الأقباط متحدون - «الحرية لا تعطى إلا للناضجين»
  • ١٤:٠٥
  • الأحد , ٥ اغسطس ٢٠١٨
English version

«الحرية لا تعطى إلا للناضجين»

مقالات مختارة | بقلم : الأنبا موسى

٣٠: ٠٧ م +02:00 EET

الأحد ٥ اغسطس ٢٠١٨

 الأنبا موسى
الأنبا موسى

 الحرية كلمة جميلة الوقع على السمع، فهى هبة الله التى خلقنا بها.. يتمسك بها الطفل حتى وإن لم يفهمها جيدا، والشاب الصغير إذ يحس فيها بالانطلاق، ويعتبرها الشباب حياتهم بأكملها، ويموت من أجلها الألوف والملايين، فى أنحاء العالم، ويعتبرون حياتهم رخيصة من أجلها..

 
ولكن كما قالت إحدى الأديبات: «أيتها الحرية الحبيبة.. كم من جريمة ارتكبت باسمك!!».
 
فما هو المفهوم السليم للحرية الذى يمكننا أن نطالب به، ونتمسك به، ونصير بالحقيقة أحراراً، بلا خوف من تداخل المفاهيم، أو أى انحرافات؟!.
 
أولاً: مفهوم الحرية:
 
الحرية هى التعبير الواقعى عن الشخصية بكاملها، فليست الحرية فقط أى تصرف بمعزل عن أى ضغط خارجى مباشر، يملى علىّ سلوكى، فهذا ليس إلا الوجه الخارجى للحرية!!، ولكن الحرية بمعناها العميق، هى أن أتصرف بحيث يأتى سلوكى تعبيراً عن كيانى كله، وليس عن جزء من شخصيتى يتحكم فىّ، دون بقية الأجزاء، وهذه مجرد أمثلة لذلك:
 
1- قد تتحكم فىّ إحدى الشهوات وأتصرف بموجبها، دون النظر إلى ما يقوّمها ويصلحها، من أجزاء أخرى فى كيانى.. حينئذ فلست حراً بل أنا عبد للشهوة.
 
2- وقد يتحكم فىّ انفعال، أتصرف تحت سيطرته، بما أندم عليه فيما يعد.. فأنا عبد لهذا الانفعال.
 
3- وقد تتحكم فىّ عادة من العادات، يتعطل معها الضابط المتحكم فيها والموجود فى كيانى.. حينئذ فقد انطلقت العادة، وتعطل جهاز الضبط عندى، فلست بعد حراً بل أنا عبد هذه العادة.
 
وهكذا فالحرية الحقيقية هى على نقيض كل تلك الانحرافات التى أشرنا إليها.. فهى عبارة عن السلوك الواعى الذى يأتى منسجماً، ليس مع واحد من ميولى فحسب، أو مع ناحية من شخصيتى دون غيرها، ولكن يأتى معبراً عن شخصيتى ككيان متكامل، يهدف إلى خيرى الشامل، والذى يتصل من بعيد أو قريب بخير الآخرين، وبما يمجد الله.
 
ومن هنا يتضح أنه من شروط ممارسة الحرية، أن تكون الشخصية ناضجة، لكى تكون قادرة على الاختيار السليم، وإلا فسد معناها، وصارت نوعاً من العبودية!!.
 
ومن هنا جاء القول: «الحرية لا تعطى إلا للناضجين».
 
ثانياً: مفهوم الحرية فى المسيحية، واختلاف ذلك مع المفاهيم السائدة:
 
أ–المفهوم العام للحرية:
 
ينحصر فى الحريات السياسية والاجتماعية، التى تركز على الديمقراطية والمساواة والوقوف ضد الظلم والحرمان والعنصرية، وإن كان هذا المفهوم لا يتضارب مع مفهوم الحرية فى المسيحية، إذ إن المسيحية تبارك هذه الحريات، ولكن مفهوم الحرية المسيحية يعلو فى مستواه عن الأنواع التى تنظم أمور الحياة الزمنية.
 
ب- مفهوم الحرية فى المسيحية:
 
ترى المسيحية أن الإنسان خُلق حراً، وهذه الحرية لها شقان: حرية الاختيار وحرية الفعل.
 
الحرية المسيحية هى ثمرة من ثمار تدين الإنسان وعمل الله فى داخله، وهى حرية باطنية داخلية، فيها وبها يتأكد المؤمن من غلبته، على كل ما يعطل تمتعه بالحياة مع الله. فهى حرية من عبودية الخطيئة والموت والفرائض والناموس والخوف، يستطيع من خلالها أن يختار بين الخطأ والصواب، ويستطيع أن ينفذ اختياره بسهولة، بالنعمة العاملة فيه.
 
ثالثاً: هل التدين يقيد حرية الإنسان؟!
 
الله يحترم حرية الإنسان لأنه يحبه، والمحبة الحقيقية تحترم حرية المحبوب، والحب لا يفرض فرضاً، وإلا فلا يعد حباً بل عبودية، والله لم يردنا عبيداً لشهوة أو خطية أو عادة رديئة أو.. بل أحراراً نتمتع بالحياة والوجود. إلهنا العظيم يعطينا أن نتمتع بحرية البنين...
 
(يتبع)
 
* أسقف الشباب العام بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية
نقلا عن المصرى اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع