أسرة وطني تعيش ذكريات مع صفوت عبدالحليم
يوسف سيدهم
الاثنين ٦ اغسطس ٢٠١٨
بقلم: يوسف سيدهم
رحيل الأستاذ صفوت عبدالحليم فجر في وطني مشاعر جارفة ما بين الألم لفداحة الخسارة وبين الامتنان لمشوار الزمالة في الجيل الأقدم وبين العرفان بتجربة التلمذة في الجيل الأوسط وبين ترقب ممزوج بالفخر والإعجاب في الجيل الأحدث.
بكل الحب تسابق أعضاء أسرة وطني يستدعون الذكريات التي ربطتهم بصفوت عبدالحليم… ذكريات مهنية وذكريات إنسانية تكشف كيف ترك بصمة خاصة لمس فيها عقل وقلب كل واحد وواحدة… فعل ذلك بمزيج جميل من الحب والحزم والمرح والغضب وكان في كل تلك المشاعر أخا وأبا ومعلما.. فلا غرابة في أن رحيله أطلق مشاعر متدفقة شغلت صفحات من العدد الماضي وتشغل صفحات في هذا العدد في مظاهرة تكريم عفوية كعفوية القدوة التي رسخها بتلقائية وبساطة ودون افتعال.. رسخها فقط بكونه صفوت عبدالحليم.
لذلك فبينما كنت أتصور أنني أوفيته حقه في رثائي له العدد الماضي, إذا بمساهمات الزملاء في وطني تدفعني إلي ملف ذكريات عزيزة تربطني به ولم أستطع إلا أن أسجلها تقديرا ووفاء له.
** في معرض حسمه للخلافات المهنية التي تنشب بين المحررين حول أحقية نشر الأخبار والتنافس علي المصادر يقول: المصادر الإخبارية موزعة بدقة وتوازن علي الجميع, لكن لا توجد حصانة تحمي محررا في مصدره لئلا يتقاعس عن متابعة أخبار ونشاط هذا المصدر.. فإذا جاء زميل أو زميلة بخبر مهم ولم يكن مصدر الخبر مصدره ينشر الخبر ويحاسب محرر المصدر علي إخفاقه.
** مسئولية التحقيقات الصحفية تكمن في رصد الواقع واستجلاء الحقيقة, ولأن كل منا له من الثوابت والقناعات المغروسة في شخصيته بفعل النشأة الاجتماعية والدينية والثقافية, يجب علي محرر التحقيقات أن يفصل بين ثوابته وقناعاته وبين ممارسته لدوره الصحفي, فلا يسمح بوعي أو دون وعي للحقيقة أن تتلون أو تتشوه طبقا لميوله وأهوائه, بل يستطيع أن يخلي نفسه ويترك الحقيقة تتدفق دون تدخل منه وفي نفس الوقت دون التنازل عن ثوابته وقناعاته.
** في معرض شغله منصب رئيس الدسك: معايير اختيار محرري دسك التحرير لا تملي بالضرورة انتقاء أفضل الأقلام الصحفية المتخصصة في مجال دون غيره أو التي تمتلك أسلوبا مميزا في الكتابة.. أنا أبحث عن الشخصية الموسوعية واسعة الاطلاع والمعايشة, فهي تستطيع التقاط المعلومات المثيرة للشك والتي تتطلب مراجعتها والتحقق منها, كما تمتلك من الخبرة والمرونة في الكتابة التي تسمح لها بالتدخل لتجويد كتابات الزملاء دون الاعتداء علي أساليبهم في الكتابة.
** عندما شغر موقع مدير التحرير في وطني برحيل الأستاذ فريد عبدالسيد عرضت علي الأستاذ صفوت أن يتولي هذه المسئولية فإذا به يتفرس في وجهي ويقول: هل فكرت جيدا في هذا العرض؟.. فقلت أنت تمتلك خبرة طويلة علاوة علي رصيد كبير من الاحترام والتقدير في أسرة وطني والمجال الصحفي علي وجه العموم.. فإذا به يباغتني: ولكني مسلم وأخشي أن يوغر هذا الاختيار صدور قرائك ومعلنيك.. وعقدت الدهشة لساني وعاتبته: لا يا أستاذ صفوت, أنت تعرف وطني أفضل من ذلك وتاريخها حافل بالمشاركة بين المصريين مسلمين وأقباطا سواء بين محرريها أو كتابها أو المسئولين عن أقسامها ويشرف وطني أن ترسخ لدي قرائها ومعلنيها أن رسالتها لا تفرز بين المصريين إلا بناء علي الكفاءة والإخلاص والانضباط.. وكان أن قبل الأستاذ صفوت منصب مدير التحرير ليتصدر اسمه الصفحة الأولي سنوات طويلة شهدت تطورا ونموا ونضجا في رسالتها الإعلامية.
** في أحد الأيام اختلفت معه حول أمر مهني وكنا في مكتبه وإذا بالنقاش بيننا يحتد والخلاف يحتدم فآثرت الانسحاب إلي مكتبي لئلا يخرج الأمر عن حدود السيطرة.. لكن فور عودتي إلي مكتبي إذا به يتبعني ويدفع الباب في ثورة غضب عارمة ويصرح في وجهي أنا لا يشرفني أن أعمل معك.. أنا ذاهب… وصمت لأترك العاصفة تمر وأسمح للأيام برأب الصدع.. ولم يخذلني هو بل عاد بعد بضعة أيام ليحتضنني في أخوة وحب ويقول: ولكن وطني هي بيتي الثاني ولن أتركه.
*** في كل هذه الذكريات تكمن حنكة ومحبة صفوت عبدالحليم وبصمته التي تركها فينا.