردًا، وأسسه القديس الأنبا أنطونيوس وتفرعت منه صورة خاصة كالحبساء والسواح
. والثانية رهبنه الشركة: أنشأه القديس الأنبا باخوميوس وفيه يحيا الرهبان جماعات يصلون الصلوات المختلفة مجتمعين، وينقسمون فى العمل إلى فرق حسب عمل أياديهم. ومن هذا النظام أنشأ القديس شنودة أديرته، وكان فيها نظام الشركة فى الحياة، والارتباط بخدمة الكنيسة ارتباطًا كبيرًا داخل الدير وخارجه.
والثالثة الفردية المترابطة: أى الحياة الفردية فى تناسق مع الجماعة وأنشأه القديس الأنبا مغاريوس، وفيه عاش البعض فى قلال منفردين، وبعضهم عاش جماعات، وكانوا يجتمعون مساء كل سبت فى الكنيسة يستمعون لتعليم الشيوخ، ويسبحون حتى الصبح ثم يحضرون القداس ويتناولون الطعام سويًا صباح الأحد. وفي طقس رسامة الراهب يحضر الشخص الذي يريد أن يترهِّب، وتوضع ثيابه على المذبح من العشية إلى الصباح لتحضر صلاة نصف الليل وصلاة باكر، ثم يقوم رئيس الدير برشمه باسمه الرهباني الجديد، ويقضي تلك الليلة في الصلاة ساهرين. وبعد صلاة باكر يرقد الشخص الذي يريد أن يترهِّب على الأرض مثل الميت، أمام الهيكل، ويُفْرَش عليه ستر وتبدأ الصلوات والتي يتخللها صلاة الراقدين (الموتى) حيث إن مَنْ ترهبن مات عن العالم، ويُكَرَّس الأخ ليصبح راهبًا
وهناك ثلاثة مبادى للرهبنة وهم: الفقر الاختيارى والعفة والطاعة، ومن خلال تواجده داخل الدير لا يلجأ الى متع الحياة وما بها بل يكون فقيرا فى شهواته وانكار نفسه والصلاة دائما الى الله. كما انه ايضا يكون لديه عفه فى طباعه وكلامه من خلال الصلاة الدائمة، ويكون مطيعا للاباء داخل الدير ولآيات الكتاب المقدس.
ومنذ زمن طويل دخلت الرهبنة في قيادة الكنيسة المصرية، ومع انتشار ثورة المعللومات والزحف العمراني على الاديرة المصرية، وتحول تلك الاديرة الي مزارات سياحية للوافدين من حدب وصوب ودخولها في المشروعات الانتاجية لسد حاجة العوز، كل ذلك جعل هناك سؤال مطروح من الكثيرين، وهو هل الرهبنة ما زالت حياة االنسك والقداسة والتجرد، والدخول في عمنق النعمة الالهية ام تلك المدخلات المذكورة قد اثرت بالسلب علي فكر الرهبنة .
ورأي الشخصي ان هناك متغيرات سلبية كثيرة حصلت في حياة الرهبنة وعلي قادة تلك الحركة المقدسة التحرك القوي لاعادتها الي سابق رونقها المقدس والى حضن الننعمة الالهية
ومن هنا نتطرق الي مقتل رئيس دير ابو مقارالأنبا أبيفانوس والتي ما زالت التحقيقات جارية بشأنن اكتشاف الحقيقة ، حيث تشير التوقعات الغير مؤكدة انه من داخل الدير، وهنا البداية الحقيقة لتدخل قادة الكنيسة والحركة الرهبانية لإصدار بعض القرارات الصارمة والهادفة لتصويب المسار، وتخليص ما تعلق بتلك الحركة من شوائب عالميه جعلتها تفقد بعض من صواب طريقها ودربها.
وما بين دم يوحنا المعمدان ودم الأنبا أبيفانوس رسالة من السماء الى قادة الكنيسة بأن هناك الكثير من الاشياء تحتاج إلى وقفة جادة لإستعادة حياة النسك والقداسة للرهبنة وايضاً الكنيسة .